صراع التصورات السورية بواشنطن: مبررات أوباما وعريضة الدبلوماسيين نموذجاً

الكاتب : منير الماوري
التاريخ : ٢٤ ٢٠١٦ م

المشاهدات : 2950


صراع التصورات السورية بواشنطن: مبررات أوباما وعريضة الدبلوماسيين نموذجاً

تكشف المبررات التي ساقها المتحدث باسم الرئاسة الأميركية جوش إرنست، أول من أمس الأربعاء، لشرح موجبات الحذر والتردد الذي تبديه الإدارة الحالية تجاه نظام بشار الأسد في سورية، ورفض ساكن البيت الأبيض باراك أوباما توجيه ضربة عسكرية للنظام في دمشق، و/أو إقامة منطقة آمنة تحمي اللاجئين السوريين في المناطق المحررة الخارجة عن سلطة النظام، جانباً من الصراع الخفي بين مراكز القرار الأميركي حيال التعاطي مع الملف السوري. هو صراع مسؤول عن جزء كبير من المجزرة السورية المستمرة منذ العام 2011.

وتشترك فيه دوائر عديدة، منها وزارة الخارجية ووزارة الدفاع (البنتاغون) وأجهزة الاستخبارات، تتقدمها وكالة الاستخبارات المركزية (سي آي إيه)، والرئاسة، وكل من هذه الدوائر يمتلك رؤية مختلفة لأنجع السبل في إدارة الموقف الأميركي من الحرب السورية، كما أن هذا الصراع ليس حكراً على الملف السوري وحده، إذ تتحدث عشرات التقارير الصحافية والأمنية في الولايات المتحدة مثلاً عن الاختلاف الكبير في وجهات نظر الخارجية والبنتاغون حيال الوضع الليبي، مع ميل رجال العسكر لدور حربي أكثر فاعلية لواشنطن، وهو ما لا يحبذه ساسة البيت الأبيض ومكاتب الخارجية.
آلية اتخاذ القرار في واشنطن:
يقول مطلعون عن كثب على آلية اتخاذ القرار في واشنطن، إن هذا الصراع عمره من عمر الحرب السورية، لكنه عاد إلى الواجهة بقوة على خلفية العريضة التي وقعها الأسبوع الماضي، 50 دبلوماسياً حالياً في وزارة الخارجية الأميركية، وطالبوا فيها إدارة أوباما بتوجيه ضربات عسكرية لنظام الأسد لإجباره على قبول تسوية سلمية.
وشكل مضمون العريضة نوعاً من الإحراج للوزير جون كيري، نظراً لمواقف الرجل التي نعت الثورة السورية مراراً، وهددت ضمناً وعلناً المعارضة المسلحة بالإبادة في حال لم ترضخ لشروط النظام والروس ورؤيتهما لـ"الحل"، فإذا بخمسين من دبلوماسيي وزارته يقولون علناً إن الأسد هو أصل المصيبة، أي أصل استمرار الحرب والمجزرة واستمرار "داعش"، بالتالي ليس بالإمكان حلّ المصيبتين، أي المجزرة و"داعش" إلا بضرب الأسد عسكرياً.
لكن على الرغم من "الهزة" التي أحدثتها عريضة الدبلوماسيين الأميركيين الخمسين، إلا أن الثبات في الموقف الأميركي المهادن للنظام ولموسكو، والمتراجع أمامهما، يبدو السمة المستمرة للسلوك الرسمي لكل من أوباما وكيري، بالتالي لواشنطن ككل، بما أن "الرئيس أوباما حريص على عدم التسرع بالمواجهة العسكرية بطريقة أو بأخرى مع النظام السوري بناء على تقويم غير حكيم للوضع، وقبل دراسة العواقب والاستفادة من دروس الماضي" على حد تعبير إرنست في معرض تبرير رفض مضمون العريضة يوم الأربعاء.
حجج جديدة:
ومن ضمن الحجج الجديدة التي أوردها البيت الأبيض لرفض فكرة إقامة مناطق آمنة في سورية، أن أحداً لم يعد يطالب بها مثلما كان يحدث من قبل، بمن في ذلك أقوى مهاجمي أوباما، أي المرشح الجمهوري دونالد ترامب، الذي خلا خطابه في اليوم نفسه من إعادة طرح للفكرة، بحسب قول إرنست نفسه.
وعدد المتحدث باسم الرئاسة بعض "المحاذير" المتعلقة بتوجيه ضربات جوية لإسقاط نظام الأسد، منها "كيف يمكنك أن تنفذ ضربات عسكرية من دون إلحاق الأذى بالمدنيين الأبرياء؟"، وهو ما لا تراعيه واشنطن أصلاً في ضرباتها الخارجية الحالية في إطار "التحالف الدولي" أكان في العراق أم في سورية ذاتها على كل حال. ووصل الأمر بإرنست حدّ التساؤل عن "المبررات القانونية التي يمكن أن يستند إليها الرئيس في شنّ عمل عسكري من هذا القبيل؟، وكأن قتل النظام نصف مليون إنسان حتى الآن وتدمير بلد بأكمله، والتسبب بكارثتي "داعش" والمهجرين اللاجئين ليست أسباباً موجبة بالنسبة للإدارة الأميركية.
أما التساؤل الثالث الذي طرحه المتحدث، وهو الكلام الجدي الوحيد برأي كثيرين، فهو "ما الذي يضمن ألّا يودي ذلك إلى الانزلاق نحو الهاوية لأن الاشتباك العسكري مع نظام الأسد لن يكون قصير المدى، ولن يكفي له القيام بدفعة واحدة من الغارات الجوية، أو الهجمات الصاروخية وانتهى الأمر، نظراً إلى أن الحرب ستكون ضد دولة ذات سيادة ونظام يتلقى دعما قوياً من روسيا وإيران، كما أنه من غير الواضح كيف يمكن أن يشكل استهداف نظام الأسد ضغطا إضافيا على داعش، التنظيم المتطرف الذي يثير قلقنا أكثر من غيره".
واختصر المتحدث الأميركي موقف رئيسه بوضوح قائلاً "يعتقد الرئيس أننا في حاجة للتركيز على تنظيم الدولة الإسلامية داعش وليس نظام الأسد"، في استمرار للقراءة الأميركية التي ترفض الاعتراف بأن نظام الأسد كان ولا يزال المغذي الأول لتنظيم "داعش".
وفي اعتراف ضمني من إرنست باستمرار الخلاف في وجهات النظر بين دوائر فاعلة في وزارة الخارجية من جهة، والبيت الأبيض من جهة ثانية، فقد أشار إلى أن الرئيس "يرحب بسجال الأفكار الدائر في الخارجية الأميركية حول سبل التعامل مع الملف السوري، لكن أوباما لا يزال على قناعته بمدى صعوبة الوضع في سورية، ويرحب بالتأكيد بالأفكار الجديدة التي يتم طرحها لمواجهة هذا الوضع".
وفي تأكيد غير مباشر من البيت الأبيض على توافقه مع آراء القيادات العسكرية في المقر الرئيسي لوزارة الدفاع الأميركية (البنتاغون)، بالمقارنة مع مطالب الدبلوماسيين الأميركيين في وزارة الخارجية الآتي بعضهم من الوكالات الأمنية، قال إرنست إن "الرئيس يعتمد على نصائح مستشاريه العسكريين عند البت في القرارات ذات البعد العسكري، ولم يتم حتى الآن تقديم أي خطط محددة تعالج المحاذير التي يتطرق إليها الرئيس أو تثير مخاوفه".
خلافات متعلقة بالتسوية السورية:
وكانت عريضة الدبلوماسيين الأميركيين قد كشفت ضمنياً عن وجود خلافات مكتومة داخل الإدارة الأميركية ناجم عن الجمود القائم في العملية الدبلوماسية المتعلقة بالتسوية السورية، ويبرر الدبلوماسيون المعترضون على سياسة أوباما في سورية دعوتهم إلى تنفيذ ضربات عسكرية ضد نظام الأسد بالخروج من هذا الجمود وإنقاذ الجهود الأميركية من الفشل وما يبدو أنه تراجع أمام الكرملين.
وجاء في العريضة التي تسربت مقاطع من مضمونها إلى صحف أميركية يوم الجمعة الماضي أن نظام الأسد، بإمعانه في أعمال العنف العدائية، يعيق تقدم الجهود الدبلوماسية الأميركية في سورية، وأن الحل هو "استخدام حكيم للقوة بما فيها الضربات الجوية، بصورة تؤدي إلى دعم العملية السياسية وانخراط أكبر للولايات المتحدة فيها"، مع التشديد على تفادي أي مواجهة عسكرية مع روسيا.
ويتردد في واشنطن أن أوباما أبلغ جنرالات البنتاغون والقيادات المدنية في الوزارة، بضغوط يتعرض لها لتوسيع التدخّل الأميركي في سورية، فأبدى هؤلاء دعمهم لموقفه الحذر، متسائلين عن سيناريو الخطوة التالية لما بعد الأسد في حال قرر البيت الأبيض إسقاط نظامه، وهو سيناريو عجز الدبلوماسيون الأميركيون وأجهزة الاستخبارات عن الإجابة عليه.
ويبدو أن الطريق المسدود، الذي وصل إليه الصراع السوري، واستمرار الإحباط داخل بعض أجنحة الإدارة الأميركية، يؤكد أن تباين وجهات النظر حول التعامل مع القضية السورية قد تحوّل إلى صدوع عميقة، وصراع أجنحة ومراكز قوى داخل الإدارة، فيما يتساقط ضحايا جدد للحرب السورية كل يوم.
ونقل موقع "ديلي بيست" الإخباري الأميركي قبل أيام عن مسؤولين كبار، طلبوا عدم الكشف عن أسمائهم، أن وكالة الاستخبارات المركزية "سي آي إيه" توصلت إلى خلاصة مفادها أن إلحاق الهزيمة بتنظيم "داعش" لا يمكن أن يتحقق ما دام الأسد في السلطة، وهي وجهة تجعل الوكالة أقرب إلى وجهة نظر دبلوماسيي الخارجية الأميركية مما هي عليه وجهة نظر البنتاغون.

ويبرر محللو الاستخبارات هذا الاعتقاد بأن التنظيمات الإرهابية لا تنشط إلا في المناطق غير المستقرة، وبالتالي فإن "هزيمة الأسد أصبحت ضرورة ملحّة لهزيمة داعش في نهاية المطاف"، ووفقاً  لأحد مسؤولي الاستخبارات فإنه "طالما هناك زعيم فاشل في دمشق ودولة فاشلة في سورية، فإن الإرهاب سيظل منتعشاً".

 

 

 

 

 

العربي الجديد

المصادر: