عبد القادر الشهبائي
تصدير المادة
المشاهدات : 3244
شـــــارك المادة
ملخص:
المنطقة العازلة مشروع قديم حديث لتركيا، قوبل بالرفض من المجتمع الدولي سابقاً، وعلى رأسه الولايات المتحدة، ثم أصبح أمراً واقعاً، بعد دخول تركيا رسمياً التحالف الدولي لمحاربة تنظيم الدولة الإسلامية، مما ينذر بتغيّر قواعد اللعبة لسورية والمنطقة. باستطاعة المعارضة السورية اليوم الاستفادة منها ومن تغير مسار الحرب التي تعصف بسورية منذ أكثر من أربع سنوات.
مقدمة:
المنطقة العازلة أو ما أطلق عليها “منطقة آمنة من تنظيم الدولة” تمتد من جرابلس شرقاً حتى أعزاز غرباً بطول يقرب من 110 كلم على الحدود التركية مع سوريا، وبعمق نحو 50 كيلومتراً داخل سوريا، وقد جاءت نتيجة تفاهمات إستراتيجية بين تركيا و الولايات المتحدة الأمريكية حول الوضع السوري بعد سنوات من اختلاف الرؤى والإستراتيجيات حول كيفية التعاطي مع هذا الملف الشائك.
وهذا القول هو ما أكده رئيس الوزراء التركي، أحمد داود أوغلو، في حديثه إلى شبكة “سي ان ان” الأمريكية في 27 / 7 / 2015، حيث قال :” إنه حان وقت إنشاء منطقة آمنة في سورية، لا سيما ضد هجمات “داعش”، منوها إلى أن التفاهم الذي جرى مع الولايات المتحدة، بخصوص محاربة التنظيم، ينبغي أن يشمل دعم المعارضة السورية المعتدلة من أجل مستقبل سوريا” [1].
أهداف تركية من المنطقة العازلة:
يؤكد داود أغلو على ضرورة توفير غطاء جوي لقوى المعارضة المعتدلة لتحكم سيطرتها على الأرض، مشيرا إلى أنه في حال توفير ذلك الغطاء، فإن ذلك سيعني تحقيق أكثر من هدف. [2] لذلك تسعى تركيا بهذه الخطوة لتحقيق عدة أهداف، منها أهداف مباشرة تمس حدودها وأمنها القومي وأخرى استراتيجية تتعلق بمصالحها ودورها الاقليمي.
أهداف مباشرة:
– ضرب تنظيم الدولة الإسلامية وإبعاده عن الحدود التركية: خاصة بعد العملية الانتحارية للتنظيم في مدينة سروج التركية التي راح ضحيتها ما يقارب 30 مواطناً تركياً، فضلاً عن مقتل ضابط تركي في هجوم للتنظيم على مخفر للدرك على الحدود السورية التركية، وهو ما عبر عنه صراحة رئيس الوزراء التركي أحمد داود أوغلو، قائلاً : ” لا نريد رؤية داعش على حدود الجمهورية التركية من الآن فصاعداً” [3].
– منع إقامة كيان كردي مستقل على حدود تركية: وهذا خط أحمر بالنسبة لأنقرة، وجاء ذلك عبر تصريح الرئيس التركي رجب طيب أردوغان محذراً من أن تركيا ستمنع “بأي ثمن” إنشاء دولة كردية مستقلة في سورية. [4]
خاصة بعد سيطرة وحدات حماية الشعب الكردية على مناطق واسعة من شمالي سورية، والسعي إلى الربط الجغرافي بين مناطق الجزيرة وعين العرب (كوباني) وعفرين بعد سيطرتها على مدينة تل أبيض، بما يعني ملامح اكتمال نشوء إقليم كردي جديد على حدودها الجنوبية، يمتد من جبال قنديل على الحدود العراقية الإيرانية التركية إلى البحر المتوسط، ولعل ما زاد من المخاوف التركية هو إحساس تركيا بأن من يقف وراء هذا المشروع هو عدوها اللدود حزب العمال الكردستاني الذي يتخذ من جبال قنديل مقراً له. [5]
– حماية السكان المحليين وتخفيف الضغط عن تركية التي تستقبل نحو مليوني لاجئ سوري والتي لم تعد تستطيع تحمل المزيد من اﻷعباء الناتجة عن العدد الكبير من اللاجئين والذي يتزايد بشكل مضطرد. فحسب تصريح رئيس الوزراء التركي داود أوغلو، أن تركية دافعت منذ بداية الأزمة السورية، عن ضرورة تشكيل منطقة آمنة، لسببين الأول ضمان بقاء اللاجئين السوريين في وطنهم، مشيرا إلى أن تركيا بمفردها تستضيف حاليا نحو مليوني لاجئ سوري، و السبب الثاني يتمثل في أن المنطقة الآمنة “ستمنع تدفق المجموعات الإرهابية، وستشكل ملاذا آمنا للسوريين الذين يتعرضون لهجمات النظام والمجموعات الإرهابية على حد سواء”. [6]
أهداف غير مباشرة:
– يكمن أحد الأهداف الاستراتيجية للتحرك التركي هذا إلى محاولة أنقرة تحصين مكانتها في سورية بعد الاتفاق النووي الإيراني: واحتمال تصاعد النفوذ الإيراني في ساحات الشرق الأوسط ولاسيما في سوريا والعراق ولبنان، وخشيتها من إقدام طهران على دعم نظام الأسد بفاعلية أكثر في المستقبل القريب، مما يستوجب فرض وقائع جديدة في الشمال السوري.
– أما الهدف الإستراتيجي الثاني فيتمثل في إسقاط النظام السوري من خلال دفع قوات المعارضة السورية المسلحة إلى الأرض لشغل الفراغ بعد تنظيف المنطقة من داعش، وتكون مركزاً لتدريبهم وقاعدة انطلاق محمية للمعارضة، فضلاً عن إنها ستشكل ملاذاً آمناً لمسؤولين من النظام السوري، من ضباط جيش واستخبارات وسياسيين ممن لم ينشقوا بعد لأسباب أمنية، الأمر الذي يجعل النظام السوري في وضع ضاغط، يرغمه على التخلّي عن السياسة المماطلة والرهان على الوقت، ويدفعه مكرهاً نحو البحث الجاد عن حل سياسي، إن لم يكن اسقاطه.
وعليه يجيب داود أوغلو رداً على سؤال فيما إذا كانت المنطقة الآمنة التي يجري الحديث عنها، ستكون متاحة لتسليح المعارضة وتدريبها، قائلا: “نعم، اعتقد انه يتوجب علينا انتهاج مقاربة شاملة”.
مضيفا: “وفي نفس الوقت يجب أن تكون لدينا استراتيجية من أجل مستقبل سوريا، ولذلك علينا دعم المعارضة المعتدلة”. [7]
كما يؤكد ذلك الدكتور نعمان قورتلموش نائب رئيس الوزراء التركي أن بلاده مصرة على ثلاثة عناصر في سبيل حل الأزمة السورية، أولها إعلان منطقة حظر طيران لنظام بشار الأسد، وتأسيس مناطق آمنة داخل سوريا تحت إشراف الأمم المتحدة، وأخيرا تدريب المعارضة السورية لتقف بوجه النظام. [8]
تقاطع المصالح:
لا شك أن هناك تقاطعاً كبيراً في المصالح التركية والثورة السورية. فتدخل تركية ضد تنظيم الدولة الإسلامية ووضع حد للإمدادات ولتدفق المجندين إلى التنظيم عبر أراضيها يصب في صالح الثورة السورية؛ لأن التنظيم منذ دخوله سوريا سعى للقضاء على المعارضة العسكرية السورية بكل الوسائل الممكنة، فدخول تركيا إلى ساحة الصراع وإنشاء مناطق حظر جوي في الشمال، مهم في تخفيف تهديد “تنظيم الدولة” للمعارضة السورية.
وقد أكد رئيس الوزراء التركي أحمد داود أغلو، أن تركية “ترغب في أن تسيطر المعارضة السورية المعتدلة، على الجانب السوري من الحدود، ودحر تنظيم داعش، نظرا لأن التحالف الدولي الذي يشن ضربات جوية ضد مواقع التنظيم لا يرغب بإرسال قوات برية”.
مضيفاً، أن تركية تنسق مع الولايات المتحدة الأمريكية بخصوص مواجهة “داعش” وتقوية المعارضة السورية المعتدلة حيث جرى مؤخراً إطلاق برنامج لتدريب وتجهيز مقاتلين من تلك المعارضة. [9]
ومن جانب آخر سيمنع ذلك حصول الوحدة الجغرافية بين المناطق الكردية في سوريا، واحتواء الطموحات الكردية حول إقامة نظام حكم ذاتي أو كيان كردي شبه مستقل. والذي يعتبر أحد ركائز مشروع تقسيم سورية المدعوم من جهة إسرائيلياً والذي تسعى لترويجه على المستوى السياسي والدولي، ومن جهة أخرى من قبل نظام الأسد وحلفائه الروس والإيرانيين والذين يسعون إلى تحقيقه على الأرض، خاصة أن حزب الاتحاد الديمقراطي الكردي الفرع السوري لمنظمة “بي كا كا ” على صلة وثيقة وتعاون كامل مع نظام بشار الأسد ولا شك أن هذا التعاون يحظى بموافقة طهران، فمصالح إيران ستكون مع إقامة كيان كردي موالي لها في سوريا المقسمة من الناحية الإستراتيجية.
فضلا عن أن صعود الدور التركي سيضع حداً للتمدد الإيراني الطامح للسيطرة على المنطقة في سوريا والعراق ولبنان عبر سياساتها الطائفية وميليشياتها العسكرية، وهو ما عانت منه الثورة السورية وما زالت تعاني. ولذا لا يُستغرب أن تكون إيران وعبر مساعد وزير خارجيتها حسين أمير عبد اللهيان هي أول من حذر تركية من “إيجاد مناطق عازلة لأنها ستشكل خطراً على أمن المنطقة” [10].
الكرة قي ملعب المعارضة السورية:
لقد عبر الشعب السوري الثائر ومنذ بدايات الثورة عن رغبته في إقامة منطقة عازلة وفرض حظر جوي وذلك من خلال مظاهرات شعبية عارمة في جُمع أسموها جمعة الحظر الجوي مطلبنا وكذلك جمعة المنطقة العازلة وذلك في شهري تشرين اﻷول وشهر كانون اﻷول من عام 2011.
واليوم تستعد الحكومة التركية لإقامة المنطقة العازلة بدعم من التحالف الدولي ودول عربية لمحاربة تنظيم الدولة الإسلامية على الحدود السورية التركية. لذلك باستطاعت المعارضة السورية بشقيها السياسي والعسكري الاستفادة من صراع الدولة التركية مع تنظيم الدولة، والعمل على نقل وإعادة تنظيم مؤسسات المعارضة وعلى رأسها الائتلاف والحكومة السورية المؤقتة ووحدة تنسيق الدعم والمجالس المحلية ومنظمات المجتمع المدني بما يلائم احتياجات أهلنا في سورية والتفاعل معها بشكل سريع والاستجابة لها حسب الأولويات وبشروط واقعية تتناسب مع حال الثورة، كما يجب العمل على إعادة هيكلة فصائل المعارضة المسلحة وفق خط استراتيجي واحد وتنظيمها ضمن مؤسسة عسكرية وطنية مركزية بتراتبية واضحة ولها محددات وطنية وبالتالي يمكنها التمدد التدريجي حتى تستطيع تحرير الأراضي السورية بأكملها.
ولنجاح ذلك يجب ازالت الانقسامات التي تشهدها المعارضة السياسية والعسكرية والعمل على التنسيق بين المؤسسات والتكامل في المهام، وبالتالي تكون هذه المؤسسات بديلاً عن نظام الأسد المتهالك وتقدم نموذجا مقبولا لدى الشعب السوري أولاً والمجتمع الدولي و الداعمين للثورة السورية ثانية بدلاً من النظام المستبد.
مما يسمح ذلك بتوسع هذه المنطقة لأنها ستغير قواعد اللعبة والحرب بشكل كامل، وإن تكرار السيناريو الليبي في سوريا يتوقف على نجاح المنطقة العازلة في تحقيق أهدافها،فالإستراتيجيات تتغير مع تطور الوضع الميداني، إن الهدف الرئيس للتحالف هو تنظيم الدولة، ولكن بعد هزيمة التنظيم ستتجه الأنظار نحو النظام لدفعه نحو القبول بحكومة انتقالية وعملية سياسية أو إسقاطه إن رفض ذلك، فالناتو قد تدرج في أهدافه، ويغيرها في ليبيا من حماية المدنيين لإسقاط القذافي.
خاتمة:
ويبقى الجواب الحقيقي في ذمة المستقبل، حول ما إذا كان القرار التركي سيغير في قواعد اللعبة والمنطق السياسي السائد في المشرق العربي، ويحول تركية من دولة صديقة إلى لاعب هجوم في فريق الثورة السورية، حيث يتوقف ذلك على قدرة المعارضة السورية السياسية والعسكرية في إدارة المرحلة المقبلة بحس المسؤلية بعيداُ عن الانقسامات والتشرذم الذي ساد المراحل السابقة، وإلا لن تخرج هذه الخطوة – المنطقة العازلة – عن كونها مكانا يلتجئ إليه الهاربون من بطش النظام وإجرامه وبراميل الموت التي يلقيها طيرانه يومياً على الكثير من مدن وقرى سورية لتحصد أرواح العشرات من المدنيين شيوخا وأطفالا ونساء.
---------------
المراجع :
[1] ” داود أوغلو: حان وقت إنشاء منطقة آمنة في سوريا “، الأناضول، 28 / 7 / 2015، أنظر إلى :
http://www.aa.com.tr/ar/news/563459
[2] ” داود أوغلو: لا نريد رؤية “داعش” على حدودنا من الآن فصاعداً “، الأناضول، 27 / 7 / 2015، أنظر إلى :
http://www.aa.com.tr/ar/headline/563400
[3] ” داود أوغلو: لا نريد رؤية “داعش” على حدودنا من الآن فصاعداً “، الأناضول، 27 / 7 / 2015، مصدر سابق.
[4] ” مجلس الأمن التركي يبحث تطورات الحدود”، الجزيرة نت، 29 / 6 / 2015، أنظر إلى:
http://www.aljazeera.net/news/international/2015/6/29/مجلس-الأمن-التركي-يبحث-تطورات-الحدود
[5] خورشيد دلي، ” دلالات التصعيد التركي الكردي”، الجزيرة نت، 1 /8 / 2015، أنظر إلى:
http://www.aljazeera.net/knowledgegate/opinions/2015/7/31/دلالات-التصعيد-التركي-الكردي
[6] ” داود أوغلو: حان وقت إنشاء منطقة آمنة في سوريا “، الأناضول، 28 / 7 / 2015، مصدر سابق.
[7] ” داود أوغلو: حان وقت إنشاء منطقة آمنة في سوريا “، الأناضول، 28 / 7 / 2015، مصدر سابق.
[8] “برنامج بلا حدود” 29 / 7 / 2015م، قناة الجزيرة.
[9] ” داود أوغلو: لا نريد رؤية “داعش” على حدودنا من الآن فصاعداً “، الأناضول، 27 / 7 / 2015، مصدر سابق.
[10] ” عبد اللهيان:إيجاد مناطق عازلة لن يساعد على حل أزمة سوريا”، إذاعة النور، 1 / 7 / 2015، أنظر إلى:
http://www.alnour.com.lb/newsdetails.php?id=85129
38 total views، 35 views today
مركز أمية للبحوث والدراسات الاستراتيحية
مروان قبلان
المرصد الاستراتيجي
سلمان العودة
جميع المقالات تعبر عن رأي كاتبيها ولا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع
برأيك، هل ستحقق العملية التركية -شرق الفرات- أيّ مكاسب للسوريين؟
نعم
لا
عمر حذيفة
لبيب النحاس
مؤسسة الموصل
أسرة التحرير
محمد العبدة