..

ملفات

الكُتَّــاب

أرسل مشاركة


الى الثورة

الثائر السوري.. وقوة القرار الذاتي

مهنا الحبيل

١٢ ٢٠١٢ م

تصدير المادة

pdf word print

المشاهدات : 2773

الثائر السوري.. وقوة القرار الذاتي
الحبيل.jpg

شـــــارك المادة

الاستنفار الأخير لتطويق الثورة السورية كان الأقوى والأكثر تنسيقاً منذ انطلاقتها في الخامس عشر من مارس/آذار العام المنصرم، وتعطي دلائل هذه الفترة الزمنية بذاتها مؤشرات تقييم الثورة وقدراتها في قراءة: حراك التفويج الثوري السياسي والإعلامي والمدني، وصولاً إلى حسم التوجه المركزي للثورة وضبطه من الداخل، وربط أداء معارضة الخارج بمعيار ورؤى قيادة الثورة القوية بناءً وأداءً في الداخل، مع مساحة دبلوماسية وسياسية واسعة لهذه المعارضة لكن لا تخرج عن خط الثائر السوري المبدئي.
قوة الميدان وحنكة السياسة:
إنّ قوة الإعلانات السياسية ووحدتها ودينامكية المتابعة المذهلة التي تصدرها قيادة الثورة في الداخل كانت مركزاً مهماً لحماية الثورة من أي اختراق وعامل ضبط نوعي فريد لوحدة الإستراتيجية الذي حمى مؤسسات الثورة في الخارج، وأبرزها المجلس الوطني السوري، ممّا أعطى رسالة قوية بأن هذه الثورة لديها ممانعة صلبة من الاختراق تُثبت قدرات إسقاطها لأي مشروع بل وحتى مؤسسة قد تُستدرج خطأً أو اختراقاً، لتعود الثورة من الداخل لرسم خط الصعود البياني من جديد.
وبلا شك بأن هذا العمق قد تمثّل في علاقة هذا البعد بحراك المجلس الوطني السوري وتصحيح ودعم ثورة الداخل له التي تمثل في الأصل مفصل مشروعية المجلس، وهذا يُعطي طمأنة أكبر للمؤسسة التي من الطبيعي أن تمنحها الثورة مساحة كبيرة للحراك السياسي والدبلوماسي ولكنها أيضاً ضامنة لذات المؤسسة ومطمئنة لخطها الأصيل حين يتعرض المجلس لزاوية ضغط ضخم ومحاصرة فيكون الحسم بكل بساطة أن الثورة التي تعطي مساحة كبيرة ومرنة للدبلوماسية لا تسمح وبكل ثقة بأي اختراق لمشروع الثورة لمصلحة النظام، والدليل حسم الشارع الميداني القادر على إسقاط أي مؤسسة والمُلهم للسوريين بفدائيته وإستراتيجيته والمحبط للنظام ومشاريع الحلفاء.
هل سقط المشروع الإيراني الروسي؟
سواء انتهى المشهد الدبلوماسي الحافل مؤخراً بكل قدرات الحراك الإقليمي لتطويق الثورة السورية إلى سقوط المشروع الروسي الإيراني أو دخوله في مرحلة اضطراب شديدة سببتها إرادة الثائر السوري وتحوله إلى موقف ميداني وسياسي ممانع وصلب رغم الابتعاد المفاجئ من بعض الأطراف، فالنتيجة واحدة وهي تتجه إلى تصدع المحاولة الأخيرة لاغتيال الثورة.
ومن غير شك أن هذا المشروع من أقوى ما حُبك لتطويق الثورة وتصفيتها وإحباطه دليل نوعي لقوة الجبهة الثورية السورية وتماسكها، وقد كان تحرك الحلفاء على مسارات عدة الأول الرعاية الدولية الروسية التي طرحت المشروع الأممي كصيغة تمهيد للأضلاع الأخرى، مع وصول دعم ضخم من السلاح الروسي بعد تفريغ كمية ضخمة من الذخيرة في جسد الشعب السوري، ومارس الروس ضغطاً على الجامعة العربية اعتمد تزكيتها بتوجيه معنوي خادع لتنعطف الجامعة مع خطة موسكو طهران، وليس لحماية السوريين.
المراقبون المضطربون:
في ذات الوقت وضح أنّ حجم الضغط من محور طهران موسكو استدعى بالفعل تدخلاً عربياً مؤيداً له في عمل، وتشكيل بعثة الجامعة إضافة للرديف الإيراني المتمثل في دعم حكومة المالكي المالي الضخم لنظام الأسد والفريق الذي أرسلتُه بغداد المرتهنة للمحور من المراقبين المفترضين والذين مثّلوا نصف الدفعة الأخيرة.
ورغم بقاء جزء من الصورة غامضاً في مهمة المراقبين وإن تداعى أكثرها، حيث أن بعض المراقبين ذوي خلفيات نزيهة يُرجى أن توثّق الحقائق اليقينية التي قدمها ممثلو الثورة المدنيون ودلائلها وهي أكبر من أن تطرح للنقاش، إلا أن المؤشرات واضحة في بعض التصريحات لبعض المراقبين وحتى الأمين العام بأن المشروع الروسي الإيراني تداخل مع مهمة المراقبين واضطرابها.
دور هيئة التنسيق في المشروع:
لا يوجد أدنى شك لأي مراقب في المنطقة أن حركة تضخيم هيئة التنسيق الوطني رغم ضآلة تمثيلها وعجزها عن إقامة أي حراك شعبي داخلي مهم، كان يُقصد منه بعثرة صورة الثورة المتحدة في إستراتيجيتها وفي فرضها ممثلاً للسياسة الخارجية لها بإرادتها، في حين كانت إيران وموسكو تستثمر الهيئة لضرب حراك الشارع وصلابة موقفه والتشكيك المستمر في المجلس الوطني لإلهاء الرأي العام وإحداث فجوات سياسية وإعلامية للنفوذ لتطويق الثورة.
غير أن الهيئة سقطت شعبياً من حجم الإساءات التي وجهتها بعض شخصياتها إلى ثوار الداخل واتهامهم بأنهم مرتشون برفع لافتات صمود الثورة، وهم يُستشهدون في ميادينهم الفدائية، إضافة إلى التكثيف الضخم من عناصر الهيئة لتحييد الثورة ميدانياً، وقبول فترة انتقالية للأسد لا يوجد لها أي ضامن سياسي ولا ثوري.
وتزامن هذا التغوّل ضد الثوار مع الكشف عن أن المشروع الروسي الإيراني يتضمن دوراً كبيراً في الشكل، وصورياً في التنفيذ لهيئة التنسيق للحكومة التي سيشكلها الأسد للمرحلة الانتقالية التي تؤسّس لتحييد الثورة، غير أن عجز هذا المشروع أمام ثوار الداخل كثّف الضغط على المجلس الوطني لتحقيق اختراق نوعي له، وهو ما انتهى إلى فشل هذه الورقة، وربما تكون الاستخدام الأخير لورقة هيئة التنسيق.
توضيح مفصلي:
من أهم عناصر التعمية للمشروع الإيراني الروسي ضخ قضية التدخل العسكري الشامل كأنه بند مواجهة لهيئة التنسيق، وهذا غير صحيح، فحتى الآن ما يُطرح هو دعم حقوقي دولي على الأرض لحماية المدنيين معزز بآليات سياسية وإعلامية وإدانة قانونية وفرض عقوبات على النظام، مع تبني كامل وشامل للمنطقة العازلة لحماية المدنيين والمجندين المنشقين على أوامر القتل على الحدود التركية وتغطيتها كأمر طبيعي بالطيران التركي ودعمه دولياً، في حين ترفض أطراف من هيئة التنسيق ذلك لأنه سيشكل إستراتيجياً حركة انهيار النظام الشاملة.
والذي يراقب تصريحات هذه الأطراف يجدها متناغمة مع محور موسكو إيران، والمخاوف الإسرائيلية وهو أن القضية هنا هي رفض هذه الجهات للحكم المدني البديل لأسباب أيديولوجية مزعومة ولو ترتب على ذلك بالنسبة لهم تصفية هذه الثورة، وهو ما يُخرج هيئة التنسيق وفريق الدعم لها من العلمانية المتطرفة من أي موقف أخلاقي أو وطني.
إذاً؛ الهدف تحييد الثورة كُلها وليس تحييد التدخل العسكري الشامل غير المطروح، والذي كان موضحاً في موقف المجلس منه، وبالإمكان تأكيده بإعادة صياغة طرحه في وثيقة من داخل مؤسسات المجلس ويدعى له الوطنيون من الهيئة، ومن الواضح أن ضمان المنطقة العازلة الذي يحتاج لقرار أممي بناءً على الشرط التركي هو بالفعل من يؤمّن هذا الانتقال الأكثر أمناً لسوريا ومستقبلها المدني، لكن يبدو أنّ البعض قضيته مع هذا الانتقال وليس التدخل العسكري.
القوة الذاتية والانطلاقة الثانية:
في كل الأحوال ومع تداعي فرص تحييد الثورة تبرز لنا هنا مؤشرات مهمة لعناصر إيجابية لانطلاقة ثانية نوعية تبنى على خلاصة الانطلاقة الأولى تعتمد على التالي:
1- الإدراك بأن روح الشعب الإيمانية الأسطورية وتعامله مع فكرة الخلاص والاستشهاد الديني والوطني لتحقيق الحرية المدنية بات إكسيراً متدفقاً لم يستطع النظام من كسرها ولا تعطيلها ولن يستطيع.
2- تمتع هذا الجمهور المؤمن برسالته الإسلامية بروح مدنية متضامنة منفتحة على الطوائف أثبتت قوة إرادة في إحباط كل محاولات الفتنة الطائفية، فتخرج الجموع من المسجد لتلتف في حمص عاصمة الثورة الفدائية مع فدوى العلوية، وتهتف معها ومع ساروت لحرية سوريا، وهو ما أضحى يرتد على البناء الاجتماعي السوري لمصلحة الثورة.
3- بدا أن الثورة تدرك مفاصل الحراك ومعاييره الزمنية وضرورة الحفاظ على هذه الأرواح التي تتنافس للفداء، لكن ذلك يضاعف مسؤولية وضع كل عناصر الحماية الممكنة لأرواح تلك المجموعات الشبابية والأطفال التي تُصرع ضمائرنا العربية معها كل يوم.
4- تحذير وليد جنبلاط لدروز سوريا من أي استجابة لتوريط النظام لهم، وإعلانه أن ثورة الشعوب لا تتراجع؛ تؤخذ في صعيد استشعار الرجل المعروف بحساسيته نحو التغيير القادم.
5- أمام المراقب صورة نوعية ذات بعد إستراتيجي لانهيار النظام، وهي تزايد عدد المنشقين والمنضمين للجيش الحر ونسبة الشهداء في الدفعات الجديدة التي لم تستطع الوصول لمواقع الجيش الحر.
6- تزايد قدرات الجيش الحر والالتحام الشعبي معه وتوسع مساحته وتطور أدائه وموقفه الإستراتيجي الذي وصل لطرح مشروع شامل بديل لو تعثرت جهود المجلس الوطني.
7- عدم قدرة المركز العربي لاحتمال فترات إضافية من تصدع الوضع، وشعورهم بأن الخيار الحاسم بانتصار الثورة بأي ثمن يجعلهم يخرجون من مرحلة الكمون، وقد يُغير ذلك من أداء الجامعة حتى لو فشلت مهمة المراقبين.
8- وضعية تركيا باتت أكثر تأثراً مهما أُعطيت صورة الدبلوماسية الهادئة مؤخراً، إلاّ أن الصورة من أنقرة تؤكد أن مصالح تركيا مهددة عبر مواسم إطالة عمر النظام.
9- المتابع للحراك الإيراني يُلاحظ بأن طهران تحرق أكبر قدر من إمكانياتها الذاتية أو التابعة؛ كحزب الله بجنون لدعم قمع الثورة، إلا أن الناتج على الأرض يثبت أن هذه المحاولات تتبخر أمام إرادة الشعب السوري.
هنا تبرز لنا حقيقة التوجه النهائي لقطار الثورة بأنه لم يضعف، وأن سر قوته -كما أكدنا في مقالات سابقة- إرادته الذاتية وإيمانياته، وأن من يقف في وجهه قد يشعر أحياناً أنه يستطيع حرفه عن السكة لإيقافه، لكنه سيُفاجأ بأن ضريبة ذلك أن القطار سيقصمه حين يصل إليه فيتمنى إعادة حساباته السياسية، حينها لا مجال للمهادنة مع الثورة السورية.

المصدر: الجزيرة  نت

تعليقات الزوار

لم يتم العثور على نتائج

أضف تعليقًا

جميع المقالات تعبر عن رأي كاتبيها ولا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع