سلوى الوفائي
تصدير المادة
المشاهدات : 8215
شـــــارك المادة
الإبداع هو ابن الحرية المدلل، يترعرع في كنفها، و يكبر مثل نبتة خضراء أصلها ثابت و فرعها نابت، تطرح خضرة، تمور في بيداء قاحلة تحيلها جنّة غنّاء، و في حضن الحرية ولد الإبداع السوري و شبّ عن الطوق جداً، لا شيء يقف في وجه طموحاته، و شعاره الأساسي هو ثورة حتى النصر، خطّه على لافتات، و رسمه لوحات، و زيّن به جدران الأزقة والحارات، و جسّده مجسمات، و حوّله إلى أسلحة حربية و مدافع و رشاشات، و شكّله منكانات و فزّاعات، و سطّره حروفاً متلألئة على آلاف الصفحات.
إبداع مزج الحزن بالفرح، و الدمع بالابتسام، و الجدّ بالفكاهة المغرقة بالظرافة و الطرافة. إبداع مجنون تارة، و حكيم تارة أخرى، هادئ رزين مرة و صاخب مجلجل مرة أخرى، إبداع يجعل العاشقين يطيرون من أصقاع الدنيا ليحصلوا على إمضائه، و صورة تذكارية معه، و قبلة منه تهبهم الحياة، مع أن إرضاء العاشقين هو معجزة المعجزات مع انطلاق الثورة السورية، جاهد النظام الأسدي بترويج نظرية العصابات المسلحة، فما أنكرها أهل حمص، و أظهروا للعالم أسلحتهم التي واجهوا بها رصاص الغدر، فصنعوا مدفعاً من بوري المدفأة (الصوبيا)، و صنعوا قاذف بصل و قاذف كوسا كاتيوشا، و رشاش بامية كلاشينكوف، و قنابل باذنجان موقوتة، و ذهب إبداعهم إلى تصميم منكان ربطوه بحبل يحرّكونه به كمسرح كركوز وعيواظ، وجعلوا منه هدفاً للقناصة، و كم سيّروا حميراً في الطرقات كتبوا عليها) أنا بشار) فدفعت المسكينة عمرها شهيدة الثورة بعد أن نال منها رصاص الحقد الانتقامي، و كم خرج أهالي حمص في مظاهرات يحملون البطّ على أكتافهم، و حين ضاق الأمن ذرعاً بتكبيراتهم المسائية، قرر أبو مصعب التيفالي أن يشارك الطناجر في خضم الثورة، و أطلق صيحته الشهيرة (الله أكبر يا بلادي طنجري) فهرع الثائرون يقرعون الطناجر في كلّ الأنحاء مدوية، و غنّوا " حتى الطناجر في بلادي قرقعت و تقرقعت، هذا الضجيج مؤذناّ حريتي اليوم استوت" و أسفرت الثورة الطنجرية عن اعتقال مئات الطناجر و استشهاد عشرات الطويات و إصابة الآلاف من الصواني بجروح بالغة، و قد منعوا مشاركة الصواني الصينية لمنع أي تدخل أجنبي سافر في ثورتهم المباركة . شباب كفر نبل، كان لهم بصمة لا تنسى على مرّ التاريخ في إبداعهم للافتات الثورة و عباراتها المميزة التي نمّت عن ثقافة عميقة و فكر خلّاق، و طرافة أدهشت الألباب، و لم يكن غريباً أن نجد إحدى لافتاتهم تتصدر صحيفة كندية شهيرة و تدخل التاريخ من أنبل أبوابه. و إذا كانت حمص قلب الثورة السورية فإن كفر نبل هي شريانها الأبهر، فكم طالبت بزيادة عدد الدبابات في شوارعها لتخفّف عن حمص الجريحة ! و كم نادوها قائلين " حمص الشهيدة: يا خنجراً في خاصرة الإنسانية " و لكم قالوا " ليقف العالم كلّه ضدنا، لا نهتم مادامت حمص في صفنا "، وهم أول من أطلق على حمص لقب " أعجوبة العالم الثامنة " و هم من قال " فقط في سورية: معدل سقوط الشهداء يفوق معدل سقوط الأمطار" و هم من عصر سويداء قلوبنا حين قالوا " أيا وطني جعلوك مسلسل رعب نتابع أحداثه في المساء، فكيف نراك إذا قطعوا الكهرباء؟ " و كم نداء وجهوا للعالم الرعديد الجبان فواحد يخاطب رجب طيب أردوغان " رجب: حوش صاحبك عنا " وواحد يخاطب رئيس لجنة المراقبين العرب " الدابي: رجاء احذر الإيدز و فهمك كفاية " و خاطبوا برهان غليون قائلين " برهان: هيئة التنسيق رجز فاجتنبهم " و خاطبوا نبيل العبري قائلين " لست نبيلاً و لست عربياً " و خاطبوا روسيا قائلين " إلى الحكومة الروسية من كان له دين على الهالك حافظ فليراجع خادم الحرمين الشريفين حفظه الله " و خاطبوا العالم قائلين " إلى من يهمه الأمر: لقد ملّ منّا الموت" . و لا أنسى روعة عبارتهم: " أيّها المارون بين الكلمات العابرة: اجمعوا مراقبيكم و انصرفوا، آن أن تنصرفوا." و جاءت لافتات عامودا لتحاكي في روعتها لافتات كفرنبل، و نمّت عن الوعيّ و الثقافة و التعالي على الخوف و اليأس، و الكثير الكثير من الشفافية و العفوية و روح الدعابة، إنّ شعباً قادراً على الابتسام في خضمّ الألم لهو شعب جدير أن يحيا في عزّة و كبرياء، أن يكون حرّاً و حرّاً و حرّاً. من قلب عامودا جاءت الصرخة: " إلى فيفا: الملاعب السورية تحوّلت إلى سجون، نطالب بالتدخّل الكروي"، و تلتها صرخة استغاثة لإخوتنا المصريين كي يمنعوا دخول بواخر الأسلحة الإيرانية و الروسية القادمة إلى سورية فكتبوا: " إلى المصررين: فرصة لا تعوّض :أخذ صورة تذكارية عند قناة السويس مع الباخرات"، و سلّطوا ضوءاً على وجع كل السوريين حين كتبوا: " مفتي الجمهورية العربية السورية يتدخّل في كلّ الشؤون السياسية و الاقتصادية و الاجتماعية إلا الشؤون الدينية؟؟؟"، و استهزاءاً بلافروف و مبادراته الدموية كتبوا:" لافروف مثل توووووت في برنامج تلفزيوني"، و ردّاً على المجازر التي يرتكبها الأسد بحقّ شعبه كتبوا " ترقّبوا افتتاح معاهد الأسد لتعليم القتل و الذبح و الإرهاب: لسنا الوحيدين لكننا الأكثر خبرة" و كم من الألم حملت لافتتهم حين قالوا: "أيّها العالم لماذا عطشكم الشديد في رمضان لا ترويه سوى دماؤنا ؟" نعم، هؤلاء هم أهل عامودا ، عامودا التي غرق مركبها في البحر حاملاً من فرّ من الموت في المخيمات التركية ليحتضنه الموت بين لجج البحر، هكذا البحر غدّار بطبعه، لم يرحم حتى أنين المعذبين المهجرين في الأرض. أيّ شقاء يعيشه السوري فقط لأنّه غنّى للحرية؟ و في غمرة الحديث عن الإبداع لا ننسى مظاهرة الخشب والقماش في مدينة داريا بريف دمشق، تطالب بإسقاط النظام ومحاسبة الرئيس الأسد. قد يبدو الخبر أقرب للنكتة ، ولكن مدينة داريا جعلته حقيقة، ولم يكن الهدف من وراء هذا الابتكار السوري السخرية من نظام الأسد، وإنما العكس تماماً، كانت فكرة مظاهرة الفزاعات أو الأشخاص الخشبية طريقة جديدة للتظاهر، توصل رسالة أنه لو لم يبقَ رجال ونساء في سوريا فسوف تخرج الشخوص الخشبية لتتظاهر ضد النظام وترفض سياساته". داريا مدينة في ريف دمشق، خرجت للتظاهر مع بداية الثورة، لتنال هي وجارتها مدينة المعضمية عقاباً قاسياً من قبل النظام الأسدي، و رداً على المجازر التي يرتكبها النظام الأسدي بحقّ الشعب السوري، قام شباب داريا بتحضير عدد من الفزاعات على شكل جسم الإنسان وألبسوها ثيابا متنوعة ظهرت بها الفزاعات كأشخاصٍ في أعمار مختلفة، وتم لصق شعارات متعددة على هذه الفزاعات فبدتْ كلُ فزاعةٍ كمتظاهرٍ في قلب المظاهرة. ووضعت الفزاعات في وسط المدينة في ساحة تربة داريا بعد أن قطعوا الطرقات المحيطة، تحسباً لعودة الموكب الأمني فجأةً لتكون مكانا للمظاهرة الحدث، لاسيما أن هذه الساحة هي المكان المفضل لعناصر الأمن في كل اقتحام للمدينة يتمركزون وينتشرون فيها ويرهبون الناس منها. وفي صباح اليوم التالي الأحد 16/07/2012 دخل موكب الأمن مدينة داريا ووصل إلى ساحة التربة ليتفاجأ بوجود الفزاعات هناك، فما كان منهم إلا أن بدؤوا بإطلاق النار الكثيف عليها لتخريبها وتكسيرها، ثم انسحبوا عائدين إلى أوكارهم، ليقوم الشباب بعد ذلك من جديد بإعادة ما تبقى "حيًّا" من الفزاعات إلى مكانها لتتابع ما سماه ناشط "نشاطها الثوري". و دفعت داريا ثمناً باهظاً: أكبر مجزرة شهدتها سورية في ظلّ الأحداث التي يعيشها الشعب السوري منذ انطلاق ثورته المجيدة، مجزرة راح ضحيتها ما يقارب الألف شهيد ارتقوا إلى جنان الخلد كشاهد على أبشع جريمة ارتكبها رئيس بحقّ شعبه في التاريخ. لم ينته حديث الإبداع، و لن ينته، ففي كلّ يوم قصة جديدة و تحفة قيمة يهديها الشعب السوري البطل فداء للحرية، و إن كان ثوار الأرض يخطوّن بدمائهم الزكية ملاحم النصر فإنّ ثوار البثّ الإعلامي عاشوا الألم على صفحات الفيسبوك، فأبدعوا و أبدعوا، و للحديث عنهم نكهة خاصة بلون الألم و بلون الأمل و بلون ربيع النصر القادم. و للحديث صلة...
يحيى بشير حاج يحيى
عبد الرحمن العشماوي
عباس عواد موسى
معاذ
جميع المقالات تعبر عن رأي كاتبيها ولا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع
برأيك، هل ستحقق العملية التركية -شرق الفرات- أيّ مكاسب للسوريين؟
نعم
لا
عمر حذيفة
لبيب النحاس
مؤسسة الموصل
أسرة التحرير
محمد العبدة