ملخص لبحث (التخريج الشرعي للانتخابات – الحكم الشرعي للانتخابات)

الكاتب : أحمد أرسلان
التاريخ : ٨ ٢٠١٣ م

المشاهدات : 11227


ملخص لبحث (التخريج الشرعي للانتخابات – الحكم الشرعي للانتخابات)

ملخص لبحث (التخريج الشرعي للانتخابات – الحكم الشرعي للانتخابات)
من كتاب (الانتخابات وأحكامها في الفقه الإسلامي) للشيخ فهد بن صالح العجلان
تلخيص:  أحمد بن محمد طارق أرسلان

 

 

يوضح لنا هذا المختصر الانتخابات وأحكامها الشرعية متضمنا الفرق بينها وبين الانتخابات المقيدة التي لا يشارك فيها إلا نخبة الناس من أهل الحل والعقد، وبين الانتخابات العامة التي يشارك فيها جميع الناس.
كما يتضمن هذا المختصر الآتي:
العلاقة بين الانتخابات والبيعة.
أوجه الاتفاق بين الانتخابات والبيعة.
أوجه الاختلاف بين الانتخابات والبيعة.
العلاقة بين الانتخابات والشورى.
موقع الانتخابات في الشورى.
المقارنة بين الشورى والانتخابات.
ضوابط مهمة في جواز الانتخابات.

 

الانتخابات وأحكامها :
التخريج الشرعي للانتخابات: اختلف الفقهاء المعاصرون في تكييفها إلى قولين :
1- أنها شهادة من الناخب، وهذا ما ذهب إليه كثير من المعاصرين. ونوقش هذا القول من ثلاث وجوه:
• يشترط في الناخب ما يشترط في الشاهد، ويأثم إن قصّر في الشهادة أو شهد لغير صالح، وبعضهم اطّرد قولهم وألزم  نفسه بما يلزم الشهادة مثل عدم قبول شهادة النساء مطلقاً أوجعلها كنصف شهادة الرجل. وقد يجاب على من الزم اصحاب هذا القول بشروط الشهادة بأن إهمال شروط الشهادة هنا قد يكون فعلاً محرماً ولا يكون دليلاً على أن الانتخاب ليس بشهادة.
• أن الشهادة إنما تكون في حقوق الله أو حقوق الآدميين، والانتخاب ما هو إلا إخبار بصلاح الشخص للقيام بالأعمال المنوطة بالولاية.
• أن الشهادة إنما تكون عند القاضي وفي مجلس الحكم.
ويرد على آخر وجهين بأن الشهادة والتزكية هنا مقصودة بمفهومها العام وليس الشهادة بالمعنى الفقهي الدقيق، ولعلّ هذا هو مراد من خرّج الانتخابات على الشهادة.
2- أن الانتخاب وكالة، فالانتخابات توكيل من الناخب للمرشح لينوب عنه في ممارسة الولاية، وإليه ذهب بعض المعاصرين.
وهذا التخريج غير مسلّم به لوجوه عدّة:
• أن عضو البرلمان مثلاً هو نائب عن الناس، وليس كل شخص نائباً عمن رشّحه، فلا يصح تخريجها على الوكالة، وإن كانت وكالة بالمفهوم العام فهي ليست وكالة بالمعنى الفقهي.
• أن الموكل يجوز له أن يعزل الوكيل، وهذا ما لا يمكن وجوده في الولايات التي نقصدها ولا في المجالس البرلمانية.
• أن الوكالة تصح بين الكافر والمسلم، وهذا يلزم منه أن يجوز انتخاب وترشيح كل من جازت وكالته، وهو باطل، والانتخاب والترشيح ليس متاحاً لكل أحد حسب نوع الولاية.

الترجيح بين القولين:
فرّق المؤلف الشيخ فهد بن صالح العجلان بين الانتخابات بين انتخاباً مقيداً لا يشارك فيه إلا نخبة الناس من أهل الحل والعقد، وبين الانتخابات العامة التي يشارك فيها جميع الناس.
الانتخاب المقيّد:
يخرج على أنه تزكية وشهادة بالمفهوم العام، فالناخب يزكي من رشّحه ويشهد له بالصلاحية، وبما أن تزكيته هنا تتعلق بأمر المسلمين عامة فقد اشترط العلماء فيه شروطاً كثيرة أكثر من شروط المزكي والشاهد.
الانتخاب العام:
يخرج على أنه اختيار وإرادة من الناخب لمرشح يريده، وليس هو بتزكية ولا شهادة، والدليل على كونه محض اختيار وإرادة وليس بشهادة ما يلي:
• لا يسأل الناخب عن سبب شهادته، ولا عن ما يعرفه عن الناخب، أو المبررات.
• نتيجة الانتخابات تتعلق بعدد الأصوات وليس بالحجج والبراهين.

العلاقة بين الانتخابات والبيعة
البيعة: تتم بين الإمام والرعية، تلتزم الرعية فيها للإمام بالسمع والطاعة، ويلتزم الإمام على رعاية حقوهم ونصرة دينهم.
تتم البيعة باجتماع أهل الحل والعقد واختيارهم أفضلهم وأصلحهم للإمامة، ويلزم بعد ذلك الناس على مبايعته والسمع والطاعة.
قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: (من خلع يداً من طاعة لقي الله يوم القيامة لا حجة له، و من مات وليس في عنقه بيعة مات ميتة جاهلية).
أوجه الاتفاق بين الانتخابات والبيعة :
• كلاهما مبني على الاختيار الحر دون إكراه.
• كلاهما مبني على رأي الأغلبية.
• كلاهما يصل من خلالهما إلى تعيين رئيس الدولة.
أوجه الاختلاف بين الانتخابات والبيعة:
شروط المرشح وشروط عقد البيعة  ومدة الرئيس، والحقيقة أن هذه الفروق بين الديمقراطية والبيعة، إذ لا تلازم بين الانتخابات وبين شروط الولاية ومدتها ونحو ذلك، فقد تطبق الانتخابات على النحو المذكور، وقد تطبق بوضع شروط أخرى.
والذي يراه المؤلف أن الفروق بين البيعة والانتخابات تتجلّى في الفروق التالية:
• الانتخابات وسيلة تنافس للولاية، أما البيعة عقد لمن اختاره الناس.
• الانتخابات طريقة للوصول للرئاسة وغيرها، أما البيعة خاصة بالرئاسة العامة فقط.
• الانتخابات لعامة الناس، بينما البيعة فالأصل أنها لأهل الحل والعقد.
• قد يفوز في الانتخابات أكثر من شخص، أما البيعة لشخص واحد فقط.

العلاقة بين الانتخابات والشورى:
الشورى: (الرجوع إلى أهل الرأي والاختصاص في الأمور التي لا نصّ شرعيّ فيها للوصول إلى الأصلح للأمة والنفع لها).
قال تعالى: (وشاورهم في الأمر) سورة آل عمران 159. هذا في حق النبي -صلى الله عليه وسلم- فكيف بغيره؟!
• تقوم الانتخابات المعاصرة على الرجوع إلى قاعدة واسعة من الناس لمعرفة اختياراتهم في الانتخابات أو آرائهم في المسائل الاستفتائية، ولأن فيها رجوع لمعرفة آراء الناس، فهذا يجعل فيها شبهاً بالشورى.
موقع الانتخابات في الشورى:
القول الأول: الشورى تجيز الأخذ بالانتخابات طريقة من طرائق الشورى، وإليه ذهب محمد رشيد رضا، والمودودي وكثير من المعاصرين وأدلتهم:
• أن آية (وأمرهم شورى بينهم) سورة الشورى 38 خطابا للأمة جميعاً فتكون الشورى للأمة جميعاً (وقد نوقش هذا الدليل أنه لا يلزم أن تكون الشورى لكل فرد من الأمة ولم يكن هذا فعل النبي -صلى الله عليه وسلم-.
• أن الشريعة جاءت بمطلق الأمر بالشورى ولم تقيدها بصفة ولا هيئة، وكل من وضع لها صفة أو هيئة متحكم.
• الشورى من الأمور الدنيوية المتعلقة بسياسة الناس، والأصل فيها الإباحة إلا بدليل، ولكل زمان ومكان طريقة.
القول الثاني: الشورى لا تقرّ الانتخابات المعاصرة، وهو ما ذهب إليه محمد الإمام  ومحمود شاكر والأمين الحاج محمد، وأدلتهم:
• أن الشورى في الإسلام لا يسأل فيها كل أحد، بل يرجع فيها لأهل الحل والعقد دائماً (ونوقش هذا في أن مشورته -صلى الله عليه وسلم- شملت في بعض الأحايين كل الناس كما شاور جمهور الصحابة في وقعة بدر، وشاورهم في الخروج من أحد).
• أن الانتخابات من شريعة الديمقراطية، والشورى من صميم الإسلام، فكيف يكون يجتمعان؟! (ويجاب عنه بأن الانتخابات ليست ملازمةً للديمقراطية، بل هي أسلوب تطبق في الديمقراطية وغيرها).
• أن الشورى تشاور واستفادة من الآراء للوصول إلى الحق، والانتخابات إخراجاً لحكم وتنفيذاً له. (يجاب عنه بأن الإلزام لا يزيل عن الطريقة كونها شورى، والتزام المستشير بها لا يخرجها عن كونها شورى).

الترجيح:
يرجح الكاتب القول الأول بأن الانتخابات المعاصرة تدخل في الشورى، فهي تتعرف على ما عند الناس وتحدد ما يريدون وهذا داخل في مفهوم الشورى، أما دخولها في الشورى الشرعية متوقف على الحكم بجواز الانتخابات المعاصرة وهو ما سيأتي تفصيله.
المقارنة بين الشورى والانتخابات:
1. الانتخابات طريق ووسيلة من طرق الوصول للولاية، والشورى وسيلة لمعرفة الرأي الصواب.
2. الانتخاب يكون بالاختيار بين أشخاص أو مسائل محددة، أما الشورى نقاش وحوار وعرض كامل للموضوع يتم من خلاله رفض الموضوع أو قبوله أو تعديله.
3. الانتخابات قاصرة على ما يتعلق بالولايات فقط، أما الشورى شاملة لكل شؤون الحياة.
4. نتيجة الانتخابات ملازمة لعدد الأصوات، وأما الشورى فليس من لازم الشورى أن يؤخذ برأي أهل الشورى.
حكم الانتخابات
تحرير محلّ النزاع:
اتّفق العلماء على جواز الانتخابات حين تكون محصورة في أهل الحل والعقد، وهم رؤساء الناس وأهل الوجاهة فيهم ممن اجتمعت فيه خصال العلم والعدالة والرأي، وقد سمّوا بذلك لأنهم يملكون عقد أمر البيعة وحل ما عقدوه.
واختلفوا في حكم الانتخابات المعاصرة التي تكون دائرة الانتخاب فيها واسعة شاملة لعامة الناس أو لأكثرهم إلى قولين:
الأول: الجواز، وهو ما ذهب إليه أكثر المعاصرين.
الثاني: المنع، وهو ما ذهب إليه بعض المعاصرين.
أدلة القول الأول :
• أن البيعة في جوهرها إعلام الفرد المبايع عن موافقته ورضاه وهذا أمر متحقق في الانتخاب المعاصر.
ويناقش هذا الدليل من وجهين :
أ‌- البيعة تكون بعد اختيار أهل الحل والعقد وهذا أمر متفق عليه وخارج عن محل النزاع.
ب‌- البيعة إعلان طاعة وانقياد ورضا بخلاف الانتخابات والتي هي تمييز من يكون صالحاً.
• الوقائع الشرعية في عهد النبي صلى الله عليه وسلم مما يدلّ على أن للانتخابات أصلاً شرعياً معتبراً، ومنها:
* بيعة النقباء حينما بايع الأنصار النبي -صلى الله عليه وسلم- على أن يمنعوه مما يمنعون به نساءهم وأبناءهم، فقال النبي -صلى الله عليه وسلم-: (أخرجوا إليّ منكم اثني عشر نقيباً يكونون على قومهم بما فيهم) ووجه الدلالة منها : أن النبي صلى الله عليه وسلم طلب من الصحابة أن يختاروا اثني عشر رجلاً، ولم يحدد لهم طريقة الاختيار، أو يمنعهم من مشاركة عامة الناس، فدّل على صحة الانتخاب بالرجوع إلى عامة الناس.
* العرفاء في وفد هوازن، حيث أتى وفد هوازن تائبين وطالبين أن يرجع النبي -صلى الله عليه وسلم- إليهم أموالهم ونساءهم، فخيرهم بين النساء أو المال فاختاروا النساء فقام رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فأثنى على الله بما هو أهله ثم قال: (أما بعد فإن إخوانكم هؤلاء قد جاءونا تائبين، وإني قد رأيت أن أرد إليهم سبيهم فمن أحب منكم أن يطيب بذلك فليفعل، ومن أحب منكم أن يطيب بذلك فليفعل، ومن أحب منكم أن يكون على حظه حتى نعطيه إياه من أول ما يفيء الله علينا فليفعل، فقال الناس: قد طيبنا ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم لهم، فقال صلى الله عليه وسلم : إنا لا ندري من أذن منكم في ذلك ممن لم يأذن فارجعوا حتى يرفع إلينا عرفاؤكم أمركم فرجع الناس فكلمهم عرفاؤهم ثم رجعوا إلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فأخبروه أنهم قد طيبوا وأذنوا).
ووجه الدلالة أن النبي صلى الله عليه وسلم رجع إلى العرفاء ليعرفوا آراء الناس، وهذا كالانتخاب المعاصر في الرجوع إلى الناس ليعلم رأيهم وما يختارون.
ويمكن أن يناقش هذا الدليل:
أما النقباء: فاختيار النقباء هنا ليس من اختيار الولاة، فالولايات لابد لها من اختيار الأصلح، وأما اختيار من يمثل الناس أو يتحدث بالنيابة عنهم فلا يشترط فيه ما يشترط للولاية.
وأما العرفاء في وفد هوازن فهو رجوع إلى الناس فيما يملكون، لأن ذلك حق لهم فلا يؤخذ إلا برضاهم، والولايات الشرعية ليست من هذا القبيل.
ويمكن أن يجاب عن هذه المناقشة:
بأن اختيار النقباء مقارب لاختيار الولاة، فالولاية العامة ما هي إلا قيام على حاجات الناس ومراعاة مصالحهم، فصورة النقباء وإن لم تتفق تماماً مع الولايات العامة إلا أن الرجوع إلى الناس في اختيار من يمثلهم والثقة بمن يختارون في مثل بيعة النقباء يلزم منه قبول من يختارون في مثل الولايات العامة. ويدعم ذلك : ان وظيفة النقباء كانت ضمان تحقيق المنعة والنصرة للنبي صلى الله عليه وسلم، وهي من الأمور العظيمة.
وأما الاستلال بوفد هوازن فلا يسلّم به، والاعتراض الوارد عليه صحيح، لأن الأمر متعلق بأمر يملكونه، وهو خارج عن الولايات الشرعية فلا مدخل له هنا.
• الشريعة جاءت باعتبار رضا الناس في البيعة ولم تحدّد الطريقة، والانتخابات من الطرق المعاصرة التي يعرف من خلالها رضا الناس ولم يدّل على منها دليل.
(وإن قيل أن الانتخابات لا تعبر عن رضا جميع الناس بل تعبر عن رضا المشاركين، فنقول بأن رضا جمهور الناس أو أكثرهم كافي ومعبّر، وحتى إن لم يشارك الأغلب فعدم المشاركة رضا بأي نتيجة أو عدم مبالاة).
• الأمة صاحبة الحق في اختيار الحاكم، وإذا كان كذلك فلها أن تمارس ذلك مباشرة أو من خلال وكلائها من أهل الحل والعقد.
• أن طريقة تولية الخليفة من الطرائق الاجتهادية التي لم يأت دليل يحصرها، فتجوز كل طريقة ما لم تخالف نصّاً شرعياً.
وقد تنازع المسلمون في يوم السقيفة ولم يذكروا أي طريقة ولا أسلوب للوصول إلى الحكم مع وجود الحاجة لذلك مما يدلّ على أن طرق الوصول للحكم طرق اجتهادية لا يشترط لها نص شرعي. وكذلك اختلاف طرق تولية كل خليفة من الخلفاء الراشدين.
وهذا من يسر الإسلام وسماحته في ترك الطريق الموصل للإمامة من غير تقييد ليختار المسلمون أنفع وأفضل الطرق المناسبة لهم بحسب زمانهم ومكانهم.
• الانتخابات طريقة عصرية، والمخالفون لم يوجدوا بديلاً صحيحاً لما يكفل معرفة أهل الحل والعقد، فكيف يتم معرفتهم وتحديدهم في ظلّ هذا العصر من غير انتخاب؟

وكيف يمكن ضمان انتقال السلطة ومنع الأنظمة السياسية من الظلم والاستبداد من غير انتخاب؟
ويمكن مناقشة هذا الدليل من وجهين:
الوجه الأول: أن عدم وجود طريقة معينة لدفع الظلم يجعل المسألة داخلة تحت حكم الضرورة، والضرورات تبيح المحرمات، والبحث هنا في الحكم الأصلي لا الطارئ.
الوجه الثاني: عدم التسليم بأن المخالفين ليس لديهم بديل عن الانتخابات، بل البدائل المطروحة كثيرة وعدم وجودها على أرض الواقع لا يعني أنها غير موجودة.
• أن المسلمين مأمورين بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، فلا بد للأمة من الأخذ بمبدأ التوكيل والنيابة فيقوم الناس بتوكيل من يقوم بهذا الواجب نيابة عنهم، وهذا هو ما تقرره الانتخابات المعاصرة، فهي استنابة من الناس لمن يقوم ببعض الواجبات الكفائية.
ويناقش هذا الاستدلال : بأن وجود بعض الأمة ليقوموا بفرض الكفاية لا نزاع فيه، وأما أن يكون اختيارهم من خلال الانتخابات فهذا هو محل النزاع ولا يصح الاستدلال بمحل النزاع.
أدلة القول الثاني (المنع من الانتخابات):
• لا دليل شرعي على الانتخابات ولم يمارسها سلف الأمة، ولو كان فيها خيراً لما تركوها.
وقد نوقش هذا الدليل من وجوه عدّة : أن الأصل في المعاملات الدنيوية الإباحة، ومن يمنع هو من يلزمه الدليل.
في زمن الصحابة كان أهل الحل والعقد معروفين فلم يكن ثمة داع ، أما الآن فالانتخاب وسيلة لمعرفتهم.
ثم ان معرفة رأي جميع الناس متعثر في ذلك الزمان، فالترك قد يكون لعدم الإمكانية، والآن وسائل الاتصال متوفرة.
• المفاسد التي تلازم الانتخابات من التعصب المذموم، وشراء الأصوات، وحرص المرشحين على إرضاء الناخبين، وتفريق الصف والتدليس والتزوير.
ويناقش هذا الاستلال من ثلاثة أوجه: أن الانتخابات في ظل الدولة الإسلامية ستقوم على التقوى ومراقبة الله، والبحث عن الأكفأ والأصلح، واستشعار عظمة ما يقوم به الناخب، والابتعاد عن كل ما يؤدي إلى هذه المفاسد.
وأنه لا تلازم بين الانتخابات وما ذكر من مفاسد ، فالمفاسد ترجع للعوامل وغياب القيم والمبادئ.
وجود المفسدة لا يؤدي إلى التحريم ما لم تكن هذه المفاسد أكثر من المصالح المرجوة منه.
• الانتخابات تقوم على مبدأ الأكثرية، وهو مبدأ مذموم في الشرع كما قال الله تعالى: ( وإن تُطع أكثر من في الأرض يُضلوك عن سبيل الله ) الأعراف 102. ويناقش هذا الاستدلال من وجهين :
ان المسائل إن ظهر كونها حقاً أو باطلاً لم يجز إجراء الانتخابات فيها، وإنما تكون الانتخابات في المسائل المباحة التي يجوز الأخذ بأي واحد منها.
أن عدم الأخذ برأي الأكثرية لا يعني رفضه مطلقاً. فلو سلّمنا أن الأخذ براي الأكثرية غير لازم، وأنه يعتبر مبدأ مخالف للشريعة، إلا أن هذا لا يعني حرمة الأخ برأيي الأكثرية مطلقاً، ولا أن كل أمر يؤخذ به برأي الأكرية فهو محرم.

وعليه: فلا أثر لهذا الدليل في تحريم الانتخابات.
• الانتخابات المعاصرة لا تراعي الشرعية الواجب توفرها في المرشح. وتناقش هذه النقطة بأن عدم توفر الشروط ليس لازماً للانتخابات فيمكن الاشتراط.
• عدم النظر في قبول شهادة الناس في الانتخابات مما هم عليه من عدالة وديانة.
ويناقش من وجهين: أن عدم التسليم بأن الانتخاب شهادة، ويمكن اشتراط العدالة في الناخبين، ويتجوّز في مفهوم العدالة فيه مراعاة لحال هذا الانتخاب ان اثر الناخب هنا ضئيل ليس كالشهادة.
• قيام الانتخابات على مبدأ المساواة بين الناخبين، وهذا نهج منحرف مأخوذ من فلسفة الديمقراطية القائمة على المساواة من غير تمييز المؤهلات، وقد قال تعالى : (قل هل يستوى الذين يعلمون والذين لا يعلمون) الزمر9.
ونوقش هذا الدليل من وجهين:

أنه لا مفر من اعتبار التساوي بين الناس في أصواتهم، حيث لا يمكن وضع قاعدة صحيحة في التفريق بين الناس، وحتى لو قدرنا المؤهلات فكيف نقدر النزاهة والفضيلة.
ويمكن أن يجاب عن هذا بأنه إذا لم يمكن إلا المساواة فليس الأمر ملجئاً لكي يؤخذ بالانتخابات أصلاً.
والوجه الثاني : أن الناس تتعلم من خلال الممارسة والمشاركة، ويتداركون اخطائهم، ويناقش هذا بأنها مجرد دعوى، ولم يقم على إثبات، بل الأصل أن عامة الناس لا يمكن أن يصلوا إلى الحد الذي يكونون فيه على مستوى أهل الرأي والخبرة والتخصص، والدليل أن الانتخابات المعاصرة لازلت رغم تطبيقها الواسع في كثير من البلدان تتأثر تأثراً كبيراً بالدعايات الانتخابية وبضغط وسائل الإعلام.
• ان الانتخابات جزء من النظام الجاهلي الديمقراطي المستورد من الكفار. ويمكن أن يناقش هذا الاستدلال من ثلاث أوجه :
لا مانع من الاستفادة مما عند الكفار من الأمور النافعة. وأنه لا تلازم بين الديمقراطية والانتخابات، فالديمقراطية نظام قائم على سيادة الشعب، وأخيراً أن الربط بين الانتخاب والديمقراطية لم يحصل إلا في العصر الحاضر، ولم يكن الانتخاب ملازماً للأنظمة الديمقراطية القديمة لأنها كانت تأخذ بمبدأ الديمقراطية المباشرة.
• القول بتجويز الانتخابات يلزم منه اتهام الشريعة بالنقصان والعجز عن إصلاح حياة الناس. ويمكن أن يناقش هذا الدليل بأنه لم يبين كيف أن تجويز الانتخابات اتهام للشريعة بالنقصان، وهي مما يتعلق بسياسة الناس وبما يحقق مصالحهم، ويتوصلون لنفعه أو ضرره بحسب الزمان والمكان فترك الشريعة لبيانها دليل على كمالها لما فيه من التوسعة واليسر على المسلمين، وهي من الأمور المباحة.
• الانتخابات ترجع للأكثرية والأكثرية دون المستوى المطلوب ويمكن التأثير عليهم.
• هدف الولايات الوصول للأكفأ والأصلح، والانتخابات يترشح لها البرّ والفاجر.
ويمكن أن يناقش هذا من وجهين : أولاً : أنه لا يصح إطلاق القول بأن الانتخابات لا يمكن أن يتوصل بها إلى الأكفأ، بل يمكن أن يتوصل بها إليهم إن طبّقت تطبيقاً صحيحاً .
ثانياً: أن الأصلح في الولاية ليس هو من كان صالحاً في نفسه فقط، بل من الاعتبارات المهمة في الولاية قبول الناس وانقيادهم له.

الترجيح:
يرجح المؤلف القول (بجواز الانتخابات المعاصرة) وأنها صورة مباحة من صور التولية، ويدعم قوله بما يلي:
1. الشريعة لم تحدد طريقة معينة للوصول للإمامة، وإنما المعتبر هو رضا الناس، فأي طريقة ارتضاها الناس فهي جائزة ما لم تخالف حكماً شرعياً.
وفي ولاية الخلفاء الراشدين نجد اختيار أهل السقيفة، ونرى الاستخلاف ونرى مجلس شورى وايضا بيعة جمهور الناس كما في ولاية علي -رضي الله عنه- بالإضافة للولاية عبر الصلح عندما تنازل الحسن لمعاوية -رضي الله عنهما-.
ولم ينكر أحداٌ من الصحابة أي طريق من هذه الطرق، فتحصّل من خلاله إجماع الصحابة على إباحة كل طريق موصل للولاية.
2. بيعة علي -رضي الله عنه- قامت على مبايعة جمهور الناس وعامتهم مباشرة، إذ إنه رضي الله عنه رفض قبول البيعة إلا في المسجد علانية ومن الناس، فلم تحصل بيعته إلا بعد اختيار الناس، فإن قيل أن انتخاب علي كان مبايعة لشخص واحد وليس اختيار بين أشخاص، قلنا أن الإشكال هو جواز مشاركة الناخب في الاختيار، وليس تعدد المرشحين للرئاسة.
3. الرجوع لأهل الحل والعقد لما لهم من شوكة وغلبة يتبعهم الناس، ويحصل من خلال بيعتهم مقاصد الإمامة، والرجوع في الانتخابات لعامة الناس والحصول على أصوات الأكثرية يحصل به المقصود.
4. مع غياب الطريقة الواضحة لاختيار أهل الحل والعقد في زماننا ودخول من ليس منهم فيهم ممن له شوكة بسبب جاهه وسلطانه يجعل فيهم الآفة نفسها التي توجد في عامة الناس، فقبل منع عامة الناس من المشاركة يجب أن يكون أهل الحل والعقد حسب الأوصاف الشرعية موجودين.
5. إن سألنا كيف يتم اختيار أهل الحل والعقد؟ وأجيب بأنه يختارهم الناس، فسنقول كيف نثق في اختيار الناس لأهل الحل والعقد ولا نثق في اختيارهم الإمام مباشرة؟
فإن قيل بل يختار أهل الحل والعقد الإمام، فقد لزم منه الدور، فهم من يختار الإمام ، والإمام يختارهم؟!
فلا محيد عن القول بجواز الرجوع إلى الناس في تحديد أهل الاختيار وفي اختيار الإمام.
فإن قيل بأن أهل الحل وعقد يظهرون في كل مجتمع قلنا أن هذا يصح في بعض المجتمعات، ولا يمكن أن يكون مطّرداً في جميع المجتمعات، خاصة المعاصرة التي تضم الملايين في أقطاع متباعدة.
6. لا دليل شرعي يدّل على وجوب الرجوع إلى أهل الحل والعقد، أو أن البيعة منحصرة فيهم، بل هو مفهوم قرره العلماء من بعدهم مما استفادوه من عصر الصحابة.
7. أدخل بعضهم في مفهوم أهل الحل والعقد أهل التجارة والمصالح العامة والوجهاء والرؤساء وأهل الشوكة والغلبة، وهؤلاء ليسوا بالضرورة أهل بروز في العلم والتخصص فإذا رجع إلى قولهم مع ذلك فأي مانع من الرجوع إلى عامة الناس.
8. إن بايع أهل الحل والعقد الإمام فلم يتبعهم الناس وتركوا بيعة الإمام فلا تنعقد له البيعة حينئذ، فقبول الناس وانقيادهم شرط من شروط انعقاد البيعة، لذا إن كانت الانتخابات هي الطريق الذي يطمأن الناس من خلالها فهي طريق شرعي.
9. اتفق العلماء على صحة الولاية بانتخاب أهل الحل والعقد، مع ما فيهم من تفاوت كبير في العلم والإخلاص والديانة والتخصص، وكما أنه هنا لم ينظر للفارق وهم سواء في التصويت، إذا لا يلتفت للفارق بين آحاد الناس.
10. عقد البيعة (عقد مراضاة واختيار لا يدخلها إكراه ولا إجبار) والرضا لا يصح أن يكون خاصاً برضا أهل الحل والعقد فقط من دون رضا الناس، بل يؤخذ برضاهم لأنهم قادة الناس والناس تبع لهم، وإذا كان كذلك فلا مانع من الرجوع مباشرة إلى الناس لأنهم هم الأصل في الرضا.
11. دخول عامة الناس في الانتخابات لا يجعل صوت العالم كصوت غيره، فالعالم له دور قيادي في توجيه والتأثير على أصوات الناس، خاصة في نظام إسلامي.
ثم إن تحديد الحاكم لا يقتصر فيه على أن يكون أصلح الناس في نفسه حتى يقال بأن العلماء والمختصين هم الأقدر على التمييز، بل من الأمور المهمة في الحاكم أن يحوز على رضا الناس وقبولهم حتى ينقادوا له ويسمعوا ويطيعوا، ومشاركتهم في الاختيار تحقيق لهذا المقصد.
12. القول بأن عامة الناس لا يعلمون من يختارون، قول غير دقيق، فهذه أمور ولاية ظاهرة يدرك عامة الناس في المرشحين لها صفات الشجاعة والكرم والديانة والعلم، بل قد يكون العامي من الناس في بعض الأحيان أقدر من العالم في معرفة من يصلح لقربه من هذه الولايات ومعرفته لطبيعتها.
13. ما ذكر من تأثر العامي بالعاطفة، وسهولة التأثير عليه بالمال والإعلام وارد على أهل الحل والعقد كذلك، وإن كان وروده عليهم أقل ولكن مع كبير تأثيرهم في النتيجة لقلة عددهم يصبح رأي أحدهم مؤثر جداً، لذا احتمال ورود هذه الأمور الفاسدة عليه ولو كان بنسبة قليلة سيوازي تأثيرها على العامي لوزن صوت الفرد من أهل الحل والقعد فيهم.
14. القول بمنع التسوية بين الناس في اختيار الحاكم لم يدّل عليه دليل بخصوصه، وإنما الذي يستند إليه في عدم التسوية بينهما هو الاعتماد على المصلحة الشرعية التي تقتضي أن العالم المتخصص أقدر على تحقيق مصالح الشريعة من الشخص الذي لم تجمع في الشروط.
وحيث كان الأمر متعلقاً بمصلحة، فما الذي يمنع من عدم إعمال هذه المصلحة لوجود مصلحة شرعية أخرى تعتمد على الرجوع لقاعدة أكبر من الناس لمعرفة رضاهم عن الحاكم حتى تستقيم له الأمور ويوضع لها من الضوابط والأسباب ما يظن به وصول الأكفاء لهذه الولايات.
15. أما الانتخابات فيما دون الرئاسة فهي في الحقيقة لا تخرج عن كونها تعييناً من قبل الإمام رجع فيها إلى رأي الناس.

ضوابط مهمة في جواز الانتخابات:
الراجح جواز الانتخابات المعاصرة، وأنها وسيلة من الوسائل المباحة للوصول إلى الحكم، ولما دونه من الولايات.
غير أن القول بإباحتها لا يعني جواز العمل بها مطلقاً من غير قيود، بل لا بد من اعتبار أصلين مهمين في بيان حكم الانتخابات:
1- أن تكون مصالح الانتخابات غالبة على مفاسدها، وإلا أصبحت حراماً.
2- أن تكون هي أفضل طريقة لتحقيق المصالح الشرعية، لأن تصرّف الحاكم في الشريعة منوطُ بالمصلحة.
 

المصادر: