البولشوي الروسي على المسرح السوري

الكاتب : غزوان طاهر قرنفل
التاريخ : ٣٠ ٢٠١٣ م

المشاهدات : 6210


البولشوي الروسي على المسرح السوري

كل شيء مباح مادامت هناك القوة اللازمة لتحقيقه !!! تلك هي القاعدة التي يعمل على أساسها نظام طاغية دمشق في مواجهته لإرادة شعبه (!) وبصرف النظر عن لاأخلاقية تلك القاعدة أو لا قانونيتها لأنه لم يكن قط لهذه العصابة قانون أو أخلاق يحدد سلوكياتها في التعامل مع الآخر الداخلي أو في المحيط الاقليمي،

 

إلا أن هذا السلوك ماكان ممكنا أن يأخذ مداه التدميري الوحشي واستسهال إفناء وإبادة السوريين لو لم يكن فاعله مرتاحا لظهير مماثل في الخسة يغطي سلوكه ويمنع عنه أية امكانية لوقفه عند حد معين ناهيك عن محاسبته ومساءلته عن أطنان من ملفات الجرائم التي ربما تستهلك ربع قرن لمساءلته عنها . لاشك أن الحليف الإيراني وحده – على أهمية مايقدمه – ليس كافيا لتحقيق امكانيتي الحؤول دون سقوط النظام وحمايته من المساءلة ، فكان لابد لهذا الحلف الاستراتيجي من ظهير دولي له القدرة ويملك المصلحة على تحقيق هاتين الغايتين .. وموسكو هي الهدف والمرتجى ، وهكذا كان.

من الطبيعي في هذا المقام أن لانصدق بسذاجة أن ماأسمته موسكو (خديعتها) في ليبيا كانت سببا كافيا ومنطقيا لتعنت موقفها في المسألة السورية رغم كل هذا الكم من التدمير والقتل والمجازر التي لايمكن إلا أن تكون وصمة عار في تاريخها لما أسبغته من حماية وتغطية ديبلوماسية وقانونية لمرتكبيها . أعتقد جازما في هذا الإطار أن مجموعة عناصر ومحددات هي ماحكمت الموقف والسلوك الروسي تجاه الكارثة السورية وطبعا ليس من بينها مصالح الشعب السوري العليا أو وحدة الكيان السوري وعدم انهيار الدولة السورية كما يحب أن يتشدق لافروفها ... وهذه العناصر والمحددات يمكن اجمالها بالتالي :

أولا – الرغبة الروسية الجامحة وعلى وجه التحديد القيادة البوتينية فيها باستعادة مجدها وهيبتها ومصالحها كقوة عظمى في العالم وطي صفحة القطبية الأحادية التي كرستها الولايات المتحدة الأمريكية طوال العقدين الماضيين ، خاصة أن أمريكا المدمّاة بورطتها العراقية وقبلها الأفغانية ، فضلا عن طبيعة إدارتها الحالية والأولويات التي تعنيها عالميا وطبعا ليس سوريا من بينها إلا بالقدر الذي تمثل فيه تهديدا جديا لإسرائيلها ( وهي لاتمثل بالطبع ) كما أن أوروبا – وهي لاتشكل في جميع الأحوال قيمة مضافة في السياسة الدولية إلا بقدر الرقم أو المعادل الأمريكي الموضوع بجانبها – فهي منغمسة حتى أذنيها بمشاكل بنيوية تتعلق بمآلات اتحادها الأوروبي وسيل أزمات أعضائه المالية والاقتصادية ... ماأتاح لروسيا الفرصة الذهبية وهيأ لها أفضل الظروف العالمية خدمة لتلك الرؤية وذاك المسعى .

ثانيا – ان حلف ( الممانعة ) الممتد من طهران الى بيروت عبر بغداد ودمشق بما هو هلال شيعي في جوهره، يمثل أفضل حليف اقليمي لهذا المشروع الروسي نظرا لتقاطع المصالح بينهما ولكونه أيضا يمثل أفضل سور عازل يحجب عن الجنوب الروسي المسلم ( السني ) أية تفاعلات ( ربيعية ) عربية او مسلمة ، وبالتالي فإن منع سقوط دمشق يعني بالضرورة منع المتوالية العراقية والايرانية من التداعي أيضا لأن خلاف ذلك يعني اشتعال أسفل الثوب الروسي المسلم بلهيب الحرية والانعتاق مايهدد بخطر تفكك الاتحاد الروسي نفسه .

ثالثا – ماتكشف مؤخرا وما أثير – ليس فقط - حول الثروات السورية الهائلة بالنفط والغاز على ضفاف المتوسط وماتمثله من قيمة اقتصادية لشركاتها النفطية .. وإنما أيضا لكون سورية هي المعبر البري الوحيد للغاز القطري إلى تركيا ومنه إلى أوروبا التي تمثل سوقا حيويا ومهما للغاز الروسي عصب قوتها الاقتصادية وفعلها السياسي الاوروبي ... وبالتالي فإن الحؤول دون تداعي نظام الأسد هو أفضل ضمان لإفشال هذا المشروع الذي تعتبره ضربا تحت الحزام .

إلى الآن ماتزال روسيا التي عرفت كيف تقتنص فرصة التردد الدولي والتعاجز الأمريكي تحديدا، هي سيدة الموقف في اللعبة الدولية على الأرض السورية ... ومن ضمن هذا المعطى وفي إطار هذا المنظور تدعو روسيا اليوم لمؤتمر دولي في جنيف لفرض حل للمسألة السورية لايخرج عن تلك المحددات التي أسلفنا مايعني أن روسيا ليست وبالقطع في وارد التخلي عن نظام الأسد مهما كانت الصيغة ( بالأسد الشخص أو بدونه إن توفر البديل المماثل ) واستتباعا فإن ذهاب المعارضة السورية لهذا المؤتمر في ظل ما تعانيه من عجز وفشل وصراعات غبية وتافهة ، وفي ظل انكشاف دولي (أمريكي واوروبي .. واستتباعا عربي ) لظهرها ، يعني بالضرورة هزيمة كاملة لثورة الشعب السوري ووأد لكل مطالب الحرية والكرامة ، ومنح الطاغية امكانية اطلاق رصاصة الرحمة في صدغ السوريين كافة .
قد تقتضي السياسة وممارستها حضور المؤتمر .. لكنها لاتقتضي بالضرورة التوقيع على وثيقة وفاة سورية الحرة ... وقد تقتضي السياسة وفعلها أن تشارك في حفل البولشوي الروسي لكنها لاتقتضي أن تذهب اليه عاريا ... اذهب الى الحفل .. لكن لاتتلحّف غطاء أمريكيا اذا لطالما استيقظ المتلحف به عاريا ... ولاتسكرك الفودكا الروسية فتبصم على نعوة الثورة والمستقبل السوري ... لاتذهب عاريا .. واستر سوأتك بإرادة السوريين وعزيمتهم التي لاتلين في طلب الانعتاق من الاستبداد ... تلحّف بثياب الشهداء المدمّاة ، واترك غبار الدمار يعلو رأسك ، فتلك شواهد الجريمة المتمادية ... واجه بقوة وعناد ولاتحكي بصوت خفيض ودع الفضاء يملأ صراخك أن لامكان للقاتل وعصابته في سورية المستقبل .

المصادر: