سقوط الحضارات وانهيارها

الكاتب : صالح الرقب
التاريخ : ١٦ ٢٠١٦ م

المشاهدات : 3257


سقوط الحضارات وانهيارها

إن سقوط الحضارات وانهيارها وهلاك الأمم وذهابها له أسبابه وعوامله المنسجمة مع سنن الله تعالى ونواميسه، والهلاك نوعان، الأول: هلاك الأخذ والاستئصال، وقد توقف وانتهى ببعثة رسولنا محمد صلى الله عليه وسلم، قال تعالى: “وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين” سورة الأنبياء: 107، والثاني: هلاك الهزيمة والانهيار والضياع، وهذا النوع سنة باقية على الأمم حتى قيام الساعة. ومن خلال دراسة تاريخ الأمم السابقة التي ذهبت إلى غير رجعة.

وباستقراء آيات القرآن الكريم يتبين أن هلاك الأمم وسقوط الحضارات يرجع في الجملة إلى الأسباب التالية:-
1- الكفر بالله تعالى ورسله: قال تعالى: “كدأب آل فرعون والذين من قبلهم كفروا بآيات الله فأخذهم الله بذنوبهم إن الله قوي شديد العقاب” الأنفال: 52. وبعد أن أخبر الله تعالى عن إهلاك قوم سبأ قال عز وجل: “ذلك جزيناهم بما كفروا وهل نجازي إلا الكفور” سبأ: 17.
2- التكذيب لهدى الرسل: قال تعالى: “ولقد آتينا موسى الكتاب وجعلنا معه أخاه هارون وزيراً فقلنا اذهبا إلى القوم الذين كذبوا بآياتنا فدمرناهم تدميرا وقوم نوح لما كذبوا الرسل أغرقناهم وجعلناهم للناس آية واعتدنا للظالمين عذاباً أليماً وعاداً وثموداً وأصحاب الرس وقرونا بين ذلك كثيراً” الفرقان: 35-38. وقال تعالى: “قد خلت من قبلكم سنن فسيروا في الأرض فانظروا كيف كان عاقبة المكذبين” آل عمران: 137.
3- الظلم: قال تعالى: “ولقد أهلكنا القرون من قبلكم لما ظلموا..” يونس: 13. وقال تعالى: “فكأين من قرية أهلكناها وهي ظالمة..” الحج: 45.
4- الفساد في الأرض: قال تعالى: “ثم بعثنا من بعدهم موسى بآياتنا إلى فرعون وملأه فظلموا بها فانظر كيف كان عاقبة المفسدين” الأعراف: 103.
5- الاستكبار في الأرض: قال تعالى عن فرعون وجنوده: “واستكبر هو وجنوده في الأرض بغير الحق وظنوا أنهم إلينا لا يرجعون فأخذناه وجنوده فنبذناهم في اليم فانظر كيف كان عاقبة الظالمين” القصص: 39-40.
6- انتشار الرذائل وفساد الأخلاق: قال تعالى عن هلاك قوم لوط: “ولوطاً إذ قال لقومه أتأتون الفاحشة ما سبقكم بها من أحد من العالمين إنكم لتأتون الرجال شهوة من دون النساء بل أنتم قوم مسرفون“.. ثم بين الله تعالى هلاكهم فقال: “وأمطرنا عليهم مطراً فانظر كيف كان عاقبة المجرمين” الأعراف: 80-84.
7- استفحال الذنوب والمعاصي والفسق: قال تعالى: “ألم يروا كم أهلكنا من قبلهم من قرن مكناهم في الأرض ما لم نمكن لكم وأرسلنا السماء عليهم مدراراً وجعلنا الأنهار تجري من تحتهم فأهلكناهم بذنوبهم وأنشأنا من بعدهم قرناً آخرين” الأنعام: 6. وقال تعالى: “أولم يسيروا في الأرض فينظروا كيف كان عاقبة الذين من قبلهم كانوا هم أشد منهم قوة وأثاراً في الأرض فأخذهم الله بذنوبهم وما كان لهم من الله من واق” غافر: 21. وقال تعالى في هلاك قوم ثمود: “فدمدم عليهم ربهم بذنبهم فسواها ولا يخاف عقباها” الشمس: 14-15. وقال تعالى: “وإذا أردنا أن نهلك قرية أمرنا مترفيها ففسقوا فيها فحق عليها القول فدمرناهم تدميراً” الإسراء: 167. وقال تعالى: “وكذلك حقت كلمة ربك على الذين فسقوا..” يونس: 33.
8- التمرد على أوامر الله تعالى والاستهزاء بها وعدم القيام بواجب النعمة والفضل الإلهي: قال تعالى: “وكأين من قرية عتت عن أمر ربها ورسله فحاسبناها حساباً شديداً وعذبناها عذاباً نكراً فذاقت وبال أمرها وكان عاقبة أمرها خسرا” الطلاق: 8-9. وقال تعالى: “فلما نسوا ما ذكروا به فتحنا عليهم أبواب كل شيء حتى إذا فرحوا بما أوتوا أخذناهم بغتة فإذا هم مبلسون فقطع دابر القوم الذين ظلموا والحمد لله رب العالمين” الأنعام: 44-45.
وبتطبيق عوامل الانهيار والهلاك للأمم السابقة على الحضارة المادية الشيوعية والحضارة الغربية المعاصرة يتضح لنا بجلاء أنّه قد أحاطت بهاتين الحضارتين كلّ العوامل السابقة من كل جانب، من الكفر والتكذيب والتمرد على شرائع الله تعالى وهدى رسله، واستفحلت فيها الذنوب والمعاصي والآثام، وانغمست في مستنقعات الشهوات والرذائل، وبلغت من القوة المادية شأناً عظيماً.
وإذا كانت الحضارة الشيوعية قد سقطت وهوت نظرية وتطبيقا ودولة عظمى، فإن الحضارة الغربية الرأسمالية تنتظر أيضا الهاوية والهلاك والسقوط.. تنتظر أن تجري فيها سنن الله تعالى التي جرت في الأمم البائدة قال تعالى: “سنة الله في الذين خلوا من قبل ولن تجد لسنة الله تبديلاً” الأحزاب: 62، وعندها لن ينفع العلم ولا التقدم المادي أصحابها كما لم ينفع السابقين الهالكين قال تعالى:”أفلم يسيروا في الأرض فينظروا كيف كان عاقبة الذين من قبلهم كانوا أكثر منهم وأشد قوة وأثاراً في الأرض فما أغنى عنهم ما كانوا يكسبون فلما جاءتهم رسلهم بالبينات فرحوا بما عندهم من العلم وحاق بهم ما كانوا به يستهزئون” غافر: 83. وقال تعالى: “أولم يسيروا في الأرض فينظروا كيف كان عاقبة الذين من قبلهم كانوا أشد منهم قوة وأثاروا الأرض وعمروها أكثر مما عمروها وجاءتهم رسلهم بالبينات فما كان الله ليظلمهم لكن كانوا أنفسهم يظلمون“ الروم: 9.
يقول الأستاذ عمر عبيد حسنة: “ولقد ذهب علماء الحضارات، كثمرة لاستقرائهم التاريخ البشري، وصفحات السقوط والنهوض، إلى أن الحضارة، أية حضارة، تمر بمراحل ثلاث، هي:-
* المرحلة الأولى: هي مرحلة الفكرة، مرحلة الإيمان بالهدف، الذي يملأ على الإنسان نفسه، ويشكل له هاجساً دائماً، وقلقاً سوياً، ويدفعه للعطاء غير المتناهي، والتضحية في سبيل ذلك، بكل شيء، بما يمكن أن يعتبر أن من أهم سمات هذه المرحلة: بروز إنسان الواجب، الذي لا يرى إلا ما عليه، ويقبل على فعله بوازع داخلي، بإيمان، واحتساب، دون أن يخامر عقله، ماله من حقوق، هو إنسان واجب، إنسان إنتاج، وليس إنسان حق فقط، إنسان استهلاك، وقد يكون من المفيد هنا، أن نذكّر بحديث الرسول الله صلى الله عليه وسلم، الذي وصف مرحلة الوهن الحضاري، والإشراف على السقوط، وحدد معادلتها، عندما سئل عن الوهن، الذي يصيب الأمة قال: “حب الدنيا “( رواه أحمد 5/278): (ظهور إنسان الغريزة-إنسان الاستهلاك)، (وكراهية الموت) (وغياب إنسان الإيمان، والإنتاج والاحتساب.
* أما الدورة الحضارية الثانية، أو المرحلة الحضارية الثانية، التي تمر بها الأمة، هي مرحلة العقل، وضمور الإيمان، وفتور الحماس، نسبياً، مرحلة التوازن، بين العمل والأجر، بين الحق والواجب، بين الإنتاج والاستهلاك، بين الدنيا والآخرة، دورة ضبط النسب، حلول العدل، محل الإحسان، وهنا تصل الحضارة إلى قمتها، وتبدأ مرحلة السقوط، إذا لم تستدرك ما يتسرب لها من أمراض.
* والدورة الحضارية الثالثة، أو مرحلة ما قبل السقوط النهائي، هي مرحلة غياب الإيمان وبروز الشهوة، والغريزة، وانكسار الموازين الاجتماعية، واستباحة كل شيء وبكل الأساليب وعندها تسقط الحضارة، وتموت الأمة، ويتم الاستبدال”.

 

 

صفحة الكاتب على فيسبوك

المصادر: