المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات
تصدير المادة
المشاهدات : 2415
شـــــارك المادة
توصّل الرئيسان الروسي والأميركي، فلاديمير بوتين ودونالد ترامب، في قمة أولى جمعتهما في هامبورغ، على هامش اجتماعات الاقتصادات العشرين الكبرى في العالم، في السابع من تموز/ يوليو الماضي، إلى اتفاقٍ لخفض التصعيد في جنوب غرب سورية، شمل محافظتي درعا والقنيطرة، والبدء بتنفيذه في التاسع من الشهر نفسه. وجاء هذا الاتفاق بعد سلسلة طويلة من الاتصالات والاجتماعات بين مسؤولين وخبراء روس وأميركيين، شارك في جزء منها مسؤولون إسرائيليون وأردنيون. وفي النصف الثاني من تموز/ يوليو الماضي، نشرت روسيا مئات من عناصر شرطتها العسكرية في محافظات درعا والقنيطرة والسويداء على خطوط التماس بين طرفي الصراع، وأقامت مراكز عسكرية في هذه المناطق، رفعت عليها العلم الروسي، وأبعدت، في الوقت نفسه، القوات الإيرانية والمليشيات التابعة لها، نحو أربعين كيلومترًا عن خط الحدود مع الجولان المحتل ومع الأردن. وعلى الرغم من إبعاده القوات الإيرانية والمليشيات التابعة لها عن خط الحدود السورية مع إسرائيل والأردن، وهو ما كانت تطالب به إسرائيل في السنوات الأخيرة، فإن إسرائيل عارضت الاتفاق كالعادة، وانتقده بشدة رئيس حكومتها، بنيامين نتنياهو، ومسؤولون إسرائيليون آخرون، بذريعة أنه لا يستجيب لمتطلبات الأمن الإسرائيلية، وهي المتطلبات التي لا يُستجاب لها أبدًا بحكم تعريفها. فما هو كنه الموقف الإسرائيلي من هذا الاتفاق؟ وما خلفياته؟ وما أسباب تحفظ إسرائيل الشديد منه ومعارضتها له؟
مواقف إسرائيلية تبنت إسرائيل، منذ بداية الثورة في سورية سنة 2011، والتي حولها النظام السوري إلى حرب أهلية، إستراتيجية إطالة أمد الحرب، وإضعاف سورية، والدعوة إلى تقسيمها على أسس طائفية وعرقية ومناطقية. وعلى الرغم من إعلان إسرائيل المستمر أنها لن تتدخل في هذه الحرب، فإنها أقامت قنوات اتصال مع بعض الفصائل الناشطة في الشريط الحدودي المحاذي للجولان السوري الذي تحتله إسرائيل من ناحية، ووضعت، من ناحية أخرى، خطوطًا حمراء للنظام السوري، شملت منع استخدام الأراضي السورية لنقل أسلحة متطورة إلى حزب الله في لبنان، ومنع دخول قوات عسكرية إيرانية والمليشيات المرتبطة بها إلى المنطقة المحاذية للجولان السوري المحتل. وشنت إسرائيل منذ كانون الثاني/ يناير 2012 عشرات الغارات على مواقع مختلفة في سورية، كلما رأت أنه جرى اختراق خطوطها الحمراء، وكان آخرها في النصف الثاني من تموز/ يوليو الماضي، أي بعد اتفاق هامبورغ. كما سعت إسرائيل، في السنوات الأخيرة، إلى استغلال الحرب في سورية، لتحقيق هدفين أساسيين، هما الحصول على شرعية دولية لضمها هضبة الجولان السورية التي تحتلها منذ سنة 1967، وإقامة منطقةٍ عازلة في الجانب السوري المحاذي لهضبة الجولان، بعمق عشرات الكيلومترات، لتكون منزوعة السلاح وتحت النفوذ الإسرائيلي.
وقد طالب نتنياهو، في اتصالاته التي أجراها مع الإدارة الأميركية وروسيا ودول أخرى منذ آذار/ مارس 2017، بإقامة منطقة عازلة جنوب سورية على طول الحدود مع الجولان السوري المحتل، وأيضًا على طول الحدود السورية - الأردنية، تكون خاليةً من القوات العسكرية، ولا سيما الإيرانية والمليشيات التابعة لها. وفي هذا السياق، أجرت إسرائيل، منذ آذار/ مارس الماضي، سلسلة من الاتصالات والاجتماعات مع أركان إدارة دونالد ترامب والقيادة الروسية لتحقيق هذا الغرض. وطالب المسؤولون الإسرائيليون، في الاجتماعات التي عقدوها في آذار/ مارس 2017 مع مبعوثي الإدارة الأميركية مايكل راتني وبريت ماكغورك ومسؤولين أميركيين آخرين، بفصل المداولات بشأن خفض التصعيد في منطقة جنوب سورية عن المفاوضات التي تجري في أستانة في كازاخستان، واستبعاد إيران وتركيا من المفاوضات بشأن خفض التصعيد في جنوب سورية، وإبعاد القوات الإيرانية والمليشيات التابعة لها من المنطقة. وشدّد المسؤولون الإسرائيليون، في هذه الاجتماعات، على معارضة إسرائيل إشراف روسيا على خفض التصعيد والمحافظة على وقف إطلاق النار في جنوب سورية، وطالبوا أن تقوم الولايات المتحدة بهذا الدور بدلًا من روسيا.
ومع اقتراب التوصل إلى اتفاق بين روسيا والولايات المتحدة، تكثفت الاتصالات والاجتماعات بين المسؤولين الإسرائيليين ونظرائهم الأميركيين والروس. وعقد مسؤولون أمنيون وسياسيون إسرائيليون وأميركيون عدة اجتماعات سرية في بداية تموز/ يوليو الماضي في العاصمة الأردنية عمّان، وفي عاصمة أوروبية أخرى، حضرها كبارُ القادة في الجيش الإسرائيلي والموساد، ومسؤولون بارزون في وزارتي الدفاع والخارجية، بينما رأس الوفد الأميركي كل من مايكل راتني وبريت ماكغورك. كما عُقد اجتماع آخر في العاصمة الأردنية، شارك فيه ممثلون عن إسرائيل والولايات المتحدة والأردن. وتمسّكت إسرائيل، في هذه الاجتماعات بمعارضتها الوجود العسكري الروسي في جنوب سورية، وإشراف روسيا على تطبيق خفض التصعيد في هذه المنطقة، وأضافت مطلبًا جديدًا، لم تكن تطرحه سابقًا، وهو أن يشمل الاتفاق إنهاء الوجود العسكري الإيراني برمته من مجمل الأراضي السورية، وليس فقط إبعاد القوات الإيرانية والمليشيات التابعة لها من جنوب غرب سورية.
أسباب المعارضة الإسرائيلية عند الإعلان عن التوصل إلى الاتفاق بين روسيا والولايات المتحدة، انتقده القادة الإسرائيليون، وازداد هذا الانتقاد حدةً بعد حصولهم على مسودة الاتفاق في منتصف تموز/ يوليو الماضي، مدّعين أنه اتفاق سيء جدًا، لأنه لم يأخذ في الحسبان مصالح إسرائيل الأمنية، ويخلق وضعًا مقلقًا في جنوب سورية. وتصاعدت الانتقادات الإسرائيلية لهذا الاتفاق، مع بدء روسيا نشر عناصر شرطتها العسكرية في مناطق مختلفة من محافظات درعا والقنيطرة والسويداء، علمًا أن وزارة الدفاع الروسية كانت قد أخبرت إسرائيل مسبقًا بنشر قواتها في جنوب سورية، وأنها ستبقى بعيدة مسافة 13 كيلومترًا عن خط الحدود بين سورية والجولان السوري المحتل. وفي هذه الأجواء، وقبل اجتماع مجلس الوزراء الأمني السياسي الإسرائيلي المصغر (الكابينت) لبحث الاتفاق، تفقد بنيامين نتنياهو ووزير الأمن أفيغدور ليبرمان القوات الإسرائيلية المتمركزة في الجولان السوري المحتل، وأعلن نتنياهو من هناك أن الواقع في جنوب سورية يتغير بسرعة وأن قوات تنظيم الدولة الإسلامية (داعش) تتضاءل، وادّعى أن إيران وحزب الله يحاولان ملء الفراغ، متجاهلًا أن هذه القوات قد جرى إبعادها وفق الاتفاق الروسي - الأميركي نحو أربعين كيلومترًا عن خط الحدود مع الجولان المحتل. وفي الثلاثين من تموز/ يوليو الماضي، عقد "الكابينت" اجتماعًا خُصص للبحث في الاتفاق الروسي - الأميركي استمر أربع ساعات. وشارك فيه رئيسا هيئة الأركان العامة للجيش الإسرائيلي والموساد وكبار جنرالات الجيش الإسرائيلي وموظفو وزارتي الدفاع والخارجية. وجرى التأكيد فيه على أن هذا الاتفاق أولي، وأن روسيا والولايات المتحدة لم تتفقا بعد على جميع التفاصيل. وتبين في هذا الاجتماع أن الدافع الأساسي وراء معارضة إسرائيل الاتفاق كان الوجود العسكري الروسي المنفرد في جنوب سورية، وإشراف روسيا على تنفيذ هذا الاتفاق.
وقد ازداد القلق الإسرائيلي مع ورود أنباء عن تفاهم محتمل، جرى التوصل إليه بين الولايات المتحدة وروسيا لتقاسم النفوذ في سورية، بحيث يكون غرب سورية وجنوبها الغربي تحت سيطرة روسيا في مقابل سيطرة الولايات المتحدة على المناطق السورية الواقعة شرقي الفرات وحتى الحدود السورية - العراقية. ومع أن هذا التفاهم، في حال تأكد حصوله، يقطع التواصل البري بين إيران وسورية عبر العراق، فإنه يكرّس النفوذ الروسي في جنوب غرب سورية. وبالفعل، شرعت روسيا في زيادة وجودها العسكري في هذه المنطقة، واتخذت جملةً من الخطوات، منها إقامة قاعدتين عسكريتين في الصنمين وموثبين شمال درعا، رفعت عليهما العلم الروسي، كما أقام الجيش الروسي غرفة عمليات رئيسة له في الصنمين، للإشراف على تنفيذ اتفاق هامبورغ. وتخشى إسرائيل من أن تطوّر روسيا وجودها العسكري في جنوب سورية من مجرد الإشراف على تنفيذ الاتفاق إلى وجود دائم يشمل إقامة قاعدة عسكرية جوية لسلاح الجو الروسي في مطار الثعلة الواقع شرقي مدينة درعا، والمتاخم لمحافظة السويداء؛ ما يعني أن روسيا قد تستقدم إلى هذا المطار منظومات صواريخ إس 300 وإس 400 كالتي نشرتها في مطار حميميم في شمال غرب سورية، والتي حولتها روسيا إلى قاعدة عسكرية جوية كبيرة. وفي حال فعلت روسيا ذلك، سوف تستقدم على الأرجح قوات عسكرية برية للدفاع عن المطار الذي لا يبعد سوى 55 كيلومترًا عن الحدود السورية مع الجولان المحتل؛ ما سيحدّ، في حال حصوله، من قدرة إسرائيل على الاستمرار في استباحة الأجواء والأراضي السورية، وشن اعتداءات على سورية كلما رأت أن خطوطها الحمراء قد اخترقت.
خاتمة تعارض إسرائيل اتفاق خفض التصعيد الذي توصلت إليه روسيا والولايات المتحدة بشأن جنوب سورية، لأنها ترى أنه يتناقض مع إستراتيجيتها الأمنية والعسكرية تجاه الصراع الدائر في سورية، فقد يمهد الاتفاق إلى إنهاء الحرب في سورية، وهو ما لا ترغب فيه إسرائيل. والأهم أنها تعتبر الاتفاق تهميشًا لمطلبها أن تكون المنطقة السورية المحاذية للجولان السوري المحتل عازلة، تحت النفوذ الإسرائيلي. ومع أن هذا الاتفاق يبعد القوات الإيرانية والمليشيات التابعة لها عن الحدود السورية – "الإسرائيلية"، فإنه، في الوقت نفسه، يعزّز من الوجود العسكري الروسي في جنوب سورية، ويحدّ من حرية الحركة لدى إسرائيل، وإن كنا نشك أنه يحدّ من حركتها الجوية، والتي كانت حتى الآن منسقةً مع غرفة العمليات الروسية التي تبدي "تفهمًا" لاعتبارات "أمن إسرائيل".
المرصد الاستراتيجي
كليم دندوش
الجزيرة نت
نبيل العتوم
جميع المقالات تعبر عن رأي كاتبيها ولا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع
برأيك، هل ستحقق العملية التركية -شرق الفرات- أيّ مكاسب للسوريين؟
نعم
لا
عمر حذيفة
لبيب النحاس
مؤسسة الموصل
أسرة التحرير
محمد العبدة