..

ملفات

الكُتَّــاب

أرسل مشاركة


الى الثورة

ابتزازُ الثوّار جريمةٌ لا تُغتفَر

مجاهد مأمون ديرانية

٢٠ ٢٠١٢ م

تصدير المادة

pdf word print

المشاهدات : 3169

ابتزازُ الثوّار جريمةٌ لا تُغتفَر
99968.jpeg

شـــــارك المادة

الثورة السورية:عِبَر وفِكَر (27): ابتزازُ الثوّار جريمةٌ لا تُغتفَر

لو أن شقيقين خرجا إلى البحر في قارب فماج البحر وهاج حتى قذف بأحدهما إلى الماء، وفي يد أخيه طوقُ نجاة، فراح الأخ يستغيث بأخيه ويرجوه أن يقذف إليه الطوق، فأبى أخوه وقال: لا أقذفه حتى تتعهد أن تطلّق امرأتك لأتزوجها من بعدك. أو لو كانا شريكين فقال الذي في يده الطوق للذي يكافح الموج ويدافع الغرق: لا أرسل لك الطوق حتى تتنازل لي عن حصتك من الشركة. ماذا تقولون في ذلك الفعل وماذا تقولون في فاعله؟


هذا الفعل القذر هو الابتزاز، ولا يصنعه في مثل هذا الموقف -فضلاً عن عداه- إلا خسيسٌ لا يعرف النخوة ولا يملك ذرّة من ضمير.
إن في الناس من يفعل ذلك مع ثوار سوريا المجاهدين المصابرين الذين يكافحون خطراً هو أشد من بحر هائج الموج، هو وحش جبّار مجرم قد سلّط على الناس آلةَ الفتك والقتل والتنكيل والتعذيب؛ أولئك هم الغرقى يكافحون في سبيل الحياة والنجاة، وأما المبتزّون الذين قبضوا عنهم يد النصرة وحبسوا عنهم طوق النجاة فنوعان: دول تملك القوة وتستطيع أن تُنهي المأساة لو أرادت أن تنهي المأساة، ولكنها لا تزال تماطل وتمدّ للمجرمين المُدَد، في العلن نسمع كلامها المعسول وفي الخفاء تبتزّ وتُملي الشروط، تريد أن تحقق مآربها وتضمن مصالحها غيرَ عابئة بمحنة شعب يعاني من القتل والتدمير.
لعنة الله على تلك الدول وعلى ساسة تلك الدول الذين لم يروا في بلداننا وفي شعوبنا -اليوم وفي مواضي الأيام- سوى مَزارع يُجنَى زرعها وتُحلَب ماشيتها! لن ننسى أنهم كانوا شركاء في القتل والتدمير يوم كانوا شركاء في المماطلة والتأخير، ولكنهم ليسوا أسوأ الفريقين. يا ويحَ أسوأ الفريقين من غضبة الشعب، فإن ظلم القريب أشد على النفس وأبلغُ أسىً من ظلم البعيد.
شر الفريقين رجال منا، مساعدتهم لنا واجبةٌ عليهم لا مِنّةَ لهم بها علينا، ولقد كان ينبغي أن يكونوا في الميدان يتلقون الرصاص مع الناس، يموتون مع من يموت ويُصابون مع من يُصاب ويُعتقلون مع من يُعتقل، ولكنهم عاشوا بعيداً فنجوا من الموت والجرح والاعتقال، فماذا بقي عليهم ليقدموه إلى المكلومين من أهل الثورة سوى المال؟ أمَا إنهم لم قدّموا شطر مالهم لما عُدّ شطر مالهم كثيراً في سبيل الثورة، ولكنهم ربما قدموا الفُتات ولا شيء سوى الفتات، وربما لم يُخرجوا من جيوبهم قرشاً ولكنهم جمعوا من أهل الخير الأموال. إنهم سُعاة لا فضل لهم إلا فضل التوصيل، ما هم أهل المال ولا حق لهم في التحكم فيه، ومع ذلك يَبتزّون به الناس!
أهلنا في مناطق الثورة في سوريا يدفعون الجوع بالخبز اليابس ويتّقون البرد بحرق أكوام القمامة، والمجاهدون في كتائب الجيش الحر يعيشون كفافاً ويقاتلون العدو بأقل القليل من السلاح والعتاد؛ هؤلاء وأولئك يحتاجون إلى كل قرش ليستمروا في الحياة حتى تبلغ الثورة غايتها -بإذن الله وبعون الله-، المال لهم هو الطوق الذي ينقذ الغريق من الغرق، والذي يحمل الطوق ويمسك المال هو الشقيق في الدم وهو الشريك في الثورة، ولو أنه يملك أقل قَدْر من النخوة والشهامة لقذف بنفسه في اليمّ ولم يقذف الطوق فقط، لكنه يأبى حتى أن يقذف الطوق… إنه لا يمد يده بالمال حتى يبتزّ المحتاج إلى المال، فيسلبه الكرامة أو يشترط عليه الولاء لفرد من الأفراد أو لحزب من الأحزاب!
* * *
أرجو أن لا يكون الذين وصفتهم في هذه المقالة كثيرين، بل أجزم أنهم قلّة، ولكنهم -على قلّتهم- عارٌ على الثورة وعار على سوريا وعار على الإنسان، إن جريمتهم لا تُغتفَر. ربما حصلوا اليوم على بعض المكاسب، ولكن حسابهم الآتي عسير.
الغريق الذي يكاد يبتلعه اليَمّ الهادر لا يملك الخيار، إنه مضطر إلى الموافقة على أي شرط ومضطر إلى الخضوع لأي ابتزاز، ولكن احذروا يا أيها المبتزّون: ربما قبّلَ المضطرُ اليومَ اليدَ التي تمتدّ إليه بالمساعدة المشروطة، ولكنه قد يقطعها غداً بعد انحسار العاصفة.

المصدر: زلزال السوري

تعليقات الزوار

لم يتم العثور على نتائج

أضف تعليقًا

جميع المقالات تعبر عن رأي كاتبيها ولا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع