..

ملفات

الكُتَّــاب

أرسل مشاركة


ابحاث ودراسات

علاقة إيران وداعش

صالح عبد الله السليمان

١٩ ٢٠١٥ م

تصدير المادة

pdf word print

المشاهدات : 7485

علاقة إيران وداعش
00داعش.jpg

شـــــارك المادة

نسمع يوميا عبر الإعلام وقنوات التواصل الاجتماعي عن علاقة هذه الدولة أو تلك بتنظيم داعش، فبعضهم يتهم السعودية بدعمه والآخرون يتهمون أمريكا أو تركيا أو إيران، مما جعل المرء في حيرة؛ من يصدق؟، ويكون تصديقه للأقرب له ويوافق هواه دون بحث عن الأدلة بل يكفيه بضع كلمات عائمة وتصريحات مطلقة من هنا وهناك. فمحبو إيران يصدقون أن السعودية هي الداعم لداعش، وكارهو تركيا يصدقون أن تركيا هي الداعم, وآخرون يصدقون الأعلى صوتا والأكثر أنتشارا.

جمعت خلال الفترة الماضية العديد من الوثائق والتصريحات التي مكنتني من إيضاح رأيي، وهو ما أرضى أن ألقى الله به، وبنيت دراستي على نقاط أربع لأضمن لها الحياد:

1- الاهتمام “بالقيادة وحلقات صنع القرار” في التنظيم وليس بالأفراد والقيادات المتوسطة والدنيا، فكل (نعم كل) أفراد هذه الجماعات لا يدفعها سوى حبها لدينها ورغبتها في تصويب أخطاءٍ تراها، فسقطت بين مخالب وأنياب التنظيم الذي سخرت له وسائل إعلام ذكية تستخدم عبارات وآيات أُخرجت عن سياقها وفُهمت بشكل خاطئ مع مجموعة من المؤثرات الصوتية والأناشيد والأدعية التي تؤثر على من قل حظه من فهم الدين او زاد حظه من الحماس والاندفاع، لذلك نرى أن اكثرهم من فئة الشباب في العشرينات من العمر.

2- الدراسة لم تستخدم سوى قول الموالي والمؤيد لا قول المخالف، فلا آخذ قول مؤيد للسعودية فيما يخص إيران، ولا قول مؤيد لإيران فيما يخص السعودية, بل قول موالٍ إيران فيما يخص إيران وقول موالٍ السعودية فيما يخص السعودية.

3- استخدمت الحوادث والوقائع ولم أستخدم شائعات لا تثبت وليس عليها دليل، بل ما ثبت من الوقائع بصورة لا يدخلها شك بأي حال من الأحوال

4- الدراسة لا تهتم بالشعارات وما يدخل فيها, فكم رافع لشعار هو أول مخالفيه، فكم من ليبرالي يدعم العسكر، وكم من إسلامي أساء للإسلام.

من هي داعش أو (الدولة الإسلامية في العراق والشام) اليوم؟

يخلط البعض بين دولة الزرقاوي التي أقيمت في عام 2009 وقضت عليها حركة الصحوات وهي مكونة من العشائر السنية، وبين حركة دولة البغدادي التي صعب القضاء عليها وتمددت إلى أن أصبحت تسيطر على جزء كبير من العراق وسوريا.

فالدولة الإسلامية التي أقامها الزرقاوي كانت منحصرة في العراق فقط، ولم تكن لها عمليات في أي دولة خارج الحدود سوى عملية واحدة في الأردن ذهب ضحيتها المخرج العربي مصطفى العقاد، ولا أعلم هل ألصقت بها التهمة أو أن أحد الخلايا قامت بها دون علم القيادة. المهم أنها لم تستطع مقاومة العشائر السنية التي لم تحتج إلى تحالفات دولية أو طائرات أو تحشيد شعبي. كانت حركة لا داعم قوي لها.

أما دولة البغدادي، فقد قامت فجأة، وقامت قوية، وصعب التخلص منها، وحُشد من أجلها تحالف دولي يقصف ليل نهار مواقع يقال أنها لها، وتتبع تكتيكات عسكرية عالية، ولديها كم كبير من السلاح. لا يحدها إقليم جغرافي، فمع أن موقعها هو في العراق وسوريا، إلا أننا نرى أنها تضرب في السعودية والكويت وتونس ومصر وليبيا والبحرين وفرنسا، ولها مواقع في مصر وليبيا. وإن كنت اشك كثيرا في حقيقة انتماء هؤلاء لداعش إلا من ناحية الحماس والبيعة وليس كمخطط وتوسع مقصود ومخطط له، فكل جماعة تتحمس لقوة التنظيم في العراق والشام تعلن البيعة له. وتتفق معه فيما يعلن من شعارات وليس بينها وبينه اتصال عضوي. بالضبط كما حدث مع تنظيم القاعدة، الذي أعلن كثير من الجماعات المسلحة الولاء له.

بقي أن نعلم أن دولة الزرقاوي كانت تدين بالبيعة لتنظيم القاعدة، بينما داعش البغدادي يحارب تنظيم القاعدة، ويقاتل جبهة النصرة المبايعة لها.

استعملت داعش البغدادي اليوم نفس اسم التنظيم الذي قام به الزرقاوي. وليس بينه وبين ذاك التنظيم أي تواصل أو اتصال أو رابط على مستوى القيادات أو التكتيكات او الاستراتيجيات، بل هو تنظيم جديد على الساحة، أحب الحصول على عمق تاريخي لأن الأول كانت له صفة المقاوم للاحتلال الأمريكي، بينما الثاني لم يظهر إلا في أواخر عهد نوري المالكي عام 2014 واستولى على مناطق كبيرة من العراق دون قتال بل سُلمت له مخازن أسلحة كبيرة دون أدني مقاومة، ونعلم أن المالكي كان ذراع إيران في العراق وهو ابن حزب الدعوة المتبنى من إيران. ولا يمكن أن يتحرك إلا بأمر من إيران وليس بموافقتها فقط. ويعلم أي مراقب للوضع السياسي في العراق أن إيران جاهدت كثيرا لتوليه منصب رئاسة الوزراء لفترة ثالثة.

هنا يجب عدم الربط بين الدولة الإسلامية التي قام بها الزرقاوي وتنظيم الدولة الإسلامية القائم الآن فهو ارتباط بالاسم فقط، وارتباطه بالاسم أدى إلى خلط أوراق الكثير من الباحثين في الجماعات الإرهابية في العالم.

عمليات في أكثر من دولة:

العمليات الإرهابية التي وقعت في السعودية والكويت والبحرين تثبت أن لداعش البغدادي القدرة على الحصول على السلاح والمتفجرات والتمويل، في مختلف الدول، وهنا يظهر سؤال، فمن أين يأتي السلاح والمتفجرات؟ تهريب السلاح والمتفجرات ليس بالأمر السهل؟ والمتفجرات التي استخدمت في العراق والسعودية والكويت والبحرين هي من نوع RDX (آر دي أكس) وهي متفجرات من نوعية عسكرية لا يحصل عليها الأفراد في الأسواق المفتوحة وحتى السرية.

هنا نتذكر ما نشرته البحرين والسعودية ولأكثر من مرة أنها القت القبض على مجموعات شيعية ترتبط بالعراق وإيران في عمليات تهريب ونقل كبسولات التفجير والذخائر من نفس هذا النوع، وعند التحقيق مع المهربين قالوا إنهم كانوا فقط مأمورين بوضع المتفجرات في أماكن محددة والعودة دون مقابلة أي أشخاص، وعندما تكتشف عملية تهريب فمن الطبيعي أن هناك عمليات تهريب أخرى قد مرت، والغريب أننا لم نرَ أي شيعي قام بأي عملية تفجير.

ولا ننسى أن بعض من قُبض عليهم من افراد الخلايا التي قامت بالتفجير بعد التفجيرات قالوا إنهم استلموا المتفجرات في أماكن لا يعرفون من وضعها فيها ولم يقابلوا أي شخص ولا يعلمون شخصية من زودهم بها. مما يجعلنا نربط بين الناقل والمفجر، فالناقل شيعي والمفجر سني وكلاهما لا يعلم لمن نقل أو من سلم المتفجرات.

الناقلون او المهربون من الشيعة والمرتبطين مع بعض المليشيات العراقية المرتبطة بإيران، او مع لواء القدس والحرس الثوري الإيراني. والمفجرون هم من السنة المرتبطين بتنظيم داعش. ألا يصدق هذا التوصيف لهذه الحالة؟ إذ أننا لم نسمع ابدا عن أي عملية تهريب لمتفجرات قامت بها مجموعة من داعش.

نعود بالزمن قليلا، في عام 2009 ظهرت للسطح خلافات عميقة بين رئيس الوزراء العراقي آنذاك؛ نوري المالكي وبشار الأسد، حينها أكد المالكي أن 90 % من الارهابيين ومن مختلف الجنسيات تسللوا إلى العراق عن طريق الأراضي السورية. واتهمت الحكومة العراقية نظام الأسد بإيواء المخططين للهجمات وطالبت بتسليمهم إليها، وهناك تصريحات عديدة للمالكي آنذاك اتهم فيها النظام السوري بـ”إيواء وتدريب وإرسال الإرهابيين” إلى العراق وتسهيل مهمة عبورهم الحدود المشتركة، وهذا موثق إعلاميا وسياسيا في سجلات الأمم المتحدة وحكومتي سوريا والعراق. وكلنا يعلم ارتباط النظامين العراقي والسوري بإيران.

بالطبع لن أتناول تصريحات المالكي الأخيرة عن السعودية لأنها تخالف قاعدة من قواعد هذه الدراسة، فالمالكي معادٍ للسعودية فلا آخذ قوله كما لن آخذ قول المؤيد للسعودية فيه.

فهل كانت إيران تلعب على الفريقين وتعتبرهما بيادق في يدها؟ سآتي على ذلك لاحقا بالدليل.

في شهر يناير من عام 2015 وفي محافظة ديالى شرق العراق أعلنت اللجنة الأمنية في مجلس المحافظة، عن فتح تحقيق موسع لمعرفة هوية مروحيات هبطت في معاقل تنظيم داعش في “المقدادية” ونقلت أسلحة ومؤنًا لقوات التنظيم. وقد صرح رئيس اللجنة صادق الحسيني في تصريح صحافي بـ”أن مصادرنا الأمنية تؤكد هبوط مروحيات في معاقل تنظيم التنظيم ضمن ما يعرف بحوض سنسل، شمال بعقوبة، في ساعة متأخرة من مساء الاثنين الماضي”. (بالطبع لم نسمع ولن نسمع نتائج هذا التحقيق) ولكن لنبحث نحن.

هنا يذكر المسؤولون العراقيون ” مروحيات ” ومن يملك مروحيات في تلك المنطقة؟ إيران، أمريكا، الحكومة العراقية فقط. لا أظن أن الجيش الأمريكي سيقوم بهذه العملية لأن الرقابة الشعبية والإعلامية داخل أمريكا ستكتشفها وسيسقط على إثرها الكثيرون، كما حدث في “ووترجيت” و”إيران كونترا” وحوادث بوغريب، فتسليم أسلحة لداعش لا يمكن أن يقوم به أمريكان. هذا هو المنطق فهم بريئون من هذا ليس شرفا بل خوفا من العواقب في بلادهم. يبقى لنا إما إيران أو العراق، وهو الأقرب عقلا ومنطقا، فالجيش العراقي مخترق بالتنظيمات الإيرانية, فالأقرب عقلا ومنطقا أنه يقوم بهذه العمليات، وتكررت مثل هذه الحوادث أكثر من مرة ولن أكررها لئلا أطيل ويكفي ما صرحت به النائبة العراقية المستقلة حنان الفتلاوي في معرض انتقادها لرئيس الوزراء حيدر العبادي من أنه قدم احتجاجا لاختراق طيران الجو الإيراني الأراضي العراقية ولم يقدم احتجاجا تجاه من قام بإسقاط الأسلحة لتنظيم داعش.

ويؤكد ارتباط إيران وحلفائها في العراق بعمليات تسليح داعش، عمليات هروب الجيش العراقي الغريبة والمريبة من المدن وتسليم القواعد والمخازن العسكرية سالمة للتنظيم، ولنحاول الربط بين تلك الطائرات وهذا الهروب. وكلها وقائع مثبتة رسميا وإعلاميا.

من جهة أخرى، صرح الشيخ كاظم العنيزان وهو رئيس مجلس عشائر جنوب العراق وهو شيعي أنه كان في زيارة لأحد أقاربه المنتمين لتنظيم “بدر” الشيعي الذي أصيب في إحدى العمليات، وأخطأ في الطابق الموجود بها قريبه في المستشفى في طهران، فوقع في طابق استغرب أن كل قاطنيه من المجموعات التي تسمى إرهابية سنية، واستغرب أن يعالج إرهابيون سنّة في طابق ومن قاتلهم من الشيعة في طابق آخر وفي نفس المستشفى الإيراني.

وأخيرا، تصريح ياسر الحبيب، الشيخ الشيعي المتطرف وصاحب قناة “فدك” الفضائية التي تسب السنة والمذهب السني ورموزه ليل نهار، قال في تصريح متلفز يمكن الرجوع له على اليوتيوب، وأقسم على صحة تصريحه بأغلظ الأيمأن أنه يشهد أن قادة التيار الصدري أثبتوا له أن إيران هي من يزود الانتحاريين المتطرفين بالسلاح، وعندما سئل عن سبب هذا التصرف الغريب في نظره، قال إنها المصالح العليا لإيران.

ولا يمكن لأي شيعي أو محب لإيران إنكار عداء ياسر الحبيب للسعودية؛ فهو عداء تاريخي عقائدي راسخ.

ها هما شيخان شيعيان، أحدهما شيخ عشائر والآخر شيخ دين متعصب، يقران بأن إيران هي من يمول ويسلح التنظيمات الإرهابية في المنطقة.

وأخرج عن السياق قليلا وأذكّر بتصريحات فرزاد فرهنكيان وهو دبلوماسي إيراني عمل مستشارا بوزارة الخارجية الإيرانية ثم انتقل للعمل في السفارة الإيرانية في الإمارات وفي بغداد والمغرب واليمن وآخر عمل له أنه كان المستشار والرجل الثاني في السفارة الإيرانية في بلجيكا وقد هرب من إيران وأصبح معارضا للسياسية الإيرانية.

صرح فرزاد فرهنكيان بأن التفجيرات التي حدثت في السعودية والبحرين تمت بأوامر من آية الله خامنئي رغبة منه في خلط الأوراق في المنطقة. وخلال ندوة أقامتها المعارضة الإيرانية في باريس صرح بأن العملية التي نفذها متطرفون ضد الشيعة في الإحساء بالسعودية تمت بإشراف مباشر من اللواء قاسم سليماني قائد فيلق القدس التابع للحرس الثوري الإيراني والعميد سلامي من قيادة الحرس الثوري الإيراني. وقال إن الحرس الثوري هو من يحرك ويشرف على كبار القادة الإرهابيين المتواجدين تحت الحماية الإيرانية في مواقع سرية شرق إيران، وجميع الأوامر التي توجه لخلايا التنظيم لا تصدر من قادتها إلا بأوامر إيرانية.

إيران تلعب بالشيعة العرب وبالسنة العرب، تحاول ضرب الإثنين ببعض، لا يهمها الشيعي العربي، بل ترغب في تأصيل العداء داخل المجتمعات العربية لتتمكن من السيطرة على المنطقة وجعل الشعوب العربية مطية لمصالحها.

وهنا أذكر قول مساعد قائد الحرس الثوري الإيراني العميد حسين سلامي “لا حاجة للجيوش للسيطرة على موقع جغرافي حيث أن أفضل الطرق لتحقيق ذلك هو بالهيمنة على العقول والأذهان”

أظن أن نتائج هذه الدراسة تجيب على سؤال يدور في ذهن كل من يهمه الأمر.

وأظن أن ما أوردته من أدلة تتفق مع الواقع والوقائع والعقل والمنطق، تثبت تزعمَ إيران للحركات والتنظيمات الإرهابية.

أعلم أن البعض سيعارضني فيما أثبت، لأن من ترسخ في ذهنه عقيدة ما لا يمكن أن تتغير بأي إثبات بل تبقى راسخة لا يزيحها أي دليل مهما كان الدليل قويا. وأعلم أن الكره كالحب أحيانا لا يريد دليلا، أما الباحث عن الحق فيكفيه دليل واحد ينير له طريق الحق.

 

 

مركز أمية للبحوث و الدراسات الاستراتيحية

تعليقات الزوار

لم يتم العثور على نتائج

أضف تعليقًا

جميع المقالات تعبر عن رأي كاتبيها ولا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع