..

ملفات

الكُتَّــاب

أرسل مشاركة


الى الثورة

نظام بشار وشهقة الموت الأخيرة

أمير سعيد

٤ ٢٠١٢ م

تصدير المادة

pdf word print

المشاهدات : 6735

نظام بشار وشهقة الموت الأخيرة
111.jpg

شـــــارك المادة

حينما ذاعت الأخبار أن معركة ضارية تدور رحاها بين جند الحق وجند الباطل في "الغوطة" على تخوم دمشق، جال بي الخيال نحو هذه البشرى عن معركة حاسمة أخيرة بين الحق والباطل آخر الزمان، والتي رواها أبي الدرداء - رضي الله عنه - حين قال: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: ((يوم الملحمة الكبرى فسطاط المسلمين بأرض يقال لها الغوطة، فيها مدينة يقال لها: دمشق خير منازل المسلمين يومئذ)) [رواه مسلم]..


نعم، وجزماً إنها ليست هي تلك الملحمة بكل تأكيد، لكن كأن نسائمها قد عبقت هناك حول تلك المدينة الأقدم في العالم، حاضرة بلاد الشام، وثغر المسلمين الأول، في الشام.. يتنسم أريجه الأبطال الذين حملوا أرواحهم فوق أكفهم، وانتفضوا كاسرين القيد، يقاتلون بكل شجاعة، ويرابطون بين الثلوج فوق الجبال جبالاً، كما قال الشاعر محمد إقبال.
إنهم يستبسلون في الغوطة وإدلب ودرعا وغيرها كأروع ما يكون الاستبسال، وما لهم ألا يفعلوا، وهم يحققون حفظ الضرورات الخمس مرة واحدة؛ فهم يقاتلون من يسجدون لبشار، ويمنعون الميليشيات من قتل النساء والأطفال والشيوخ، ويحفظون الأموال، والأعراض، ويقاومون تغييب العقل وسكرة الفكر.
والذين يعبدون بشار ويتخذونه إلهاً -كما ورد على لسانهم في مقاطع مرئية داخل استوديوهات دمشق وفي مظاهراتهم وعند تعذيبهم لأهلنا في سوريا- لا يرعوون عن ارتكاب جرائم بشعة تأنفها حتى الضواري والوحوش، ويظهرون جبناً لا نظير له فراراً من رجالات الجيش السوري الحر، حماة الديار الحقيقيين.
والجبن الذي نراه، ونلمسه في اندحار كتائب مؤللة أمام أفراد مسلحين بأسلحة خفيفة، هو تجسيد واضح لمأزق النظام نفسه، الذي نراه اليوم يشهق شهقة الموت الأخيرة بارتكابه أكبر مجازره بحق العزل من الثوار، والمتتبع للخط البياني لمعدلات القتل سيجدها تقود إلى الاعتقاد الأكيد بأن هذا النظام قد شارف على أن يلفظ أنفاسه الأخيرة، وأن ارتفاعها الكبير في الآونة الأخيرة لا يدل إلا على حالة يأس، انتابت من قبل، نظام مبارك (ما يعرف بمعركة الجمل)، ونظام القذافي (بتفجير بعض السيارات في بنغازي)، وغيرهما من النظم البائدة، والعسكريون والإستراتيجيون يعرفون جيداً أن أقصى مظاهر القسوة والقصف العنيف هي التي تتخذ لتأمين "الانسحاب"، وما عدوان غزة عنا ببعيد..
وإذا كان الجيش السوري الحر -وأرى أن يحتفظ بكلمة الحر بعد النصر حتى لا يقارن يوماً بذاك العبد الذليل-، قد أمسى على مشارف دمشق، ويهدد القصر الجمهوري والمطار ويحتفظ بقدرته على تهديد أماكن إستراتيجية كمحطات الكهرباء وخطوط الضغط العالي، ويقطع الطريق كثيراً على إمدادات عصابات الأسد، وإذا كان قد نجح فعلاً في تحرير مناطق ليست قليلة في جغرافيا واسعة، وإذا كان الجيش السوري الثوري الحر في انطلاق وتنامي، والجيش السوري الصوري الذليل في تراجع وانكماش وعلى حافة الانهيار؛ فإن ما نراه اليوم من تصعيد في ذبح الأطفال، وقصف العزل، ومعاقبة الأهالي، هو عمل ميليشيات مدحورة أقرب منه إلى عمل جيش نظامي ينازل أكفاء، وهو يعبر فيما يتبدى جلياً عن حالة يأس، وهزيمة معنوية لا نظير لها، حيث لا يسترسل الإنسان السوي كثيراً في تقبل تحوله من مقاتل إلى قاتل، ومن محارب إلى قصاب، بما يعني أن قطاعاً محدوداً جداً من عناصر الجيش الأسدي هي التي ستستمر في القتال مدفوعة بعقيدة قتالية، والأكثرية تنفذ أوامر ريثما تجد الطريق معبدة للهروب من الجيش والعبودية والالتحاق بكتائب الحرية، وهو بالفعل ما نراه الآن جلياً في منعطفات مهمة وخطيرة يمر بها هذا الجيش، الذي يعاني بشدة من أمور كثيرة، بعضها يتعلق بمدى قدرته على الصمود طويلاً في ظل هذه الدرجة الحرجة من البقاء على حالة الطوارئ القصوى (لا ينظر للجيش السوري هنا على أنه بطل قياساً بالأمن المركزي المصري الذي انهار في أيام ثلاثة فقط، فالسوري مدعوم بقوة جيشاً وعتاداً وعناصر من خارجه، إذ يكاد يجمع المحللون الإستراتيجيون على أنه لولا المدد الخارجي من ميليشيات نصر الله، والحرس الثوري لما أمكن لجيش ماهر وبشار البقاء طويلاً صامداً في هذا المناخ)..
وبعضها يتعلق بحالة التبعثر وصعوبة تأمين الإمدادات العسكرية واللوجيستية في ظل اتساع رقعة المواجهة وتربص المسلحين، وتمركزهم في المناطق البينية خارج المدن، ومساندة بارعة من الأهالي في تزويد المسلحين بالمعلومات الضرورية لمداهمة ميليشيات الأسد ومهاجمتها في التوقيت والمكان الملائمين..
وبعضها يتعلق بحذر القيادة من استخدام أسلحة بعينها كالطيران خشية أن تحدث خرقاً في السكون الدولي حيال تلك المجازر، ويحرق آخر مركبة لنظام الأسد، ويضطر العالم إلى التعامل معه بطريقة أخرى جدية، وهو ما ينتج في النهاية حالة من "الحظر الجوي" يفرضها النظام على نفسه من تلقائها! والأفدح أنه يخشى من ولاء ضباطه وجنوده ألا يدوم، وربما لا يستبعد أن ينفذ طلعات جوية فيقصف طيارون ينشقون في السماء مواقعه الإستراتيجية وأخطرها القصر الجمهوري الذي يحمل رمزية كبيرة، علاوة على معسكرات الجيش ومقرات إدارة المعركة.. ويؤكد ناشطون في هذا الصدد، أن نحو 70% من الجيش السوري الأسدي ممنوعون من مغادرة ثكناتهم خوفاً من استغلالهم ذلك في الانشقاق، كما أن الجيش يبدو حريصاً على عدم تنفيذ عمليات تمتاز بالاشتباك القريب جداً لئلا يتمكن مترددون في الانحياز إلى صفوف الجيش الحر في الميدان، أو ينفذوا عملياتهم الأخيرة، وهم بعد داخل حيز الجيش الأسدي وميدانه.
لقد ارتفعت وتيرة الجرائم الأسدية بالتزامن مع وجود بعثة الجامعة العربية التي كان يرفضها نظامه بشدة ويعتبرها انتهاكاً لسيادة بلاده -المحتلة أصلاً من إيران عملياً-، لكنه عاد الآن يستجديها أن تعود بعد أن جمدت وضعها! أليس في ذلك دلالة على شعوره بالمذلة نفسها التي شعر بها كل الأوغاد المخلوعين؟!
إنها اللحظة الأخيرة قد أطلت.. شهدنا زفرات الموت خلال الشهور الماضيات بأعمال قتل لا تنتهي، واليوم مع ارتفاع وتيرتها لا نخالنا إلا نعاين شهقة الموت الأخيرة لنظام دموي بغيض..

المصدر: موقع المسلم 

تعليقات الزوار

لم يتم العثور على نتائج

أضف تعليقًا

جميع المقالات تعبر عن رأي كاتبيها ولا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع