..

ملفات

الكُتَّــاب

أرسل مشاركة


الى الثورة

ثلاثيّة النصر

مجاهد مأمون ديرانية

٢٢ يناير ٢٠١٢ م

تصدير المادة

pdf word print

المشاهدات : 3360

ثلاثيّة النصر
111.jpg

شـــــارك المادة

رسائل الثورة السورية المباركة (76): ثلاثيّة النصر

دخلنا منذ أيام في شهر الثورة الحادي عشر، ولا يبدو في الأفق المنظور حل حاسم يمكن أن يُسقط النظام في وقت قريب. أنا نفسي كنت متفائلاً في بدايات الثورة وتوقعت أن ينهار النظام في شهور قلائل، ويؤسفني أن أعلن لكم أني كنت مخطئاً. ليس المؤسف أن أعترف بذلك، فما العيبُ في أن يخطئ في التقدير واحدٌ مثلي من عامة الناس أو من الهواة الطارئين على عالم السياسة؟ الذي يؤسفني في الحقيقة هو أن النظام لم يسقط حتى الآن.


ثم لاحظت أن التطورات الدولية تتصاعد وتتسارع باتجاه الحسم العسكري فتوقعت حرباً وشيكة، بل قلت: إن الحرب صارت عملياً وراء الباب وليس بيننا وبينها إلا أسابيع. ولكن الأسابيع مضت ولم تظهر أي أدلة على تدخل قريب، فلا كتائبَ تُحشَد ولا أساطيل تُحرّك ولا مطارات تُهيّأ، وأعترف بأني كنت مخطئاً وأن أي تدخل خارجي لا يبدو قريباً، (بغضّ النظر عن طبيعة التدخل وأنواعه ورأيي في كل منها، فإنما وصفت -حينما كتبت عن الحرب المنتظَرة- ما توقعته اعتماداً على التقارير المنشورة والتسريبات المستترة، لا ما أُحبّه وأرجوه).
إذن فنحن ما نزال في الشهر الحادي عشر كما كنا في الشهر الأول: ما تزال الثورة تقف وحدَها في مواجهة النظام. بل لقد صار الأمر أسوأ، فبينما لم تقدم لنا أي دولة من دول العالم سوى الكلام كان حلفاء النظام يمدونه بالسلاح والمال والرجال في جسر بري بحري جوي لم يتوقف منذ عشرة أشهر، وليست بعيدةً قصةُ السفينة التي احتجزها القبارصة ساعات ثم أطلقوها لترسو في طرسوس وعلى متنها ستون طناً من الذخائر. لو أن النظام خصص لكل سوري عشرة كيلوغرامات منها لقتل بحمولة تلك السفينة ستة آلاف نَفْس… ومع ذلك تركها العالم لتكمل طريقها وتصل إلى يد النظام القاتل، مع كثير من عبارات الشجب والاستنكار.
يا دول العالم المتحضر: لا تتعبوا أنفسكم بعد الآن، رُدّوا عليكم شجبكم واستنكاركم، أو انقعوه في باردِ الماء ثم اشربوه إن استطعتم أن تُسيغوه،، أما نحن فلا حاجة لنا به منذ اليوم.
سألتكم في المقالة الماضية: لماذا لا نكمل الطريق وحدنا؟ أليس قد قطعنا وحدنا عشرة أشهر كانت حافلة بالتضحيات والمرارات والآلام، فصبرنا عليها ونجحنا في اجتيازها؟ عشرة أشهر عجاف كانت الثورة في أكثرها وحيدة بلا ناصر ولا معين إلا الله، فلماذا نيأس اليوم وقد سخّر لها الله لها من نفسها الناصرَ والمعين، فصار لها جناحان قويان، وغدت الثورة السلمية واحدة من ثلاثة أركان تشكل معاً قوة ضاربة قد لا يصمد النظام في وجهها طويلاً إذا أحسنَت التدبير وأتقنت العمل وتوكلت على الله؟
الركن الأول فيها والأهم والأعظم حجماً وقَدْراً: هو الثورة الشعبية التي اتسع جمهورها حتى لَيبلغ الملايينَ ذات العدد، وانتشر حتى لَيغطي الأرض السورية كلها.
الثاني في الأهمية والحجم والقدرة على الحسم: هو جيش سوريا الحر الذي وُلد من رحم الثورة الشعبية، والذي يتمدد ويكبر يوماً بعد يوم بحمد الله.
الثالث: هو المجلس الوطني الذي يمثل الثورة وينطق باسمها في المحافل الدولية.
هذه الأطراف الثلاثة يحتاج بعضها إلى بعض ويمدّ أحدُها الآخَرَ بالقوة، وهي تشبه في العلاقة بينها المثلثَ المشهور الذي يرمزون به إلى إعادة التدوير، حيث تجتمع ثلاثة أسهم على أضلاع مثلث فيدخل رأس كل واحد منها في ذيل واحد أمامه، مع الاختلاف بأن أحجام الأسهم في حالتنا السورية ليست متساوية الحجم كما هي في ذلك الرسم الرمزي.
إن الأطراف الثلاثة هذه تتنوع في الوظيفة وتتكامل في الجهد، وهي قادرة معاً على إسقاط النظام -إن شاء الله-:
(أ) الثورة تحتاج إلى الجيش الحر ليوفر لها الحماية ويدافع عن المدنيين، وتحتاج إليه ليساعدها في إضعاف النظام عن طريق استهداف مراكز قوته وتجمعاته الأمنية والشبيحية. وتحتاج الثورة إلى المجلس الوطني لينطق باسمها ويصل إلى حيث لا تستطيع هي أن تصل، إلى الدول والحكومات والقوى الدولية والهيئات العالمية، ليدفعها إلى تبنّي المواقف الداعمة والمساندة للثورة.
(ب) الجيش الحر يحتاج إلى الثورة الشعبية؛ لأنها توفر له الحاضنة التي يتحرك ضمنها ويعيش وسطها، ويحتاج إلى دعم ومساعدة المدنيين الذين يقدمون له المأوى والرعاية. وهو يحتاج إلى دعم ومساعدة المجلس الوطني لتقديمه إلى العالم الخارجي في صورة جيش التحرير الوطني، والسعي إلى انتزاع الاعتراف به، وتوفير ما يحتاج إليه من مال وسلاح.
(ج) المجلس الوطني يحتاج إلى الثورة الشعبية؛ لأنها تقدم له الاعتراف الذي يغدو بلا قيمة لو فقده، فكم من معارضة هائمة تسبح على وجهها على غير هدى ولا تدري ما تفعل لأنها مفصولة عن جسم الثورة ولا تحظى بقبول الثوار واعترافهم.
القوى الثلاث تتكامل في وظائفها ويدعم بعضها بعضاً، وتقوّي كل واحدة منها القوّتين الأُخرَيَين، واجتماعها معاً هو الطريق الوحيد الذي نستطيع أن نسلكه بأنفسنا، وهو السلاح الوحيد الذي يبدو أننا نملكه حالياً لإسقاط النظام دون التفكير في المساعدة الخارجية والتدخل الخارجي الذي ألحّ الناس في استجدائه منذ شهور بلا طائل.
ولكي نحقق النصر -بأمر الله وبإذنه وتوفيقه- يجب على كل فريق أن يقوم بوظيفته كاملة على خير وجه:
الثورة الشعبية:
(1) عليها أن تستمر في زخمها وعنفوانها وأن تحافظ على سلميّتها، فإنها هي الأصل في المشروع كله، ولولاها لما كان جيشٌ حر ولا كان مجلسٌ وطني، ولولا سلميتها لسحقها النظام منذ الأيام الأولى غيرَ عابئ بالعالم الذي لن يبالي بسحق "تمرد مسلح" كما كان الأمر سيبدو حينها، لولا لطف الله وجميل تقديره لهذه الثورة المباركة.
(2) وعليها أن تستمر في دعم الجيش الحر وتقديم الرعاية الكاملة ضمن الحدود الممكنة، وأن تمدّه بالرجال حينما يحتاج إلى المدد من الرجال للقتال.
(3) وعليها أن تستمر في دعم المجلس الوطني والاعتراف به ممثلاً لها، مع تقويم خطئه إذا أخطأ وتصويب مساره إذا اعْوَجّ المسار؛ لا أقول هذا طعناً في المجلس الوطني ولا تعريضاً بأحد، ولكن لأني أدرك أنه يتعرض على الدوام إلى ضغوط وإملاءات من أطراف أجنبية كثيرة، وهو لن ينجح في مقاومة تلك الضغوط إلا إذا استمدّ القوةَ من الموقف المعلَن الواضح للثورة على الأرض.
الجيش الحر:
(1) عليه أن يستمر في توفير الحماية للمناطق المدنية وفي حماية الحراك الثوري السلمي.
(2) وأن يضع الخطط المناسبة لتوسيع الجيش واستيعاب المتطوعين الذين ينتظرون النفير، وهم بالآلاف، استعداداً لحرب التحرير الوشيكة -بإذن الله-.
(3) وأن يسعى إلى توحيد فصائله جميعاً ضمن هيكل تنظيمي عسكري موحّد، يضم أيضاً المجموعات المسلحة المحلية المنتشرة في بعض المدن والتي تتولى مهمة الدفاع عن الأحياء السكنية -وهي تتكوّن غالباً من جماعات المتطوعين غير العسكريين-، وسوف أناقش هذه النقطة في مقالة لاحقة -بإذن الله-؛ نظراً إلى أهميتها الكبيرة.
المجلس الوطني:
قولنا إننا سنكمل الطريق بأنفسنا لا يعني أننا لا نحتاج إلى مساعدة من الآخرين. الذي لا نريده هو أن يقاتل العالم بالنيابة عنا أو أن نكون عالة على جيوش العالم. لا نريد في سوريا تدخلاً عسكرياً أجنبياً يقدّم النجدة بيد ويسلب الكرامة والحرية باليد الأخرى؛ إننا نريد السلاح لنقاتل به عدونا بأيدينا، على أن نشتري السلاح من حرّ مالنا لا نأخذه منّةً أو تفضلاً من أحد. هذا يشبه قول الفقير الضعيف: إنه يريد أن يعتمد على نفسه ولا يكون عالة على الناس يعيش بإحسانهم وصدقاتهم، يريد أن يعمل ويتكسب ليشتري الغذاء لأسرته من كَدّ يده وعرق جبينه، فهو يتعب ويكسب ثم يحتاج إلى بائع يبيعه الطعام بما كسبه من المال الحلال.
إن من أهم ما نريده من مجلسنا الوطني أن يتحرك في المحافل الدولية ويلتقي بالقوى والمنظمات العالمية للوصول إلى اعتراف كامل بالثورة الشعبية، اعتراف يمنحها الحق القانوني لإسقاط النظام اللاشرعي بكل الوسائل، ويمنح جيشها الحرّ الحق القانوني للحصول على الأسلحة التي تساعده على تحقيق ذلك الهدف. وكما حصل مع إخواننا الثوار الليبيين فإن على مجلسنا الوطني أن يرتب صفقات السلاح -بالتنسيق مع قيادات الجيش الحر- باعتمادات مؤجّلة بحيث يتم تسديد القيمة من ميزانية الدولة بعد التحرير، لأن كلفة الحرب أعلى بكثير مما يمكن جمعه من تبرعات الأفراد والمحسنين من السوريين ومن عامة المسلمين.
إذا قام كل طرف من الأطراف الثلاثة بواجبه وأحسنت ثلاثتُها التنسيقَ فيما بينها، مع الأخذ بكل الأسباب المادية الممكنة وبذل غاية الجهد البشري المتاح، من بعد الاتكال الكامل على الله والتوجّه الصادق إليه، إذا حصل ذلك كله فإني أرجو أن يكون هلاك النظام وسقوطه ممّا يُعَدّ بالأسابيع لا بالشهور والسنين، بأمر الله رب العالمين.

المصدر: الزلزال السوري 

تعليقات الزوار

لم يتم العثور على نتائج

أضف تعليقًا

جميع المقالات تعبر عن رأي كاتبيها ولا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع