أحمد أبو دقة
تصدير المادة
المشاهدات : 3344
شـــــارك المادة
شيئاً فشيئاً تتفسخ البنية التحتية للجيش السوري مع توسع الثورة في حركتها وزيادة الضغط الشعبي، وكذلك ارتفاع عدد الضحايا. لأن الدماء التي تسيل تثير فضول المجندين والمدنيين على حد سواء فهي تجعل الناس يفكرون ويغيرون آراءهم ويبحثون عن مبررات لهذا العنف. لكن لا يجدون سوى أن عائلة الأسد ومجموعة من المستفيدين حوله يريدون أن يحافظوا على سلطته لأنها سفينة النجاة بالنسبة لهم، وهم على ظهرها يستمرون في سرقة الشعب وممارسة الطغيان والتسلط باسم القومية العربية ومعاداة الكيان الصهيوني.
حينما نبحث عن الأخلاق في الأجهزة الحكومية التي تحكم المجتمعات المدنية العربية فإنها منظومة فقدت في ظل جو من الفساد المجتمعي الذي ساعد في بقاء هذه الأنظمة فجعل العاملين في كنفها -وإن شمل الأمر أغلبيتهم- يبحرون في مافيات سلطوية جعلت من الفساد جدار يحيط بها ويفصلها عن الشعب فقدست المنتمين لحلفها ودعمتهم وهمشت المجتمع لصالحهم.. في سوريا الأمر أعمق بكثير من الفساد في ليبيا أو مصر، فالأمر ليس بعيداً لكنه أعمق ففي ليبيا. على سبيل المثال: كان الفساد في البناء السلطوي نفسه وهرمية الحكم، الأمر الذي استغلته عائلة القذافي لتشييد إمبراطورية مالية هي والمحيطون بها على حساب الشعب الليبي وثرواته النفطية، وبناء وهم اسمه السلطة سرعان ما تم انهياره. وفي مصر كذلك الأمر نفسه حصل، أما الصراع في سوريا فإنه صراع تكتلات دولية منها من يراهن على سقوط نظام بشار الأسد وأخرى تراهن على بقائه، بالإضافة إلى الكيان الصهيوني الذي يقف حائراً وعاجزاً عن التصرف سوى الترقب.. فالأسد الذي يحافظ على أمن الحدود منذ عقود ويناقض دعواته العروبية والقومية إذا سقط فلن يأتي أسد آخر، لربما من يأتي بعده يكون صادق مع شبعه ويطالب بتحرير الجولان.. أو أقل المخاطر لربما اندلاع الفوضى الأمنية على الحدود.. الأمر المهم والآخر أن الطائفة النصيرية في سوريا هي التي تولت الحكم وليس فقط الأسد، بالإضافة إلى الفاسد ماهر الأسد السادي الذي يستمتع بعذابات شعبه هو الآخر يريد الاستئثار بالسلطة، أما إيران التي تراهن على بقاء بوابتها نحو الشرق الأوسط صامدة فإنها تحاول بكل جهد لبقاء الأسد لأنها ستبقى بعيدة عن قضايا الأمة إذا تم إسقاط الحكم النصيري الموالي لها في سوريا. يقول أبو عبد الرحمن -وهو عضو قيادي في جيش التحرير السوري-: إنهم يسيطرون على ثلثي محافظة إدلب، ويشرعون في تأسيس هيئات محلية متخصصة في القضاء والإغاثة الاجتماعية لترتيب أوضاع المدينة التي يعيش فيها 150 ألف سوري. عدد هذا الجيش في المدينة والمتعاونين معه يقارب 17 ألف مسلح، كلهم يحقدون على عائلة الأسد النصيرية، ويضيف: أن أغلبهم مدنيون ومتطوعون وضباط عسكريون سابقون في الجيش النظامي، إضافة إلى العسكريين المتقاعدين وسرايا من "الجيش الحر" من مختلف مدن سورية انضموا إلى جيش التحرير، وأقسموا على التضحية بالنفس والنفيس دفاعاً على الأعراض والأرواح. ويضيف أبو عبد الرحمن -الذي صرح لصحيفة الشروق الجزائرية-: أن هناك تنسيق مع كافة الأطراف الفاعلة من أفراد الجيش المنشقين، وتابع قائلاً: "لقد أنشأنا محاكم فيها قضاة نزهاء يشهد لهم الناس، وفيها نائب عام ومحامون يدافعون عن المتهمين، إضافة إلى إنشاء سجون صغيرة، لتوقيف وعقاب من يثبت في حقهم الإخلال بالأمن العام؛ كالسرقة أو نقل الأخبار إلى الجيش النظامي أو التعامل مع الأمن والشبيحة من أي طرف سواء كانوا من الثوار أو من المدنيين". وعن طبيعة العقوبات المطبقة في حق المدانين، فقال: "أغلبها تكون رادعة، لكننا نسعى قدر الجهد للعفو عن الناس إلا في الحالات النادرة التي تمس العرض أو التعامل مع العدو الذي يؤدي إلى مقتل الناس أو الاعتداء على أعراضهم". ويؤكد أيضاً أنهم يحاولون حماية المدنيين قدر المستطاع، لكنهم يفتقدون إلى الدعم، فهم يحاربون جيش قوي، وليس لديهم الإمكانات المناسبة لهذه المعركة. وقال أبو عبد الرحمن: "أهداف جيش تحرير سوريا أربع نقاط، إقامة دولة مدنية حديثة يرفع فيها الحق ويزال منها الباطل تحت تعاليم الإسلام السمحة وإعلاء كلمة الله، وإسقاط النظام السوري الحالي، والمحافظة على وحدة الوطن، وكذا الحفاظ على استمرارية الثورة والحيلولة دون الاعتداء على الناس أياً كان دينهم أو عرقهم أو انتماءاتهم السياسية". التقديرات المعلنة تتحدث الآن عن أكثر من 8 آلاف قتيل في سورية منذ بداية الأحداث هناك. كل يوم يقتل عشرات الأشخاص، ويصاب المئات. التقارير التي ينجح نشطاء المعارضة في رفعها إلى العالم تروي قصة باعثة على الصدمة عن وحشية لا كوابح لها. إعدامات لعائلات كاملة، جرحى ينزفون حتى الموت في الشوارع دون إمكانية نقلهم لتلقي العلاج. في المستشفيات يوجد نقص كبير في الأدوية، والأطفال يموتون لأن السلطات قطعت الكهرباء. رغم الفظائع، فإن رد فعل معظم دول العالم ليس أكثر من اللوك باللسان. الدول الغربية تندد بشدة بالأسد، بعضها حتى يطالبه بالرحيل، الدول العربية كانت أكثر عمليةً عندما قررت تعليق عضوية سورية في الجامعة العربية، بل وفرضت عليها عقوبات اقتصادية. روسيا، الصين وإيران، بالمقابل، تواصل دعم النظام الإجرامي. من كل هذا لا يمكن لمواطنين سوريين -ولا سيما حركات المعارضة- إلا أن تستخلص بأن الأسرة الدولية لا تعتزم استخدام قوتها لإسقاط نظام الأسد أو على الأقل الفرض عليه لوقف القتل والسماح للجرحى بتلقي المساعدة الطبية. صحيفة هآرتس الصهيونية تقول: إن فداحة الجرائم تدفع إلى الجنون، وتضيف: بأن الحكومة الصهيونية لا يجب أن تتمترس خلف موقفها المراقب والمحلل، ونريد منها موقف أخلاقي والإعراب عن استعدادها لتقديم المساعدة ليس إكراماً للشعب السوري؛ وإنما من أجل الإنسانية، آلمني هذا الحديث من العقلية الصهيونية، صحيح أنه خطاب إعلامي متلاعب بعاطفتنا نحن العرب؛ لكن ينم عن شعور أخلاقي في نفس أعدائنا، فهل الشعب السوري الواقع تحت المقصلة يريد منا الكتابة والأخبار والتصريحات والدعاء في الصلوات وعقد المؤتمرات، أم يريد منا أمرين؛ الدعم المادي والدعم السياسي.. علينا التركيز في دعمنا.. الدول التي أعلنت عن موقف مؤيد للثورة هل فكرت في دعوة جماهيرها للتبرع لصالح الشعب السوري والجيش السوري الحر الذي يراهنون عليه لإسقاط النظام؟ لا تقعوا في الغباء وتراهنوا على مجموعة مسلحين من أجل إسقاط جيش بحجم الجيش السوري يمتلك أكثر من ألفي دبابة ومئات الطائرات والصواريخ.. أنا أتحلى بالإيمان لكن بعض الإيمان يحتاج إلى إرادة وقدرة على التضحية.. جميع من عقدوا مؤتمرات من أجل سوريا لم يكن لديهم نية صادقة، ولو أن لديهم ذلك فعلياً لأغلقوا الحدود في وجه النظام.. ولكن إذا فعل هؤلاء شيئاً لفلسطين سيفعلون الكثير من أجل الشعب السوري.. هم مجرد متلاعبين بالملف السوري لمصالحهم فقط.
المصدر: موقع مجلة البيان
طارق الحميد
أحمد موفق زيدان
غسان المفلح
علي حسين باكير
جميع المقالات تعبر عن رأي كاتبيها ولا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع
برأيك، هل ستحقق العملية التركية -شرق الفرات- أيّ مكاسب للسوريين؟
نعم
لا
عمر حذيفة
لبيب النحاس
مؤسسة الموصل
أسرة التحرير
محمد العبدة