..

ملفات

الكُتَّــاب

أرسل مشاركة


الى الثورة

قراءة في دستور الشبيحة

غسان الإمام

٦ مارس ٢٠١٢ م

تصدير المادة

pdf word print

المشاهدات : 6822

قراءة في دستور الشبيحة
03326.jpeg

شـــــارك المادة

غريزة الامتلاك في النفس الإنسانية ترافقها دائماً شهوة جارفة للسلطة، للسيطرة على الآخرين. يقول نيتشه: «من يعرف كيف يقود، يجد دائماً من يجب أن يطيع». في خداعنا لأنفسنا، فنحن ندرج سوق القطعان البشرية تحت ما نسميه «الإنسان مخلوق اجتماعي». فهو إنسان ودود، مطيع، ميال في فطرته إلى التجمع.


هذه السيطرة السلطوية هي أساس الشقاء الإنساني. فالسلطة معقدة جداً، تنمو، تتسع شباكها بمجرد احتكار ممارستها باستمرار. القيصر يفضل أن يكون الأول في فريقه، على أن يكون الثاني في عاصمته. ويبدو أنه شقاء لا بدّ منه. لأنه لا بدّ من التعاون للتغلب على قوى الطبيعة، ولتطويعها في خدمتنا، نحن أشقياء الاجتماع وضحاياه. مع التقدم الحضاري المتدرج للإنسانية، أفاق العقل والضمير على الحاجة إلى تهذيب السلوك الإنساني، في التعامل مع الذات والغير. بدأ البحث عن أداة غير القوة للسيطرة. ولامتلاك السلطة. هنا على الأرض العربية، سن حمورابي القانون أساساً لتعامل الدولة مع الإنسان. والإنسان مع الإنسان.
بعد حمورابي، صاغ أرسطو السياسة أساساً للحكم والإدارة، جاء أفلاطون بالجمهورية الفاضلة. المدينة المؤسسة على العقل. المنطق. أي على الثقافة في أسمى صورها: الفلسفة.
ثم بعد ألف سنة، انطلقت صيحة عربية تحت منبر الإسلام، دوى سؤال استنكاري لعمر بن الخطاب –رضي الله عنه-: «متى استعبدتم الناس وقد ولدتهم أمهاتهم أحرارا؟! ». بعد ألف سنة ثالثة، بدأ التفكير جدياً لدى فلاسفة عصر التنوير (مونتسكيو. روسو. كانت) بوضع ناظم تعاقدي لتنظيم التعامل بين الدولة والمجتمع: الدستور الملهم للقوانين.
مع ولادة الجمهورية، بات الدستور رمزاً للحرية. مهمة الدستور إرساء نظام عاقل، منفتح، مستقر، سواء كان التشريع مستلهماً من الفضيلة الأخلاقية والدينية (الشريعة). أو مستقى من التشريع الوضعي الحداثي.
مع الناظم القانوني (الدستور)، باتت الدولة أداة السلام المدني، والأمن الاجتماعي، من دون إكراه،  وبلا خداع، سواء كانت جمهورية، أو ملكية وراثية.
كان النضال العربي من أجل الاستقلال ديمقراطياً، بل دستوريا. عرفت مصر دستورها مع سعد زغلول، منذ عام 1923م. عرفت سوريا أول برلمان ديمقراطي، في ذروة نضالها ضد الاستعمار (1928م). عرفت دول المغرب العربي أشكالاً متقدمة للحزبية الديمقراطية، خلال نضال مماثل.
لكن لماذا شقي العرب بغريزة امتلاك السلطة؟ كسب العرب الاستقلال، فخسروا الوحدة القومية! بل خسروا الحرية. وزوروا الديمقراطية، فقدوا السياسة أداة للحوار للتسوية، للنضال السلمي. كانت سلطة الاستعمار تغلق صحيفتك، ثم تمنحك في اليوم التالي ترخيصاً لإصدار صحيفة جديدة. في سوريا، لم تصدر صحيفة سياسية واحدة مستقلة على مدى خمسين سنة من حكم «البعث»، و42 سنة، من حكم الأسد الأب والابن.
كان الظن العربي خاطئاً، ظن البعث وعبد الناصر الملكية حائلاً دون الوحدة القومية. ها هي أوروبا تبني اتحاداً من ملكيات وجمهوريات. ها هو عاهل عربي جليل يطلق صيحة الخطر، مذكراً خليجه المهدد، بقيمة الوحدة الاتحادية، للحفاظ على الهوية، الانتماء، الاستقلال، السيادة، الثروة، الكرامة. قيل ما قيل، صدقاً أو كذباً، عن أسباب ابتذال الحرية، تزييف الديمقراطية، بهدلة القانون، في جمهوريات السبعينات، وما دام الحديث عن دستور غابة الأسد الجمهورية، فأكتفي بعرض سريع لسجلها الحافل. أبدأ بمنطق التوريث لأقول إن دستور نظام الشبيحة ينص على أن جمهورية الأسد الابن «دولة ديمقراطية»! ليست هناك جمهورية ديمقراطية ووراثية في العالم كله، إلا في دول على شاكلتها، كوريا الشمالية حالياً، وكوبا وهاييتي سابقاً.
النظام الملكي العربي يملك شرعية وراثية ونضالية تاريخية، الأنظمة الخليجية ورثت شرعيتها، حتى قبل حلول الانتداب البريطاني، آل خليفة جاؤوا من قلب جزيرة العرب منذ ثلاثة قرون، ليستعيدوا البحرين من الدولة الفارسية، البحرين التي تشهد اليوم تحركاً بقناع فارسي يطمح إلى تحويلها مستوطنة على شاكلة مستوطنة «حزب الله» في لبنان، لتكون عبئاً على الديمقراطية والحرية فيه.
الـ«ترزي/ الخياط» المخضرم مظهر العنبري هو العبقري الذي خاط منذ عام 1964م كل دساتير البعث، مرة على قياس الأب، ومرة على طول الابن. في كل بند وفقرة، أسدل الترزي الفقيه برقع التنظير الدستوري فوق إجرامية التطبيق التعسفي، فصارت دمشق «قلب العروبة النابض... في العقود الأخيرة» (عصر الأسد الأب) رديفاً لطهران في الكيد لكل ما هو عربي.
نص الدستور/ الفلتة على «صيانة الكرامة الإنسانية لكل فرد» في المدن والقرى السورية المحاصرة بدبابات فرقة ماهر الأسد، وبالصواريخ، وقذائف مدافع «القرنفل» و«الأكاسيا» الروسية المهداة من بوتين مع «الفيتو». في الاقتصاد، يتباهى الدستور بـ«منع الاحتكار». عملياً، بات حكراً لأولاد العيلة، والمتنفذين الفاسدين من ضباط ورجال بزنس.
«المواطنون متساوون في تولي وظائف الخدمة العامة». ماذا أقول عن بطالة تتراوح بين 25 و35 في المائة من الشباب؟ ماذا أقول عن الطبقة الإدارية التي رباها النظام على أساس «تكافؤ الفرص» بين الطائفة والعيلة؟ ماذا أقول عن «إشراف الدولة على مؤسسات التعليم الخاص»، فسمحت لملالي إيران بفتح عشرات الكليات (الحوزات) «لتشييع» ألوف السوريين، إمعاناً في تمزيق النسيج الديني لمجتمع سوري لا شيعة فيه؟
«المساكن مصونة لا يجوز دخولها أو تفتيشها، إلا بأمر من الجهة القضائية المختصة، وفي الأحوال المبينة للقانون» الذي تخرقه الأجهزة الأمنية المخيفة قبل الانتفاضة، وخلالها باقتحام البيوت، و«تنظيف» بابا عمرو من السكان الباقين على قيد الحياة. والإعدامات الميدانية بلا محاكمة؛ ليست هذه الإعدامات الأولى، إنما تقليد تاريخي للبعث. في تمرد العميد جاسم علوان (1963م)، أعدم حافظ الأسد وصلاح جديد ميدانياً دفعة وراء دفعة من العسكريين والمدنيين، وتباهَيَا بإذاعة الأسماء علناً من الإذاعة والتلفزيون.
في ديمقراطية بشار، لا حدود لسلطات وصلاحيات بشار الدستورية، منها: إعلان حالة الطوارئ، وإلغاؤها -ألغيت قانونياً، تنفذ عملياً-. تعيين الموظفين المدنيين والعسكريين، حل مجلس الشعب، اغتصاب سلطة التشريع بحجة غياب البرلمان، إبرام المعاهدات... بعد كل هذه الملبوسات الفاخرة، فصل «الترزي» ثوبين «إكسترا» على قد الطول والمقام؛ الأول: لإحداث صدمة الأمر الواقع: «رئيس جمهورية غير مسؤول عن الأعمال التي يقوم بها»! من المسؤول؟ لا أحد يدري! ولا حتى الترزي.
أما الملبوسة الثانية: فهي للسهرة فغدت نكتة عالمية: «تنتهي مدة ولاية رئيس الجمهورية الحالي (بشار) بانقضاء سبع سنوات ميلادية من تاريخ أدائه القسم الدستوري رئيساً للجمهورية (بانتهاء ولايته الثانية التي بدأت في عام 2007م). وله حق الترشح مجدداً لمنصب رئيس الجمهورية (2014م)، وتسري عليه أحكام المادة 88 من هذا الدستور اعتباراً من الانتخابات الرئاسية القادمة». أي يحق له التجديد، خلافاً للدستور، في عام 2014 ثم للمرة الرابعة عام 2021م، بحيث تنتهي في عام 2028م!
هيك دستور يحتاج لهيك رئيس، والعكس صحيح. بس في الأمثال الشعبية السورية اللاذعة، مثل يقول بلا مؤاخذة! «عيش يا كديش حتى ينبت الحشيش». هذا الشبل الفخور من ذياك الأسد الهصور. جدد الأب لنفسه خمس مرات، طلب الشهادة في المرة الثالثة 1985، اقتداء بمسيرة الخميني (البعثي بعمامة). فلم يحظ بها، جددوا له مرتين أخريين، مات بعد الخامسة، لم يجرؤ شبيحة العائلة على دفنه في عاصمته، حملوا القيصر ليدفن في قريته القرداحة.

االمصدر: الشرق الأوسط

تعليقات الزوار

لم يتم العثور على نتائج

أضف تعليقًا

جميع المقالات تعبر عن رأي كاتبيها ولا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع