..

ملفات

الكُتَّــاب

أرسل مشاركة


الى الثورة

نظرة تأمل في الربيع العربي

محمد أحمد المطاع

٢٥ فبراير ٢٠١٢ م

تصدير المادة

pdf word print

المشاهدات : 6755

نظرة تأمل في الربيع العربي
566558.jpeg

شـــــارك المادة

الحمد لله ربِّ العالَمين، والصَّلاة والسَّلام على سيِّدنا محمَّد، وعلى آله وصحبِه.
وبعد:
عاش العالَم العربي، وما يزال يعيش ما سُمِّي بالرَّبيع العربي في ثوراته ضدَّ الطُّغاة، والَّتي أطاحَتْ بالأنظمة الظَّالِمة لشعوبِها على مدى عُقود من الزَّمن، وقد نجحَتْ هذه الثَّورات في ذلك؛ إمَّا بهرب رأس الفساد كما في تونس، أو إيداعِه قفص المُحاكمة كما في مصر، أو بالقضاء عليه كما في ثورة ليبيا، وبقي طاغية سوريا، وستأتي نهايته قريبًا -بإذن الله-.
ولا عجبَ ولا غرابة في كلِّ هذه النتائج التي آلَتْ إليها هذه الثَّورات في جميع البلدان الثائرة؛ إذْ إن لكلِّ ظلمٍ نهايةً مخزية، فهذه سُنَّة الله - عز وجل - في الظَّلَمة، قال الله - تعالى -: {وَكَذَلِكَ أَخْذُ رَبِّكَ إِذَا أَخَذَ الْقُرَى وَهِيَ ظَالِمَةٌ إِنَّ أَخْذَهُ أَلِيمٌ شَدِيدٌ} [هود: 102]، وعن أبي موسى - رضي الله عنه - قال: قال رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم -: ((إنَّ الله - عز وجل - يُمْلِي للظَّالِم، فإذا أخذَه لَم يفلته))[1].
وقد قصَّ الله - عز وجل - لنا في كتابه عن أولئك الظَّلَمة الأوائل - أسلافِ ظلَمة اليوم - النهاية الوخيمة التي وصَلوا إليها، لكن لا يتَّعِظ الخلَفُ من السَّلف.
ولعلَّ ما أصاب حكَّامَنا اليوم هي دعوات المَظْلومين، من المسلمين، وقد وعدَ الله - تبارك وتعالى - بالاستِجابة لهذه الدعوات؛ فعَن خزيمة بن ثابت-رضي الله عنه- قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((اتَّقوا دعوة المَظْلوم؛ فإنَّها تَحْمل على الغمام؛ يقول الله - جلَّ جلاله -: وعزَّتِي وجلالي لأنصُرَنك ولو بعد حين))[2].
ولعلَّ المُتابِع لِسَيْر أحداث هذه الثَّورات العارِمة ضدَّ الظُّلم وأهله، يَجِد حقائق مهمَّة يَجِب الوقوفُ عندها، والتي منها:
أوَّلاً: أن إرادة الشعوب التي هي بعد إرادة الله - عز وجل - لا تُغلَب، ولا يُمكن لها أن تنكسر، كما قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((لا تَجْتمع أمَّتي على ضلالة))، وفي رواية أخرى: ((ما كان الله لِيَجمع أمَّتِي على ضلالة))[3]، فالأمَّة قاطبةً قد أجمعَتْ على إزاحة الظُّلم والظُّلمة.
ثانيًا: أنَّ هذه الأنظِمَة قد بلغَتْ مبلغًا كبيرًا في ظلم العباد، واتَّخذَتْ شعار الفرعونيَّة في حُكْمها لشعوبِها، فكان حالُها كما قال الله - عز وجل - حاكِيًا عن أستاذ الظُّلم وعميده: {قَالَ فِرْعَوْنُ مَا أُرِيكُمْ إِلَّا مَا أَرَى وَمَا أَهْدِيكُمْ إِلَّا سَبِيلَ الرَّشَادِ} [غافر: 29]، فقد بلغَ هؤلاء ذروة الغُرور بأنفسهم، فأوصلوا للشُّعوب رسالة مفادها: "إمَّا أن أَحْكمكم بحالكم التي عرفتُموها، أو أن أقتُلَكم وأستَبيح أموالكم وأعراضكم"، فأي حالٍ وصل إليه هؤلاء الطُّغاة؟
ثالثًا: {لَا يَتَّخِذِ الْمُؤْمِنُونَ الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ فَلَيْسَ مِنَ اللَّهِ فِي شَيْءٍ} [آل عمران: 28]،  سعَت الأنظمة إلى أن تكون عميلة للغرب؛ ظنًّا منها أنَّها ستَدْعمها وتحافظ عليها، وتجعلها من المخلَّدين في الحكم، ولكن هيهات! ما أسرعَ ما تبخَّرَت هذه الأحلام الورديَّة، وتخلَّى الغرب عن كلِّ مَن كان لها حاميًا، وعلى مَصالحها مُحافظًا، ولشعبه قاهرًا! ولا غرابة؛ فهذه سُنَّة الله في خلقه، فكان حالهم كما قال الله: {كَمَثَلِ الشَّيْطَانِ إِذْ قَالَ لِلْإِنْسَانِ اكْفُرْ فَلَمَّا كَفَرَ قَالَ إِنِّي بَرِيءٌ مِنْكَ إِنِّي أَخَافُ اللَّهَ رَبَّ الْعَالَمِينَ} [الحشر: 16]، {وَإِذْ زَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ أَعْمَالَهُمْ وَقَالَ لَا غَالِبَ لَكُمُ الْيَوْمَ مِنَ النَّاسِ وَإِنِّي جَارٌ لَكُمْ فَلَمَّا تَرَاءَتِ الْفِئَتَانِ نَكَصَ عَلَى عَقِبَيْهِ وَقَالَ إِنِّي بَرِيءٌ مِنْكُمْ إِنِّي أَرَى مَا لَا تَرَوْنَ إِنِّي أَخَافُ اللَّهَ وَاللَّهُ شَدِيدُ الْعِقَابِ} [الأنفال: 48]، فكم قرَّب هؤلاء للغرب القرابين، والتي هي أغلى قرابين قُدِّمت؛ الدِّين والإنسان، فتَنازلوا عن دينهم، وأجبرت الشُّعوب على تبَنِّي عادات مُناقِضة لدينهم وهويتهم، ووهَبوا للغرب البلادَ والعباد، وقُتِلَت الشُّعوب إرضاءً للغرب.
 رابعًا: ما يجري من قتلٍ وأحداث صاحبَتْ هذه الثَّورات في البلدان العربيَّة ما هي إلاَّ ضريبة يجب على الشُّعوب أن تدفعَها لأمرين:
1 - ضريبة تَخلِّي الشُّعوب عن دينها؛ فحين ضُيِّق على الشُّعوب في أداء عبادته، والتمسك بالدِّين، لم نجد صوتًا ارتفع، ولا إنكارًا سُمِع، لكن حين ضُيِّق على الشعوب في قوتها، قامت الثورات، وتعالَت الأصوات.
2 - الضريبة الثانية هي ضريبة السُّكوت طيلة هذه الفترة والعقود التي مضَتْ، والسَّيْر في مَسار النِّفاق لهذه الأنظِمة، فكان لِزامًا على هذه الشُّعوب أن تتأدَّب وتتعلَّم الدرس الذي كان ينبغي أن تتعلَّمه من وقتٍ بعيد، وهو درسٌ للأجيال القادمة: أنْ لا نُصْرة لظالِم، ولا مُجاملة لفاسد، ولا مُحاباة لِمُحاربٍ لله ورسوله –صلى الله عليه وسلم-.
خامسًا: من الأمور التي أظهرَتْها الثَّورات العربيَّة، وهو أمرٌ فعلاً عجيب، وقد كان موجودًا من قبل، لكن لَم يكن مُعلَنًا كما هو الآن، هذا الأمر يتمثَّل في الحقد الدَّفين الذي تُكِنُّه الرَّافضة على الإسلام والمسلمين، وتبيَّنَ جلِيًّا أنَّ الرافضة وجْهٌ من أوجُهِ الدَّعم لِهَذه الأنظمة، فما رأيناه في البحرين من جرائم للرَّافضة في مُظاهراتهم، وما يَجْري في اليمَن مِن استباحة الرَّافضة لدِماء المسلمين، وغَدرِهم بالثَّورة اليمنيَّة، فكانوا مبدأ الثورة مع الثَّورة كذبًا وزُورًا، ثم بشكلٍ مفاجئ انسحَبوا من السَّاحات، وعقَدوا اتِّفاقًا مع النِّظام الَّذي لم يختلفوا معه يومًا ما، مع وجود ستِّ تمثيليَّات قاموا بها مع النِّظام؛ لتضليل الرأي العامِّ فاستَباحوا الدماء، واعتدَوْا على الناس، والأسوأ من ذلك كله أنَّهم استباحوا مَحارم الله - عز وجل - فمَزَّقوا القرآن الكريم، وجعلوا من المساجد أماكن للمقيل، وتناوُلِ القات، ثم رجَعوا إلى مَعْقلٍ من مَعاقل أهل السُّنة في اليمن، وهو دماج، فحاصَروها وقتلوا مَن قتلوا.
ومِن حِقْد الرَّافضة ما يُشاهده العالَمُ في سوريا الحبيبة، الجرح النَّازف من وحشيَّة لَم يَر البشَرُ مثلها، في ظل عَجْز وتَخاذل عربي مُخْزٍ ومهين، هذه الوحشيَّة هو الفكر الرَّافضي، والحقد الشِّيعي على كلِّ المسلمين.
هذه حقائق أحببتُ أن أضعَها بين يدي القارئ الكريم؛ ليتبيَّن لنا جليًّا أنْ لا عزَّ لنا إلاَّ بإقامتنا لديننا، وتَمسُّكِنا بتعاليم ربِّنا في كتابه العزيز، وسُنَّة رسوله - صلى الله عليه وسلم -.
أسأل الله - عز وجل - أن يُصلح أحوال العباد، وأن يَحْقن دماء الأمة، وصلَّى الله وسلَّم على سيِّدنا محمَّد، وعلى آله وصَحْبِه أجمعين، والحمد لله ربِّ العالَمين.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
[1] "صحيح مسلم" (4/ 1997).
[2] "المعجم الكبير" للطبراني (4/ 84)، "سلسلة الأحاديث الصحيحة" (2/ 526).
[3] "سلسلة الأحاديث الصَّحيحة" (م 4/ 13).

المصدر: موقع الألوكة

تعليقات الزوار

لم يتم العثور على نتائج

أضف تعليقًا

جميع المقالات تعبر عن رأي كاتبيها ولا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع