طفلتاي والموعد

الكاتب : سلسبيل زين العابدين
التاريخ : ٥ ٢٠١٣ م

المشاهدات : 4789


طفلتاي والموعد

كنت على موعد عائلي منذ أيام .. وفيما كنت أتحضر للخروج مع أطفالي كانت صغيرتاي تتنقلان في أنحاء البيت بكل سعادة وتشاركانني في تجهيز أنفسهما وما يلزم .. وتردادن أسماء أقاربنا وابنة خالهن المفضلة ( بانة ) وتخططان للعب معها .. بل إنهما جمعتا بعض لعبهما لتأخذاها معهما وتكتمل بذلك فرحتهما ..

 


وحين أردنا الخروج أمسكتُ بيدي ابنتي الاثنتين - لأنهما لا تسمحان لي أن أمسك بيد واحدة دون الأخرى - وانطلقنا نحو الباب .. وحين فتحت الباب سبقتني الكبرى وخرجت .. لكنها ما لبثت أن صرخت وتغير لون وجهها .. وكنت حينها قد وصلت إليها .. فنظرت حيث فزعت وأشارت وكانت الصغرى قد أمسكت بي أيضا .. وإذ بي أرى بعض الجيران وقد اجتمعوا على عدد من الخراف وقاموا بذبحها .. وكانت الدماء تملأ الشارع والخراف ممددة على الأرض .. لم يأخذ هذا المشهد من الوقت سوى ثوانِ .. كان وضع ابنتي قد انقلب خلال هذه الثواني القليلة رأساً على عقب وشحب لونهما وهرعتا إلى داخل المنزل ترفضان الخروج وتتشبثان بعباءتي وترجوانني ألا نخرج .. دخلت المنزل مرة أخرى وتحدثت معهما بهدوء وأقنعتهما بالخروج ولكن الصغيرة بقيت متمسكة بالباب الداخلي وترفض الخروج إلى أن حملها أخوها الكبير وخبأت وجهها في صدره .. وأما الكبرى فخبأت وجهها بعباءتي وبقيت ممسكة برجلي إلى أن جاوزنا الشارع .. بعد أن هدأت البنتان وسكنت أنفسهما .. دار حديث في نفسي وتذكرت أطفال سوريا .. كم من طفل في سوريا فزع حين سمع أصوات القنابل والمدافع والطائرات الحربية .. كم من طفل في سوريا صاح صيحة رعب حين أطلقت النيران أمامه على والده أو أخيه أو جاره .. كم من طفل في سوريا ابتلت ثيابه من الرعب حين رأى منظر الجنود وهم يقتحمون داره ويقلبونها رأسا على عقب ثم يقتلون أباه وأهله .. بل وربما صوبوا نحوه البنادق .. ثم أردوه قتيلا أيضا .. كم من طفل في سوريا وقف حائرا لا يدري ما يجري حوله .. ومع ذلك يجد نفسه ضحية لذلك .. كم من طفل في سوريا امتعق وجهه وشحب لونه وانعقد لسانه حين رأى السكين وهي تلامس عنق والديه وأخوته .. والدماء تغرقه وتغرقهم .. كم من طفل في سوريا كان الموت أرحم له من كل هذه المشاهد التي يشيب لهولها الولدان .. لكم الله يا أطفال سوريا .. لكم الله يا أطفال وطني .. لكم الله يا أهل سوريا كلها.

المصادر: