..

ملفات

الكُتَّــاب

أرسل مشاركة


الى الثورة

مثيرو الطَّائفية في سوريَّة

سعد العثمان

١٧ ٢٠١٢ م

تصدير المادة

pdf word print

المشاهدات : 6757

مثيرو الطَّائفية في سوريَّة
60049877.jpeg

شـــــارك المادة

طالت المدَّة كما توقعت، ولم يسقط النِّظام في سورية، ويوماً بعد يوم، يزداد قلقي على بلدي الحبيب، وأمتي الغالية، ويكبر خوفي من المستقبل، الذي تتصعَّد في سورية لهجة طائفيَّة مرعبة، تنذر بما لا يسر ولا يرضي.


كثيرون يظنَّون أنَّ أمريكا ليست راغبة في التدخل العسكري في سورية لإسقاط النظام، وأنَّه لا أمل للسوريين بالتَّغيير إلا بمعونة دوليَّة أمريكية بالدَّرجة الأولى، وقد أصبح من الواضح للجميع أنَّ النظام السُّوري رغم ممانعته الشَّكليَّة للمخططات الإسرائيلية والأمريكية، ورغم تعاونه مع إيران تعاوناً مزعجاً للدُّول الغربية؛ فإنَّه يبقى في نظرهم أفضل من مستقبل مجهول وغير مضمون بالنسبة لهم، وبالتالي هم لا يمانعون في بقائه، لكن! مع إجراء بعض الإصلاحات التي تهدِّئ خواطر السُّوريين، وتعيد الاستقرار إلى المنطقة، لكنِّي ما زلت لا أطمئن لنوايا أمريكا وإسرائيل نحو سورية، فهم لديهم مخطط استراتيجي، يعتقدون أنَّه من خلاله، يمكن أن تنعم إسرائيل بالأمان والرَّفاهية والسَّيطرة على المنطقة كلها لأجيال عديدة قادمة.
علينا الحذر، وألا نظنَّ أنَّه: "عدو عدونا صديقنا" في جميع الأحوال، فقد يكون عدو عدونا ألد أعدائنا، وقد يتعاون معنا ضد العدو المشترك، لكنَّه يبقى عدونا يخطط للإيقاع بنا، ويتحيَّن الفرصة للانقضاض علينا، لذا حتى لو كانت أمريكا معادية للنظام السوري؛ فإنها أبداً لن تكون مخلصة للثورة والثوار؛ إلا بمقدار ما يحقق لها مصالحها، وأمن إسرائيل على رأس تلك المصالح، لذا إن تعذرت المحافظة على النِّظام السوري، أو إن حانت الفرصة المواتية، فإنَّ أمريكا وإسرائيل سترجعان إلى خطتهما القديمة، وهي تفتيت سورية ولبنان إلى خمس دول طائفية، وربما إلحاق أكراد سورية بكردستان العراق.
الخطة تقضي بإقامة دولة علوية، تضم الساحل السوري وطرابلس لبنان وحمص وحماة، وإقامة دولة مارونية في وسط لبنان، ودولة شيعية في جنوب لبنان، ودولة درزية تمتد من السويداء إلى المناطق الدرزية في لبنان، ويكون الجولان بعد تحرُّره جزءاً منها، وتبقى دمشق وحلب لتتكون منهما دولة أو دولتان سنيتان.
هذا التفتيت سيجعل إسرائيل دولة عظمى بالنسبة لما يحيط بها من دويلات، يراد لها أن تكون دويلات متناحرة تنشغل بالصراعات والحروب فيما بينها، وقد تمارس إسرائيل يومها دور الحَكَم والمصُلْحِ، بعد أن كانت هي العدو الغاصب.
لا تحسبوا أنَّني واهم، فقد أنجزوا خطتهم في تقسيم العراق إلى ثلاث دويلات: كردية، وشيعية، وسنية، ولا يخدعنا بقاؤه متحداً فيدرالياً، فالعراق أبداً لن يكون دولة قويَّة خطيرة على إسرائيل كما كان من قبل.
قد لا يبدو هنالك مؤشرات واضحة على سعي أمريكا وإسرائيل إلى تقسيم سورية ولبنان قريباً، لكن! يجب ألا يخدعنا ذلك، فهم ينضجون طعامهم على نار هادئة كما يظنون.
من أجل تقسيم سورية ولبنان، ستدعم أمريكا بعض الحاقدين الموتورين، من أبناء السنة، ومن العلويين، وغيرهم من الطوائف السورية؛ لِتدُخْلِ السوريين في حرب أهلية، تطول السنين العديدة، وتقضي على الأرواح الكثيرة، بحيث يصبح التقسيم أُمْنِيَةَ الجميع، ووسيلة الخلاص الممكنة.
هذه ليست أوهام.. نحن نواجه أعداءً لا يرحمون، ومتى كان الصهاينة رحماء؟. إنَّ الأمر بالنسبة لهم مسألة وجود، وهم لا يتورعون عن شيء يضمن لهم البقاء في أرضنا، والتمتع بخيرات بلادنا. أمريكا يتنافس رؤساؤها في إرضاء اللوبي الموالي لإسرائيل هناك، ولا مانع عند الكثيرين من سياسييها أن يكسبوا تأييد اليهود وأموالهم وأصواتهم، طالما أنَّ الثمن سيكون من خيرات بلادنا وعلى حسابنا نحن.
كثيرون من السُّوريين من أبناء الطوائف المختلفة، يكرِّرون تأكيدهم أنَّ النِّظام لن ينجح في خلق فتنة طائفية، يكون فيها نجاته من السُّقوط. لو نجح النِّظام في تحويل ثورتنا إلى فتنة طائفية سنية - علوية، فسيطول عمره، وقد ينتصر على الثورة ويقضي عليها. فلو نشبت الفتنة الطائفية على أساس ديني هل سينضم أبناء باقي الطوائف السورية الأخرى إلى السنة أم إلى العلويين؟ لا أعتقد أنَّ الجواب صعبٌ علينا معرفته.
عندما تثار القضية دينية طائفية، وتكفيرية، وتخوينية، هل سيطمئن المسيحيون على مستقبلهم مع السنة؛ الذين قد يسعون إلى دولة دينية، على النمط الإيراني أو الطالباني؟. أم سيكون أمانهم مع النظام والطائفة العلوية التي لن تنشئ دولة إسلامية، ولن تكون قادرة على اضطهادهم أو تهميشهم، لا عن طيب أخلاق، بل لأنها بحاجة إليهم للوقوف في وجه السنة؟. هل سيختلف موقف الدروز والإسماعيليين، وغيرهم من الأقليات الدينية، والكثير من السوريين الغير مؤمنين بالأديان، الذين يعتبرون أنفسهم علمانيين أو يساريين، هل سيختلف عن موقف المسيحيين؟.
لو كنت واحداً منهم؛ لاخترت الوقوف مع نظام ضعيف مستعد أن يقدِّم لي الامتيازات والضَّمانات؛ لأقف معه في معركة البقاء بينه وبين السنة.
هل سأكون مخطئاً حينها أم سأكون ذكياً ومدركاً لمصلحتي؟.
لو تحولت الثورة إلى ثورة طائفية؛ فسينقسم السوريون إلى جبهتين: الأولى: السنة. والثانية: العلويون، والدروز، والمسيحيون، والإسماعيليون واللادينيون وغيرهم. عندها سيكون عند النظام شبيحة من الطوائف كلها، ولن يكون لديه أزمة رجال، كما هو الحال الآن، والنظام لديه من الأسلحة الثقيلة والخفيفة ما يكفي وقتها لسحق الانتفاضة السنية، ولن يأتي أحد لإنقاذنا، بل سيأتون لتقسيمنا كما هو حلمهم، الذي عندها سيصبح حلمنا نحن أيضاً.
إن أخطر غلطة وأثمن هدية يمكن للثوار أن يقدموها للنظام، هي تحويل الثورة إلى نزاع طائفي، فالنظام منذ الأيام الأولى للثورة، حاول جاهداً أن يثيرها حرباً طائفية بين السنة والعلويين، لأن الحرب الطائفية ستجعل الطائفة العلوية، لا بديل لديها عن الاستماتة في الدفاع عن النظام، حيث وقتها يكون الدفاع عن النظام دفاعاً عن الطائفة ذاتها، بينما الآن ما يزال من الممكن أن تنقلب الطائفة كلها أو بعضها على النظام وتتبرأ منه، هذا إن لم تشارك في الثورة مشاركة فعلية.
النظام يخشى أن تتخلَ الطائفة العلوية عنه، ويبذل كل وسعه لربط مصيرها بمصيره، وإن أي توجيه للأمور في سورية باتجاه طائفي، يخدم النظام لأبعد الحدود.
إن كنا نريد تفتيت البلاد كما تحلم إسرائيل، فهذا هو الطريق إلى ذلك، فالنظام تعوَّد على الرئاسة والتَّسيُّد على النَّاس، وهو إن عجز عن الاستمرار في السيطرة على جميع السوريين، فسيكون البديل المفضل عنده البقاء في الحكم، ولو على دويلة علوية تكون أقل من ربع سورية الحالية.
حب الرئاسة شهوة بشرية، ومن لم يستطع أن يشبعها بالترؤس على عشرين مليون؛ فسيرضى بإشباعها بالترؤس على مليونين، عندها سيصبح النظام مجموعة من الأبطال الذين أنقذوا طائفتهم من الإبادة على أيدي السنة، وأقاموا لها دولة مستقلة.
إنَّ كل من يتفوه بعبارة أو كلمة طائفية في سورية، إنما هو يعين النظام، ويعين إسرائيل وأمريكا على تفتيت سورية ولبنان، دون أن يقصد ذلك، ودون أن يشعر.
المستفيدون من الطائفة العلوية قلة، أما البقية فيستغل النظام فقرهم وجهلهم؛ ليتخذهم جنوداً له، يموت منهم من يموت في سبيل حمايته، الجميع الآن يعرف أنَّ الشَّبيحة يقاتلون مع النظام مقابل أجر يومي ألف وخمسمائة ليرة باليوم، وألفان يوم الجمعة.
لو كانت الطائفة غنية مرفَّهة، لما استجاب للنظام كل هذا العدد من الرجال؛ الذين يعرِّضون أنفسهم للخطر من أجل المال.
العلويون بشر مثلنا، وليسوا طائفة مهووسة بعقيدة دينية، تريد أن تفرضها على الآخرين وتستبسل في سبيل ذلك، إنها الدوافع المعيشية هي التي تحرك الغالبية العظمى منهم، ولو اطمئنوا على مستقبلهم المعيشي من دون النظام لقلَّ حماسهم للدِّفاع عنه كثيراً.
العلويون طائفة استمدت اسمها من عقيدة دينية خاصة، لكنها في هذا العصر آخر ما تفكر فيه هو العقيدة الدينية، وعلينا أن نميز بين العلويين، من حيث هم أبناء منطقة واحدة، وعشائر معينة، ومن حيث هم طائفة دينية ذات معتقدات معينة.
إنَّ أي تحوُّل في الثورة إلى الطائفية، لا بدّ أن يلجأ إلى التحريض على أساس ديني؛ ليضمن إقدام الشباب من الطرفين على الموت، ولا بدّ من أن يقوم على تكفير الطرف الآخر، ثمَّ استباحة دمه لمجرد أنَّه كافر.
النظام أقنع شبيحته أنَّ الثوار عملاء لدول أجنبية وخونة، ولذلك لا إثم في قتلهم، أو تعذيبهم. الإنسان دائماً بحاجة إلى أن يجد المبرر الأخلاقي لأفعاله، وبخاصة إن كانت قتل الآخرين وتعذيبهم، وليس شبيحة العلويين استثناءً لهذه القاعدة.
من أحلام بعض الشباب المسلم أن يعيش في دولة إسلامية، تكون أخلاق الناس فيها إسلامية، وقوانينها إسلامية، والسيادة فيها للمسلمين. ولا يمكننا أن نصادر أحلام الناس، فهم لهم الحق في أن يتمنوا ما يحبون وما يعتقدون أن فيه سعادتهم، لكن! الذي على الشباب المسلم أن ينتبه له، هو أن الظروف حالياً مختلفة عن الظروف التي عاشها المسلمون، إبان عزة الإسلام والمسلمين، وتغلبهم على غيرهم من الشعوب، وفتحهم لبلدانهم، حيث صار كل ما في تلك البلاد المفتوحة غنيمة للمسلمين الفاتحين، وكان على أصحاب الأرض الأصليين الذين يزرعونها أن يدفعوا أجر تلك الأرض إلى خزينة الدولة الإسلامية، وكان يسمى الخَراج، في تلك الظروف فرض المسلمون المنتصرون على غيرهم شروطاً يرويها لنا التاريخ، كانت من منطلق الغلبة والانتصار على المغلوبين والمهزومين، مع أن المؤرخين المنصفين يشهدون أن التاريخ ما عرف فاتحين أرحم من العرب.
عندما نقرأ التاريخ والشروط التي فرضها المسلمون على غيرهم، نظنُّ أنَّ هذه الشروط أحكام لا يجوز مخالفتها، وبالتالي نحلم، وبكل نية طيبة، أن نعيد هذا التاريخ، ليعود دين الله هو الدين الظاهر على الدين كله، لكن! هنالك في التاريخ موقف أقرب إلى موقفنا هذه الأيام، وهو عندما هاجر النبي - صلى الله عليه وسلم - وصحابته من مكة إلى المدينة. يومها لم يدخلوا المدينة غزاة فاتحين منتصرين، بل استقبلهم أهل المدينة كمهاجرين يشاركونهم العيش في المدينة، ويجدون فيها الأمان الذي افتقدوه في مكة. يومها كان في المدينة كثير من أهلها الذين أسلموا إما إسلاماً مخلصاً وإما نفاقاً من الخشية، وكان فيها الكثيرون من أهلها الذين لم يدخلوا في دين الله، وكانوا ما يزالون مشركين مثل باقي العرب في ذلك الزمان، وكان في المدينة ثلاث قبائل يهودية: بنو قريظة، وبنو قينقاع، وبنو النضير، تعيش فيها من زمن بعيد، وانضم المسلمون المهاجرون إلى كل هؤلاء، وتكونت دولة يرأسها النَّبيُّ - صلى الله عليه وسلم -. يومها كتب النَّبيُّ - صلى الله عليه وسلم - وثيقة تاريخية، تعتبر دستوراً شاملاً ينظم حياة جميع الأديان والطوائف والقبائل على إقليم الدولة، ويبين حقوقهم وواجباتهم.
لم يكن في وثيقة المدينة المنورة أية شروط فيها تمييز للمسلمين على غيرهم سواء كانوا من المهاجرين أو الأنصار، وتجلت في تلك الوثيقة مفاهيم العدالة والمساواة للجميع، أي ما نعبر عنه هذه الأيام بالمواطنة، حيث للجميع حقوق متساوية في البلاد.
سورية لكل السوريين، وستكون الدولة فيها دولة السوريين جميعهم، ولا يحق لبعض السوريين فرض وجهة نظرهم على الآخرين، إلا إن كانت فكرته أو رغبته مقبولة من الغالبية، بشرط ألا تناقض الدستور، الذي يضمن حقوق جميع السوريين، ويعتبرهم مواطنين متساوين، مثلما اعتبرت وثيقة المدينة أهلها مواطنين متساوين، رغم اختلاف معتقداتهم الدينية وأصولهم العرقية. ويجب ألا نحزن لهذا الوضع الجديد، فالبشرية في عصر صارت فيه الأرض قرية واحدة، وتداخلت الشعوب والثقافات، ولم يبق هنالك دولة واحدة صافية عرقياً أو دينياً. وحتى إسرائيل التي تحلم بدولة يهودية، عليها أن تقبل أن غير اليهود فيها لهم الحقوق ذاتها، ومواطنون تماماً، كما أنَّ اليهود فيها مواطنون.
لن تنجح ثورتنا إلا إن كانت ثورة كل السوريين، ومن أجل كل السوريين، وسيكون مصيرها الإخفاق والفشل، إن هي تحولت إلى ثورة طائفية، كما يدبر النظام ويحلم ويرغب، فالنظام هو مثير الطائفية ومذكيها، فعلينا أن نحذر هذا النظام وأساليبه الماكرة الحاقدة، التي سيقوده جنون الحكم والرئاسة والسيادة؛ إلى وقوع سورية الحبيبة الغالية في مستنقع الطائفية الأسود، والذي سيؤدي إلى سفك المزيد من دماء السوريين.
نحن ضد الدكتاتورية، والحكم الفردي، وتفرد الحزب الواحد في السلطة، بغض النظر عن العرقيات والمذاهب والأديان والطوائف، فلكل دينه ومذهبه الذي يلقى به ربه، أمَّا الوطن فهو ملك الجميع..

المصدر: موقع المسلم. 

تعليقات الزوار

لم يتم العثور على نتائج

أضف تعليقًا

جميع المقالات تعبر عن رأي كاتبيها ولا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع