..

ملفات

الكُتَّــاب

أرسل مشاركة


الى الثورة

الثلاثي المرح

سلوى الوفائي

١٢ مارس ٢٠١٢ م

تصدير المادة

pdf word print

المشاهدات : 3829

الثلاثي المرح
500546.jpeg

شـــــارك المادة

ما أصعب أن تخوض معركة حقّ يحاربها العالم، وما أقسى أن تجد نفسك وحيداً وسط المعركة مسربلاً بدمائك، تصارع الأمواج المتلاطمة حولك وكأنك تسبح عكس تيارات الموت المجنونة التي لا تبق ولا تذر.

 


وحين تكون محاطاً بالموت من كلّ حدب وصوب، ليس أمامك سوى خيار واحد: أن تصمد وتصبر وتقاوم؛ فإمّا يأتيك الفرج من حيث لا تدري، وإمّا تحملك الملائكة إلى مكان ينتظرك في الملأ الأعلى مكللاً بالرياحين ومفروشاً بالسندس. وفي الحالتين أنت المنتصر... وحين تكون وسط المحيط الهائج ليس هناك ملاذ آمن أنى اتجهت، فالموت محدق بك من أمامك وورائك.
هذا بالضبط حال السوريين الذي باعوا دنياهم ليشتروا المجد والكرامة. ثاروا على الظلم والطغيان فتكالبت عليهم الذئاب، وأغرب ما في الموضوع أنّ الذئاب رغم هياجها تخاف فريستها وتخاف هذه النظرات الثاقبة في عيون الضحايا والتحدي الذي فرضوه على المشهد اللاعقلاني والثبات أمام الشرّ وقد تألب مسعوراً به نهم إلى العضاض وإن أودى به النهم.
وفوق أشلاء الضحايا تقف إسرائيل لتقود قطيع الذئاب، كالدينمو الذي يدير دفة السفينة، فإن تحرك تحركت وإن سكن سكنت. ومن سوء حظ الشعب السوري الثائر أنْ تزامنت انتفاضته مع أعتى التداعيات العالمية والإقليمية، فمن جهة ينوء الرجل الأسود في البيت الأبيض بكلكل الانتخابات الراهنة ويخوض معركة داخلية تشغله عن كلّ السيناريوهات العالمية شأنه في ذلك شأن فرنسا وروسيا، وبما أنّ اللوبي الصهيوني هو المعمل المصنع لرؤساء العالم الذي يفصل قادة العالم حسب مقاس دولة إسرائيل، فلا يمكن أن ينفرد حاكم بحكمه ما لم يخضع لفحص زمرته الدموية؛ فإنّ كانت (إسرائيل +) فقد كفي همه، وإن كان غير ذلك أجريت له جراحة إستراتيجية مصحوبة بعملية غسيل دماغ طبقي محوري حتى يفيء إلى ربّ نعمته (إسرائيل)، التي تموّل الحملات الانتخابية لقادة العالم بعد صهينتهم، وتتحكم بصناديق الاقتراع ونتائج الانتخابات بتحريك يهود العالم مع أو ضدّ أيّ مرشّح رئاسي، وبما أنّ يهود العالم يسيطرون على 90 % من الإعلام العالمي فلا تتوقع أن تصرح أيّ قناة فضائية أو حتى مكوكية بما يخالف شريعة حكماء صهيون. وحين يقول يهود باراك: "خففوا الضغط عن النظام السوري"، تكفي هذه الإشارة إلى رفع كافة أنواع الضغوطات عنه.
لعلّ هذا ما يفسر التناقضات التي غرقنا بها منذ بدء الثورة السورية وطوفان الاحتجاجات ضد طاغية الشام الأكبر. فكم مرة سمعنا الناطق الرسمي باسم البيت الأبيض يقول أنّ على الأسد أن يتنحى؟ وكم مرة تهجم أردوغان على النظام الأسدي وطالبه بالرحيل وهدده بدعم الثورة والشعب النازف حتى الموت؟ وكم مرة صرح ساركوزي بضرورة وقف العنف والانتقال السلمي للسلطة وضرورة إقامة ممرات آمنة، تحولت مع الوقت إلى ممرات إنسانية ثمّ تلاشت أدراج الرياح؟ ثم يأتي تقرير حقوق الإنسان ليدين جرائم الأسد ضد شعبه والتي تصل إلى حدّ جرائم ضد الإنسانية، ويأتي بعدها مجلس الجمعية العمومية ليدين انتهاكات الأسد لحقوق الإنسان ويطالبه بوقف العنف وتسليم السلطة السلمي لنائبه، ثمّ يتحفنا أصدقاء سورية بمؤتمر في تونس الخضراء لم نجن من ثماره سوى المزيد من الضحايا وإراقة الدماء، ثم ماذا؟ ماذا ننتظر بعد ذلك من العالم؟
بات واضحاً أن العالم لا يريد أن يتدخل في الشأن السوري لأنّ الأوامر العليا صدرت بعدم التدخل، بل طالبت أيضاً بالصمت وغض الطرف عمّا يجري في سورية من جرائم بشعة تكفي لإدانة العالم بأسره وليس فقط لإدانة النظام السوري المجرم. لكن ما يحزننا فعلاً كسوريين هو أن أصابع راعي قطيع الذئاب قد وصلت حتى إلى رعاة الثورة السورية المخولين بمخاطبة المجتمع الدولي نيابة عنها. و قد شهدنا على مدى شهور من الأخطاء ما يكفي لنموت غماً لكن ظللنا نساند ونؤيد وندعم الممثل الوحيد للحراك الثوري السوري ونسكت عن أخطائه رغبة منا بلمّ الشمل وتوحيد الصفوف، لا جهلاً وغفلة عما يحدث وراء الكواليس. لكن وصل الطوفان إلى حدّ كاد يهلكنا معه، وأصبحنا كالربان الذي يتوجس خيفة من الرياح العاصفة ويستعد لاتخاذ قرار صعب بمواجهتها كي ينجو بمن معه من الهلاك الوشيك.
وأصبح واجباً علينا أن نواجه صنفين من الأعداء، صنف نعرفه وقد أعلنا الحرب عليه، وصنف أعطيناه ظهورنا ظننا أنّه السند والعمود الفقري الحامي فما لبث أن اتضح لنا أنّه (يحالف رياح القدر ضدنا)(1) في صفقة خاسرة ستودي به وبنا إلى مهاوي التهلكة. وعلى رأس هذا الصنف يقف الثلاثي المرح برهان غليون وأحمد الرمضان وبسمة قضماني الذين عقدوا هدنة مع السوس الذي ينخر عظامنا، بدل أن يشنوا حربهم عليه، الثلاثي المرح يطالب بالسلمية ويريد أن يضع يده على الجيش الحرّ ويتحكم بآلية تسليحه ونوعية تحركاته، دون أن يدرك مدى حجم الدمار الذي خلفه نظام الأسد ومدى الفساد الأخلاقي الذي يقود حربهم ضد الشعب الأعزل ومدى إجرامهم بحق الأبرياء الذي لم يرحم طفلاً رضيعاً ولا شيخاً عاجزاً ولا شاباً ولا فتاة، ومارس كل أنواع القتل والذبح والتنكيل والاغتصاب والقمع السادي في السجون والمعتقلات الأسدية، فهل يأتي يوم نسمع فيه برهان غليون يطالب الجيش الحر أن لا يطلق طلقة رصاص واحدة على شبيحة الأسد حتى تأتيه الأوامر من سيادته؟ وهل يأتي يوم تطالب فيه بسمة المجلس المدنين أن لا يدافعوا عن أنفسهم لأن ثورتنا سلمية؟؟؟؟ وهل نسمع البوق أحمد الرمضان يغرد خارج السرب مطالباً النساء أن تستسلم طواعية لانتهاك عرضها وتحتسب الأجر على الله؟ عن أي سلمية تتحدثون ولم يبق فرد واحد من أفراد الطائفة المؤيدة للنظام لم يحمل سلاحاً؟ عن أيّ سلمية تتحدثون وقد وجدت مئات الجثث من أهلنا مرمية في الشوارع وقد كتب عليها (شبيحة الاسد) و(الأسد أو لا أحد)؟ عن أيّ سلمية تتحدثون وقد ذبحت عائلات بأكملها في بيوتها الآمنة بالسكاكين الحاقدة على البشرية؟ عن أيّ سلمية تتحدثون وقد قتل الشبيحة مئات المرضى في المشافي الحكومية ظلماً وبهتاناً؟ عن أيّ سلمية تتحدثون وقد فتحت عصابات الأسد نيران مدافعها ومدافع دباباتها على المظاهرات السليمة أمس في الرستن وغيرها؟
نقول: لا للتدخل العسكري الخارجي خوفاً من إراقة دماء الضحايا وتخريب البلد، وقد فعل بنا أوغاد الأسد ما هو أنكى وأمرّ؟ لقد خربت البلد فماذا تنتظرون؟ احترموا دماء الأبرياء ودموع اليتامى وأنّات الثكالى وصرخات المنكوبين والجوعى حين تحتسون نبيذكم المعتق وتأكلون الكافيار المفلفل وترقصون السامبا في الشانزيليزيه. الشعب يطالب برحيل الثلاثي المرح (برهان وبسمة والرمضان) قبل رحيل الأسد. ويناشد أصحاب الضمير الإنساني أن يدعموا الجيش الحر بالسلاح والعتاد لإنقاذ من تبقى من الشعب السوري، ويطالب بتوجيه ضربات عسكرية لمقرات القيادة الأسدية ومقرات الأمن والمعتقلات والمخابرات بكلّ أنواعها. ويطالب المجتمع الدولي أن يحفظ ماء وجهه ويكفّ عن المتاجرة بدماء السوريين.
لسنا ننتظر دعماً دولياً لن يأت، بل ننتظر أن يحقّ الله الحق بكلماته ويقطع دابر الظالمين. إذا شاء الله نزع الملك من عبد، فلن يعجزه، وإذا شاء تمكين الملك لعبد فلن تقف في وجهه جيوش العالم بأسره. والغلبة للمؤمنين الصابرين؛ {ولا تهنوا ولا تحزنوا وأنتم الأعلون إن كنتم مؤمنين}.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) الصحيح يحالف الظالم والمستبد، وليس رياح القدر –وإن كنا نثمن للكاتبة عبارتها الأدبية- لأن القدر من الله خيره وشره؛ وركن من أركان الإيمان. 

تعليقات الزوار

لم يتم العثور على نتائج

أضف تعليقًا

جميع المقالات تعبر عن رأي كاتبيها ولا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع