فيل ساندس
تصدير المادة
المشاهدات : 3540
شـــــارك المادة
إن القتال بين نظام الأسد وجماعات الثوار لم يتوقف، حتى مع تحول الانتباه الدولي نحو فظائع داعش. بعيداً عن بداياتها المبشرة، هوت الثورة السورية عام 2014 أكثر في كارثة الرعب الشبيه بالكوابيس.
إن المظاهرات السلمية التي بدأت في آذار عام 2011 طلباً للإصلاحات السياسية في الدولة الأمنية الراكدة التي تديرها عائلة واحدة، تبدو وكأنها قد حصلت في كون آخر، إن هذه البدايات يتم تجاهلها باستمرار بينما يتجه التركيز نحو فظائع داعش الوحشية التي احتلت عناوين الصحف.
لقد كان الدور المتنامي لداعش، وقتل وخطف الصحفيين، بمن فيهم جيمس فولي، هو ما أدى لدفع واشنطن لأن تلزم جيشها علناً في الصراع، فبدأت الغارات الجوية التي تقودها الولايات المتحدة على أهداف داعش والقاعدة في سورية والعراق المجاورة في شهر أيلول.
وعلى النقيض، فإن الفظائع التي ارتكبها نظام بشار الأسد سابقاً، والتي تم توثيق العديد منها جيداً من قبل محققي الأمم المتحدة والتي – وفق الأعداد الهائلة للضحايا – تعد أسوأ بكثير مما ارتكبته داعش، فشلت بجذب ما هو أكثر من تأنيب لفظي.
وحتى ما تم الكشف عنه في شهر أيلول من أن نظام الأسد لم يفصح عن كل مخازن أسلحته الكيميائية، كما توجب عليه وفق الاتفاق الذي منع حدوث الهجمات الأمريكية الوشيكة على قواته قبل نحو 12 شهراً، لم يؤدي لحدوث أي فعل تأديبي من الطائرات الأمريكية المحلقة.
في عام 2014، هيمنت داعش على موضوع سورية، مع تلاشي هجمات الغاز السام المميت في عام 2013 من الذاكرة العالمية. ولكن نعلم أنها لن تُنسى بهذه السهولة بين السوريين.
لقد أدى تدخل الولايات المتحدة العسكري لحدوث سيناريو هزلي مظلم، حيث قام الأسد – الرجل الذي أدى عناده العنيف وإساءات قواته الأمنية لإشعال حرب إقليمية وتغذية الصعود القوي لداعش – بعرض رغبته بالتعاون مع الولايات المتحدة وحلفائها الإقليميين لمحاربة الجماعة.
وحتى قبل أشهر من حدوث الغارات الأمريكية، تمت الإشارة إلى المفارقة بقيام الرجل الذي أشعل النار بعرض المساعدة على إطفائها خلال مؤتمر جنيف الثاني الذي تم إجهاضه. حيث قام صحفي سوري مستغلاً أمان محادثات السلام في أوروبا، بسؤال وزير إعلام بلاده عمران الزعبي، لمَ استطاعت قوات النظام قتل المدنيين بكل رباطة جأش ولكنها لم تتكلف أبداً عناء مهاجمة الرقة المعقل المعروف لداعش؟.
تجاهل الزعبي السؤال ببساطة، في مثال عن مدى إمكانية مساءلة النظام من قبل الشعب الذي يحكمه.
لقد هددت الغارات الأمريكية أيضاً بدفع الثوار المعتدلين، الذين تريد واشنطن دعمهم، أكثر نحو هوامش التطرف، مع مراقبة مقاتلي وقادة الثوار للطائرات الأمريكية وهي تقصف داعش، بينما تترك قوات الأسد دون مس، وتساؤلهم إن كانت الولايات المتحدة تقوم بمساعدة قضيتهم الكبرى أم تقوم بإعاقتها.
وتستمر المفارقات المحزنة: حيث أن كل ما فعلته وامتنعت عنه الولايات المتحدة وحلفاؤها بما فيهم تركيا ودول الخليج، ساعد على إبقاء الثورة حية ولكنه حولها أيضاً نحو طريق العسكرة والتطرف، وقد تم تحويلها كثيراً هذا العام.
إن بدا بأن الصراع في عام 2013 قد وصل لطريق مسدود، فإن عام 2014 أظهر أن لا وجود لشيء كهذا، مع كسب المتطرفين للأراضي، وبشكل سريع، بينما خسر البقية. لقد كانت داعش متطرفة للغاية لدرجة أن فرع القاعدة السوري جبهة النصرة، تبرأ منها أولاً ثم بدأ بقتالها.
إن التطور السيء للأمور، على الرغم من مليارات الدولارات التي يتم تحويلها إلى جماعات الثوار، اُعتبر بأنه السبب وراء استبدال بندر بن سلطان في نيسان كالرجل المعين من قبل المملكة العربية السعودية على قضية سورية.
إن كان عبر مؤامرة متعمدة، أو بسبب عدم الكفاءة أو اللا مبالاة، فإن كلا طرفي الصراع، مؤيدٍ للثوار أو للنظام، ساعدا على تغذية صعود داعش. وكل من علق بالحرب – بما فيهم ملايين المدنيين السوريين – عانوا خسائر لا يمكن إصلاحها.
فوفق أولئك المستمرين بالعد، ففي نهاية عام 2014، تم قتل أكثر من 200,000 شخص في سورية منذ آذار عام 2011. وسبب الصراع نزوح أكثر من 13 مليون شخص في سورية والدول المجاورة. ولا أحد يعلم عدد الأشخاص الجرحى، أو مدى خطورة جروحهم.
لقد تم أخيراً وضع قرار في مجلس أمن الأمم المتحدة في شباط عام 2014، يطالب – ويتطلب – من النظام فتح طرق إيصال المساعدات إلى المناطق المحاصرة. لقد كان تأثير هذا القرار محدوداً، فقد استمر المدنيون بالتضور جوعاً في ضواحي دمشق الخاضعة لسيطرة الثوار، مع عدم تطبيق السلطات السورية للكثير من قرار مجلس الأمن سوى كلامياً. ولكن وكالات الإغاثة كافحت لأكثر من إمكانية الدخول، مع بدء تمويلها بالجفاف أيضاً، وتقليصها للموارد الأساسية نتيجة لقلة التبرعات، ففي كانون الثاني، أعلن برنامج الغذاء العالمي أنه سيقطع المساعدات لحوالي مليوني سوري نتيجة لنقص التمويل.
وقد حصل مشهد آخر من الكوميديا السوداء في حزيران، مع حصول الأسد على دورة ثالثة كرئيس في انتخابات سورية أخرى مدبرة بعناية، مع ضمان الدولة الأمنية التي تديرها المخابرات عدم إمكانية فوز أحد سوى القائد الأبدي. بعد 14 عاماً في المنصب، افتتح في تموز بداية سبع سنين أخرى. وإن قضى هذه الأعوام، فستكون عائلة الأسد قد حكمت سورية لأكثر من نصف قرن. وستتجاوز رئاسة الأسد فترة رئاسة رئيس آخر للولايات المتحدة، سيكون الثالث بالنسبة له، منذ أن استلم السلطة في عام 2000.
لطالما كان التلاعب لكسب الوقت الاستراتيجية المفضلة لآل الأسد، والذي أمكنهم من تجاوز أزمات سابقة، وإن كانت ليست بحجم هذه. في عام 2015 سيستطيع بشار الاعتماد على المساعدة المالية والعسكرية والدبلوماسية المستمرة من حلفاء أساسيين له هم إيران وروسيا، اللتان تخالفان الغرب ودول الخليج العربي في الحرب التي تنوب عنهم على أرض المعارك السورية.
لقد حذرت الولايات المتحدة من أن الحرب ضد داعش ستكون حملة طويلة للغاية، والتي قد تؤدي بالنهاية لتفضيل الأسد وجهوده للتسمك بالسلطة بأي ثمن. ولكن هنالك دلالات على أن واشنطن قد بدأت ترى أن النصر على داعش مستحيل دون إبعاد الرئيس السوري. حيث يقال بأنها تراجع سياستها خلال نهاية العام.
سيتطلب الأمر بلا شك تحولاً كبيراً في موقف البيت الأبيض لتتحقق تغييرات كبيرة في سورية في عام 2015. إن الثوار على الجبهة الجنوبية – حيث يحافظ الثوار على نفوذهم أفضل مما يقومون بذلك في الشمال أو الشرق – قد حققوا بعض المكاسب، ولكن هذه المكاسب لازالت غير كافية لتحقيق أي ضغط حقيقي مستمر على دمشق.
ولقد جاء مبعوث أممي جديد، ستيفان دي ميستورا، واستبدل الأخضر الابراهيمي في الصيف ولكنه كان، وكما هو متوقع، يسير على الخطى العقيمة التي سار عليها سلفه، متنقلاً بين العواصم ومتحدثاً عن اتفاقيات وقف إطلاق النار التي تفشل باستمرار. فهو لا يملك عصاً سحرية ليحركها.
سيحتاج الأمر قرارات متزامنة في واشنطن وموسكو، وطهران ودمشق والرياض إن كان سيتم إيقاف إراقة الدماء، ولا يوجد هنالك أسباب للاعتقاد بأن هذه القرارات سيتم اتخاذها في الاثني عشر شهراً القادمة، أكثر مما كان متوقعاً لحدوثها في العام الماضي.
إن الحقيقة القاسية هي أن الحرب السورية وكما استمرت بالطحن خلال عام 2014، فلا دلالات على انتهائها في عام 2015.
ترجمة السورية نت
دينيس روس
توماس ريكس
ترك برس
شيماء نعمان
جميع المقالات تعبر عن رأي كاتبيها ولا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع
برأيك، هل ستحقق العملية التركية -شرق الفرات- أيّ مكاسب للسوريين؟
نعم
لا
عمر حذيفة
لبيب النحاس
مؤسسة الموصل
أسرة التحرير
محمد العبدة