السوريون ليسوا هكذا

الكاتب : عابدة فضيل المؤيد العظم
التاريخ : ٣١ ٢٠١٤ م

المشاهدات : 3415


السوريون ليسوا هكذا

1- وقفت في الطريق أنتظر التاكسي -وأنا في زيارة لبلد عربي- فمرت متسولة تستجدي المارة، وتقول أنها سورية انقطعت بها السبل وتحتاج لطعام وثياب، كان واضحاً أن لهجتها غريبة وبعيدة عن كلامنا؛ اقتربت منها وسألتها: “من أين أنت؟”، قالت: “من دمشق”، قلت: “وأنا أيضاً”، فلما جئت استفسر منها عن اسم عائلتها ومكان سكنها، اختفت في الزحام بين أهل بلدها، ولم أجد لها أثراً

 

2- ودقَّ جرس بيتي، وأنا أسكن في منطقة مكتظة بالسكان –ليس فيها من السوريين إلا بيت أو بيتان- فتحتُ الباب فرأيت سيدة ما فيها إلا الصحة والعافية والنضارة والشباب، بدأت تحدثني عن نزوحها من سوريا وحاجتها للمال وهي في بلد غريب، كلامها أثارت ريبتي، فصعدت النظر فيها وصوبته، فما وجدت فيها من الملامح السورية أي شيء، فسألتها كيف حصلت على فيزا وحضرت إلى المملكة؟! فاندست في المصعد الذي انفتح بابه فجأة، وضغطت على زره ومضت بعيداً.

3- وإن تَسوّل السوري -داخل بلده- أمر مألوف؛ أما أن يتسول غير السوري خارج سوريا وباسمها فهذا أمر كبير ومحزن ومسيء؟!

وقد جعلوا قضيتنا العظيمة وثورتنا المباركة فرصة للشحادة وقضاء مصالح بضعة أفراد؟!
4-- وكتبت إلي سيدة محترمة رسالة مؤثرة تصب في هذا الموضوع، قالت: “أكتب لك ودموعي تغرق عيوني وإن الشكوى لرب العالمين؛ ومن بعده لذي مروءة يواسيك أو يسليك أو يتوجع، وإليك قصتي، هاجرت لدولة عربية من بضعة أشهر وبقي أولادي بلا مدرسة بسبب الإقامة، ثم دلوني على معهد يقوم مقامها، ويوفر المنهج كاملاً وشهادته موثقة، فخرجت أبحث عنه، وكلما التفت لسيدة وقلت: “من فضلك…” تقطع كلامي بقولها: “الله يرزقك”!

وكأني شحادة تستجدي ليرة أو لقمة! تألمت كثيراً، وقلت ياليتني مت -قبل هذا- بقصف أو رصاص وأنا في بلدي معززة مكرمة.
وتكرر الموقف، فغيرت صيغة سؤالي، وصرت أبدأ بقولي: “أنا لست متسولة، ولا أريد مالاً، أنا أبحث عن معهد في الجوار”، ساعتها دلوني على المكان…

فكتبت أنا لتلك السيدة “لا تبتئسي فنحن أعزة رغم أنف محاور الشر، وارفعي رأسك عالياً لأنك سورية، فهذا التكبر في موطن يحبه الله ورسوله، فنحن شعب يجاهد وغيرنا من الشعوب غارق في السرف واليذخ واللهو.

وإن ما حدث معك يعتبر من جرائم النظام السوري الخطيرة، الذي أساء لسمعتنا في كل مكان وجعلننا من المنبوذين بين الشعوب والدول؛ وكأن الأرض ضاقت على السوريين بما رحبت.

ورغم هذا يكافح السوري ويبذل جهده، ويجد في الأرض مراغماً كثيراً وسعة بعزيمته وتصميمه، فابتهجي وإنها غمة وسوف تزول إن شاء الله قريباً.

وشكت لي سيدة تقوم على جمعية خيرية من بعض الممارسات، فقالت: “يأتيني بعض الناس بالبطانيات والملابس، فإذا جئت لأفرزها وجدت فيها الوسخ والمبقع والممزق وذا الرائحة الكريهة!؟ فأستحي من توزيعها وأرميها. أهكذا أصبح مقام السوريين؟!”

ولقد كان السوري في عافية في بلد غنية له فيها أعمال وأموال وبيوت وأملاك، فأفقروه على مدار ثلاثين عاما ثم ختموها بهدم بيته، فخرج مضطراً إلى الدول المجاورة، وما وجد ما يحمله معه من بلده سوى عزة نفسه ونشاطه وقوته، وأنشأ الأعمال التجارية فاعتبره بعض مرضى النفوس منافساً لهم على رزقهم وخيرات بلادهم فضيقوا عليه، فعمل موظفاُ فنَصَّفوا راتبه! وأحيانا منعوه من العمل نهائياً، أو طردوه من البلد كلها.

يمنعون عنا كل شيء حتى العمل الشريف، ونحن نذب عنهم خطراً محققاً، ونحميهم من شر مستطير هم غافلون عنه.

وإن السوري لا يستحق هذا من الشعوب العربية والإسلامية وقد حضنهم سابقاً.

ونحن -السوريين- شعب عزيز النفس كريم اليد، واسألوا عنا الفلسطيني والعراقي والآريتيري… الذين استقبلناهم وعاشوا بيننا وكأنهم منا، وانظروا ماذا يقولون لكم عن حسن ضيافتنا، فلم كان هذا مصيرنا!

وإن كان مضى دهر على هجرة العرب إلينا، فاسألوا اليوم أهل البلاد التي هاجر السوريون إليها؛ واسمعوا عن صنيعهم وحرصهم على الكسب منك وإن السوريين ليسوا هكذا.

ليسوا عالة وليسوا متسولين، وإنا إذا احتجنا اليوم لمساعدة أو مال أو مأوى فهذا لأننا في حرب إبادة جماعية، وهذا لأننا نتصدى للامتداد الشيعي والاحتلال الأمريكي للعالم الإسلامي، فتكالب العالم كله علينا.
وبالمناسبة فإن التكافل الاجتماعي قانون دولي عالمي عام، وأخذ المعونات ليس فيها ذلة، ولا تجد الدول الكبيرة القوية فيها غضاضة، وكم تبرعت الدول الغنية لإغاثة الأمريكيين وغيرهم (من المتضررين من الفيضانات وغيرها) ولم يجدوا بأسا في أخذ المساعدات. وليس كثيراً أن تدفع الدول الغنية لإغاثة عزيز قوم ذل، ولا تنسوا أن السوريين يذبون عن المسلمين ويوقفون الزحف الشيعي، وإنهم حين يعينون السوري يحمون أنفسهم وأموالهم من سيل جارف عرمرم، لو امتد فسوف يدمر بلادنا وديننا.

وإذا كانت الحياة قد أرغمت بعض السوريين على طلب المعونة أو أخذها، فإنها من التراحم والإخوة التي أمرنا الله به: وما كان على السوري أن يسأل الناس إلحافاً… وإنما الله أوجب على أغنياء المسلمين أن يتفقدوا إخوانهم وينفقوا أموالهم آناء الليل وأطراف النهار، وإن ما يدفعه كرام الناس للثورة ليس صدقة وليس زكاة مال، بقدر ما هو إنسانية ومرحمة، بل إن هذا الدفع هو الجهاد بالمال، وأصبح أيضاً -بسبب التجريم والملاحقة- جهاداً بالنفس، فأي عمل عظيم هذا، وإن أثره باد في تقدم الثوار.

السوريون هم المجاهدون الذين أمر الدين بنصرهم بالمال، وأولادهم أصبحوا من الأيتام الذين حث سيد البشرية على كفالتهم وتعهد لمن يفعله بمجاورته في الجنات.

ولقد نبه الرسول عليه الصلاة والسلام لذي الحاجة حين قال: “مَن كان معه فضلُ ظَهرٍ فلْيعُدْ به على مَن لا ظهرَ له ومَن كان معه فضلُ زادٍ فلْيعُدْ به على مَن لا زادَ له، فذكَر مِن أصنافِ المالِ ما ذكَر حتَّى رأَيْنا أنْ لا حقَّ لأحدٍ منَّا في فضلٍ”، فلا أقل من أن يستمر المسلمون أفراداً وجماعات في مد يد العون للمنكوبين وتقديم المعونات… بعد أن تخلى عنهم الجميع، وبعد أن ساهم العالم كله دولا وحكومات بطوائفه ومذاهبه… في إيقاع صنوف البلاء كلها قاطبة على السوريين.

سيقول بعض الناس: “كثرت جراحات المسلمين… فأين نضع مالنا؟”، وأقول لهؤلاء، ولمن يتردد أين يضع ماله: “الأولوية لسوريا لأنها ثغر من ثغور الإسلام، وبوابة من أخطر البوابات لغزو العالم الإسلامي”

وسيقول آخرون: “مللنا أو القضية طالت فدعونا نعيش”، ومن يقوله سوف يأتيه يوم كيومها، وانتظروا فإنا منتظرون.

المصادر: