..

ملفات

الكُتَّــاب

أرسل مشاركة


الى الثورة

أيها السوريون .. الحذر الحذر

حسان الجاجة

١٢ أغسطس ٢٠١١ م

تصدير المادة

pdf word print

المشاهدات : 7168

أيها السوريون .. الحذر الحذر
111.jpg

شـــــارك المادة

 كتبت قبل أيام مقالة بعنوان: (نحن السوريون.. لماذا يخذلنا العالم)؟؟ وأشار عليّ أحد الإخوة أن أسميها: (كرامة الله للسوريين)، وقد كان موفقاً في مشورته.
وأستعير منها أسطراً بسيطة متعلقة بمقالي هذا: "ألا يكفيكم أن يكون مولاكم هو الله وحده.. ألا يكفيكم أن يكون حبلكم موصولاً بالله وحده.. ألا يكفيكم أن يكون حسيبكم وكافيكم وحده..

 

 

اقرؤا قول الله - تعالى -: {ونريد أن نمنّ على الذين استضعفوا في الأرض، ونجعلهم أئمة، ونجعلهم الوارثين * ونمكن لهم في الأرض، ونري فرعون وهامان وجنودهما منهم ما كانوا يحذرون}.
لست محللاً سياسياً.. لكنني ناصح أمين لقومي الذين أخذت العهد على نفسي أن أعيش معهم لحظة بلحظة منذ اندلعت شرارة ثورتهم المباركة حتى يرفع الله عنهم هذه العصابة المجرمة وينصرهم على عدوّهم..
لقد مضى على الثورة السورية أكثر من خمسة أشهر، وهي تواجه أعتى أجهزة البطش الوحشية التي لا يكاد يعرف لها التاريخ مثيلاً، ومع ذلك تميزت هذه الثورة بمحافظتها على سلميتها رغم كل المحاولات الفاشلة لاستدراجها لحرب مسلحة أو حروب أهلية طائفية تعصف بالبلاد وتفتك بالعباد. وقد ضربت الثورة السورية أروع المثل في التوكل على الله والاعتماد عليه وصدق اللجوء إليه في ظل الصمت العربي والتواطؤ العالمي. وأراد السوريون أن يعبّروا للعالم عن هذا الإيمان والتوكل، فأسمَوا جمعتهم الفائتة: (الله معنا)..
وكان من بركة ذلك بعد فضل الله - تعالى - وتأييده أن بدأت بعض التحركات على المستوى العربي والعالمي تنادي بإيقاف المجازر عن هذا الشعب الأعزل، وتدين هذا العدوان الهمجي الوحشي، على تباين لهجاتها ومصالحها ونواياها.
وقد دعاني لكتابة هذا المقال ما عايشته خلال الأيام الفائتة من ردود أفعال وتعليقات حول المواقف الإيجابية التي طالما انتظر السوريون شيئاً منها، كذلك ردود الأفعال وكثرة التعليقات بالأمس واليوم حول مواقف الحكومة التركية الغامضة والمتذبذبة في ظاهرها..
أيها السوريون:
لقد قامت ثورتكم هذه بتدبير الله - عز وجل - وحكمته، لم يكن لأحد فيها فضل ولا منّة، ودفعتم ولازلتم الثمن الباهظ للخلاص من الاستعمار الأسدي، والاستبداد الأمني، والتدخل الصفوي، ولم تتزعزع ثقتكم بالله - عز وجل -، ولم تركنوا إلى غيره، وكان من كرامة الله - عز وجل - لكم في ذلك أن قوي إيمانكم به وصِدقُ لجوئكم إليه واعتمادُكم عليه.
وكنتم تطالبون العالم الصامت أن يتدخل ولو بالشجب والإدانة، ولم يكن لديكم أية آمال معقودة على غير الله - تعالى -، أفبَعد أن منّ الله عليكم ببعض المواقف التي تنتصر لكم.. يتزعزع توكلكم عليه وتركنون إلى غيره؟! أعيذكم بالله من ذلك.
أيها السوريون:
إن من فضل الله عليكم ومنّته أن يهيئ لكم من الأسباب ما يكون فيه دفع البغي والظلم عنكم، ويسخّر لكم من خلقه من يساهم في دق مسمار في نعش النظام الفاسد البائد. وهذا يوجِب عليكم النظر إلى هذه المواقف والأسباب من عدة جوانب:
ـ أنكم بدأتم ثورتكم بعون الله وحده ولم يكن لأحد عليكم فيها منّة، ومضيتم فيها خمسة أشهر وليس لأحد عليكم فيها منّة، إلا ما كان من موقف تركيا في استضافتها للنازحين، وبعض المواقف العربية غير المعلنة.
ـ أن من بدأ يتحرك الآن من دول الغرب ويصرّح ويلوّح بالعصا لبشار وحزبه، لم يكن ليتحرك رأفة بكم ولا حباً لكم، إنما هم عبّاد مصالحهم وأهوائهم، ولا أخالهُم بدؤوا بالتحرك إلا لرؤيتهم لثباتكم وتصميمكم على مطلبكم الشرعي؛ (إسقاط النظام المجرم)، وإلا فقد كانوا يؤمّلون إخماد ثورتكم وخَوَركم وتراجعكم، ولكنه أُسقط في أيديهم وبارت حيَلهم، فإياكم أن تتراجعوا.
ـ أن من بدأ يتحرك ويصرح من الدول الإسلامية، فإنهم موكولون إلى نيّاتهم، ولا نشكُّ في أن فيهم من يحركهم وازع ديني وحِسٌّ بواجب النصرة -رغم تأخر مواقفهم، ولَأَن يتأخروا خير من أن يبقوا صامتين-، وإننا نرجو لهم الأجر والمثوبة التي جاءت في الحديث: ((ما من امرئ ينصر مسلماً في موضع ينتقص فيه من عرضه وينتهك فيه من حرمته إلا نصره الله في موطن يحب فيه نصرته)).
ـ أنّ من واجبنا معشر السوريين أن نبارك ونشكر كل مبادرة وخطوة إيجابية تؤازر وتناصر هذا الشعب الذي يتعرض لإبادة جماعية دون تفريق بين طفل أو شاب أو شيخ أو امرأة، وإنّ (من لا يشكر الناس لا يشكر الله)، وأن نعرف لأصحاب المعروف فضلهم، أفراداً وشعوباً وحكومات، وندعوَ لهم -أعني المسلمين منهم-، ونشيد بمواقفهم، ونشدّ على أيديهم، ونتطلّع منهم للمزيد من الخطوات العملية التي تساهم بإيجابية في رفع الظلم عن الشعب السوري، ونسعى لحشد المزيد من الدعم والتأييد العربي والعالمي.
ـ ألا نعطي بعض المواقف أكبر من حجمها، أو نقف عندها كثيراً ونضيع وقتنا في التحليل والتنظير، فالموقف التركي الغامض لن يوقف ثورتنا ولن يؤثر عليها، إنْ كان سلوكُهم إيجابياً فنفعهم لأنفسهم قبل أن يكون لنا -وإن كنّا نرجو منهم الصدق في المؤازرة-، وإن كان موقفهم سلبياً فضرره عليهم لا علينا، فنحن ننطلق من منطلق المؤمن المتوكل الواثق بالله - عز وجل -؛ ((وإن اجتمعوا على أن يضروك بشيء لم يضروك إلا بشيء قد كتبه الله عليك، رفعت الأقلام، وجفت الصحف)). ولن تقف ثورتنا عند أوغلوا أو أردوغان أو غيرهما.. بل هي ماضية لا يوقفها إلا أفراحُ يومِ النصر العظيم -إن شاء الله-.
ـ ألا تكون المواقف الإيجابية مخذلة لنا عن الاستمرار في الثورة أو سبباً للتكاسل والتقاعس عن بذل الغالي والنفيس حتى يتحقق النصر ونقتص لدماء الشهداء. فمن أعظم الغبن والخطر أن نتّكل عليها وننسى القادر القاهر مدبّر الأمور - سبحانه -.
ولنعلم أن جميع هذه المواقف حتى الآن لم تردع النظام المجرم عن غيّه، بل هو يضرب بكل صيحات العالم وتهديداته عرض الحائط، ويمارس أقذر أنواع التلاعب والضحك على أرباب السياسة، مستعيناً بالرجس النجس إيران ومستنداً إليها ومتوكلاً عليها، وهذا من أعظم أسباب خذلانه وبواره -إن شاء الله-. لذا فإنه يجب علينا المضيّ قدماً حتى نحقق مرادنا لإسقاطه ومحاكمة المجرمين مستعينين بالله متوكلين عليه.
أيها السوريون:
إن الأخذ بالأسباب هو من مقتضيات التوكل على الله - سبحانه -، لكن الركون إلى الأسباب وتعلّق القلب بها خيبة وخذلان، فالتوكل الصحيح لا يكون إلا برفض الأسباب عن القلب لا عن الجوارح، كما قال ابن القيم - رحمه الله تعالى -. وعلامة ذلك: ألا يبالي العبد بإقبالها وإدبارها؛ لأن اعتماده على الله، وسكونه إليه، واستناده إليه، قد حصّنه من خوفها ورجائها، وفي صحيح الترمذي مرفوعاً: ((من تعلّق شيئاً وكِل إليه))، فمن توكّل على الله وتعلق به كفاه؛ {أليس الله بكاف عبده، ويخوفونك بالذين من دونه}، {ومن يتوكل على الله فهو حسبه}، {وما النصر إلا من عند الله العزيز الحكيم}، {إن ينصركم الله فلا غالب لكم، وإن يخذلكم فمن ذا الذي ينصركم من بعده}.
نعم، إنْ خذلَكم الله -عياذاً بالله من ذلك- فمن ذا الذي ينصركم من بعده، والله لئن اجتمعت أمم الأرض على نفعكم ونصرتكم وتخليصكم من فرعونكم (لن ينفعوكم إلا بشي قد كتبه الله لكم)، ولئن وكلكم الله إلى غيره طرفة عين فقد وُكِلتم إلى ضعف وعجز وضيعة، ولن تفلحوا أو تظهروا على عدوّكم أبداً.
قال وهب بن منبه - رحمه الله -: "أوحى الله- تبارك وتعالى - إلى داود: يا داود! أما وعزتي وعظمتي! لا يعتصم بي عبد من عبادي دون خلقي أعرف ذلك من نيته فتكيده السماوات السبع ومن فيهن، والأرضون السبع ومن فيهن، إلا جعلت له من بينهن مخرجاً. أما وعزتي وعظمتي! لا يعتصم عبد من عبادي بمخلوق دوني أعرف ذلك من نيته، إلا قطعت أسباب السماء من يده، وأسخت الأرض من تحت قدميه، ثم لا أبالى بأيّ أوديتها هلك".
أيها السوريون:
الحذر الحذر..
ـ أن تغيروا معالم ثورتكم المباركة ومبادئها: لا للصراع المسلح، لا للطائفية، لا لتفكيك سوريا وتجزيئها، لا للتدخل الخارجي العسكري بأي شكل من أشكاله.
الحذر الحذر..
أن يتلاعب بكم أحد وتصدقوا مزاعم الإصلاح.. ولا أظنكم تصدقونها.. فهذا نظام فاسد بائد عصيٌّ على الإصلاح ولا يعرف للصلاح سبيلاً.. سفك الدماء، واستباح المدن، وانتهك الأعراض.. فلا مكان له بعد اليوم بيننا ولو بلع ورق المصحف - كما يقول السوريون في أمثالهم العامية-.
الحذر الحذر..
أن تركنوا إلى الأسباب وتنسوا مسبب الأسباب.. لقد رفعتم شعاركم عالياً؛ (الله معنا)، فلا تتخلّوا عن الله أو تركنوا إلى غيره فيكلكم إلى أنفسكم فتضلوا وتضيع ثورتكم هدَراً. أعلنوها مرة بعد مرّة.. وأسمعوها العالم أجمع: نحن مع الله.. وأمرنا فوضناه إلى الله.. الله مولانا وحده.. الله كافينا وحده.. الله حسيبنا وحده.. الله ناصرنا وحده.. قلوبنا معلّقة بالله وحده.. فمن ناصَرَنا شكرناه لكنّا لا نركن إليه.. بل نأوي إلى ركن شديد.
الحذر الحذر..
أن تفتُروا عن الدعاء والضراعة إلى الله - عز وجل -.. فهذه أيام وأوقات الإجابة.. واجعلوا أملكم بالله كبيراً أن يهيئ لكم في هذا الشهر فرجاً ومخرجاً.. لا تشغلوا أنفسكم بما هو ليس في مقدوركم وإنما هو بمقدور البارئ - سبحانه - علام الغيوب.. لا تشغلوا أنفسكم بالقيل والقال: كيف سيسقط؟ كيف سنقدر عليه؟ كيف سنظهر عليه ونحن ضعفاء وهو ذو قوة وجبروت؟ خذوا من أسباب النصر ما استطعتم، ودَعوا الأمر لله - عز وجل - يدبّره كيف يشاء.. فقد أهلك النمرود ببعوضة، وأهلك قوم لوط بجناح جبريل، وأهلك فرعون بالغرق، وأهلك أبرهة بحجارة من سجيل، وأهلك كسرى بولده، {وما يعلم جنود ربّك إلا هو..}.
الحذر الحذر..
أن يتطرّق إلى نفوسكم الخوَر أو الوهن أو اليأس.. فقد أصابكم بلاء عظيم، وجَهدت الأجساد لكن النفوس كبارا.. وقد قطعتم شوطاً كبيراً فلا تضيّعوا ثمرة نضالكم ومصابرتكم.. فعدوّكم أفاك أشر.. رِجسٌ شَرِس.. ولازال يصارع لأجل البقاء.. ويستعين بالنجس إيران.. ولا تدرون متى يأذن الله بالفرَج ويكسرُه ويكسرها. فإنما النصر مع الصبر.. والفرج مع الكرب.. وإن مع العسر يسراً..
واعلموا أن أشدّ حالات الظلام قبل بزوغ الفجر.. فقد تواجهون بطشاً وبأساً أشد مما واجهتموه حتى الآن.. لأن خنزيركم المذبوح يتخبط عند خروج روحه النتنة الخبيثة..
فالمصابرة المصابرة، والمرابطة المرابطة، والعزيمة العزيمة..
حذار أن تضيع دماء شهدائكم هدراً.. حذار أن تضيع دموع أمهاتكم وأراملكم وأطفالكم هدرا.. {إنهم إن يظهروا عليكم يرجموكم أو يعيدوكم في ملّتهم ولن تفلحوا إذاً أبداً}.
{وقال موسى يا قوم إن كنتم آمنتم بالله فعليه توكلوا إن كنتم مؤمنين * فقالوا على الله توكّلنا ربنا لا تجعلنا فتنة للقوم الظالمين * ونجنا برحمتك من القوم الكافرين}.

والحمد لله رب العالمين,,,

تعليقات الزوار

لم يتم العثور على نتائج

أضف تعليقًا

جميع المقالات تعبر عن رأي كاتبيها ولا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع