بنجامان بارت
تصدير المادة
المشاهدات : 3014
شـــــارك المادة
على غرار رفاقهم في الشمال، الذين استولوا على مدن بينها "إدلب" و"جسر الشغور" أثناء الربيع، قرر ثوار جنوب سوريا الانتقال إلى مرحلة أعلى.
وبعد 4 سنوات من "حرب الخنادق" التي تدور على جانبي الخط الذي يقسم مدينة "درعا"، القريبة من الحدود مع الأردن، شن الثوار في يوم 25 يونيو هجوما شاملا يرمي إلى تحرير المدينة التي كانت "مهد الثورة" في العام 2011.
وعند الفجر، سقط وابل من قذائف المدفعية على القسم الشمالي الغربي من المدينة، الذي يسيطر عليه النظام.
وتتمركز المعارك، التي سقط فيها 40 قتيلاً حتى الآن، حول سلسلة من الحواجز العسكرية التي تحيط بالمنطقة الخاضعة للنظام، وحول الطريق السريع الذي يصل "درعا" بدمشق ويمثل محوراً حيوياً لإمدادات قوات النظام.
ويأمل الثوار، وهم 35 ألف مقاتل في إطار ما يسمى جبهة الجنوب تمدهم بالسلاح الولايات المتحدة ودول الخليج، أن يستولوا على معظم محافظة "درعا" تمهيداً للاتصال بثوار "غوطة دمشق".
ويقول "نوح بونزي"، الباحث والمحلل في "مجموعة الأزمات الدولية" أن معركة "درعا" تشكل اختبارا للنظام السوري. فمنذ انتصارات الثوار في منطقة "إدلب، فإنه يتلكأ في سحب قواته إلى محور دمشق-حمص-اللاذقية، الذي يمثل العمود الفقري للبلاد، كما ينصحهُ حلفاؤه الإيرانيون.
وإذا لم يوجه تعزيزات إلى "درعا"، فذلك سيعني أنه لم تعد لديه الإرادة، أو حتى القدرة، على القتال دفاعاً عن مناطق الأطراف.
إن هذه اللحظة بالغة الأهمية لأن كتائب جبهة الجنوب تنتمي إلى "الجيش السوري الحر"، أي إلى الجناح المعتدل في الثورة، في حين آلت قيادة هجوم الشمال إلى عدة مجموعات بينها "جبهة النصرة"، التي تُعتَبَر الفرع السوري للقاعدة.
ويقول مسؤول في منظمة إنسانية فرنسية: "في الشمال، كان ممكناً للنظام أن يحسب أن انتصار الثوار سيشكل إحراجاً لخصومه الغربيين. ولكنه لن يكون قادراً على التلويح بالخطر الجهادي إذا ما سقطت مدينة درعا".
وكان العسكريون السوريون، استعداداً للهجوم الذي سيشنه الثوار، قد كثفوا القصف الجوي للقسم المتمرد من المدينة وللأحياء المجاورة له. وعلاوة على البراميل المتفجرة المعتادة، لاحظ السكان ظهور مقذوفات بدائية أخرى غير أنها أكبر حجماً وأكثر دمارا، ويتم إلقاؤها ليلاً حينما تكون الرؤية معدومة، مما يؤكد أن أسلحة الموت هذه لا تستهدف أية نقاط عسكرية.
وقد سعى قادة جبهة الجنوب، خلال الساعات الـ24 التي سبقت عملية "عاصفة الجنوب"، لإقناع ضباط النظام بإخلاء "درعا"، كما فعل الثوار في "إدلب"، ولكن جمعية إنسانية دولية موجودة في المنطقة تفيد أن العسكريين السوريين رفضوا الطلب وعزوا مواقعهم: "مما يعني أن تعليمات النظام هي الصمود، مؤقتاً على الأقل"، حسب المصدر نفسه.
وكان انهيار القوات الموالية في "إدلب" وكذلك في "جسر الشغور" وفي "تدمر"، قد أعطى انطباعاً بأن بشار الأسد قد غير إستراتيجيته. فبدلاً من بعثرة جيشه في كل زوايا البلاد، بهدف تثبيت العدو ومنعه من حشد قواته للزحف على دمشق، فقد بدا أن الرئيس السوري اختار وضعية معاكسة: سحب قواته وحصرها في ما يمكن تسميته "سوريا المفيدة"، للحيلولة دون خسارة قواته في معركة بات صعباً عليه، وبصورة متزايدة، أن يكسبها، نظراً لتعاظم قوة الثوار مقابل الإرهاق اللاحق بجيشه.
ويقول مصدر أمني إن "أبرز من يدافع عن أطروحة الانسحاب، وهي أطروحة أكثر عقلانية، هو مسؤول الأجهزة الأمنية، علي المملوك. ولكن الأسد لا يبدو محبذا لهذا الطرح. وميدانياً، لم يلاحظ المراقبون أي انتقال للإدارات أو أية تحركات للقوات العسكرية على نطاق واسع".
وتشكل معركة "دير الزور"، التي تطل على وادي الفرات في شرق البلاد، أنموذجاً معبراً. فأثناء الربيع، ذكرت مصادر قريبة من المعارضة أن كبار الضباط والموظفين استفادوا من فترات إجازاتهم للهرب من المدينة التي كان مقاتلو تنظيم الدولة يطوقونها.
ويقول دبلوماسي غربي يملك صلات كثيرة في دمشق إن "الأسد وحاشيته يعتقدون بأنهم سينجون من الأزمة الحالية كما نجوا من سابقاتها. وهم يعولون على الانقسامات التي لا حدود لها التي تشهدها قوات الثوار، وعلى النزاع بين كتائب الثوار والجماعات "الجهادية"، وهذا علاوة على دعم حلفائهم الروس والإيرانيين".
ويُعتقد أن الإيرانيين أرسلوا إلى سوريا تعزيزات تتراوح بين 7000 و10000 مقاتلا، معظمهم من المجندين في الميليشيات العراقية. كما أعلنت طهران عن انعقاد "قمة" في بغداد خلال أيام الهدف منها هو تعزيز التعاون "في ميدان مكافحة الإرهاب" بين إيران وحليفيها في سوريا والعراق.
فهل تكفي تلك الإجراءات لكي يستعد النظام القدرة الهجومية التي فقدها منذ الشتاء الماضي؟ يقدر خبير أمني أنه "بغية تعديل ميزان القوى، ينبغي لإيران أن توجه عدداً أكبر بكثير من الجنود. ولكن قدرات إيران على ما يسمى "نشر القوات" لا تزال ضعيفة جداً وبطيئة جداً".
رغم ذلك، يستبعد المراقبون الملمون بالأوضاع انهيار النظام في الأجل القريب، إلا إذا حصل انقلاب داخلي وهذا أمر مستَبعَد. ويقول "تشارلز ليستر"، المحلل في "معهد بروكينغز الدوحة" أن "الأسد يسيطر حالياً على كل المناطق الإستراتيجية التي يحتاجها للبقاء في السلطة".
ولكن تعرضه لهزيمة في "درعا" سيسلط الضوء على فشل إستراتيجيته وكذا على التآكل المتواصل لمواقعه. وستشكل خسارة "درعا" انعطافة في حرب لم يعد أحد قادراً على التنبؤ بانتهائها بعد أربع سنوات ونصف السنة من القتال.
بقلم: بنجامان بارت / مراسل "لوموند" في بيروت
مجلة العصر
التقرير
الجزيرة نت
العصر
جميع المقالات تعبر عن رأي كاتبيها ولا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع
برأيك، هل ستحقق العملية التركية -شرق الفرات- أيّ مكاسب للسوريين؟
نعم
لا
عمر حذيفة
لبيب النحاس
مؤسسة الموصل
أسرة التحرير
محمد العبدة