معركة الساحل السوري... هل تحسم مصير النظام؟

الكاتب : أنس الكردي
التاريخ : ٥ ٢٠١٥ م

المشاهدات : 2428


معركة الساحل السوري... هل تحسم مصير النظام؟

تسود حالة من الترقب والإحباط في أوساط المؤيدين للنظام في الساحل السوري، وتخوّف وخشية من مصير معركة كبرى هناك مع قوات المعارضة، بدأت ملامحها بالظهور منذ أيام، في تكرار لسيناريو مدينتي إدلب وجسر الشغور ومعسكر القرميد وقرى عديدة في الخط الممتد إلى ريف اللاذقية الشمالي.


تنبع الخشية الرئيسية من عوامل عديدة، أبرزها أن الساحل هو عقر دار النظام بتركيبته الطائفية ــ العسكرية التي تضفي حساسية إضافية على المعركة هناك، ثم لأن الساحل كان ولا يزال عنواناً يلمح من خلاله بعض الإعلام المحسوب على النظام ما يفيد بأنه قد يكون "دولة بديلة" عن سورية الحالية في حال وصلت أزمته إلى ذروتها، ثمّ أخيراً لأن خسارة النظام في الساحل، في حال حصلت، تعني تجريده من واجهته البحرية وانحصاره في الداخل، في دمشق أساساً وفي بقع متناثرة أخرى لا رابط جغرافي يربط في ما بينها.
وعلى الرغم من غياب سياسة واستراتيجية عامة لقوات النظام داخل مدن الساحل السوري، إلا أنّها تستمر بعمليات التجنيد وتكثيف الحواجز في مدينة اللاذقية، بينما توقف عمليات التجنيد الإجباري، وتتّبع سياسية ليّنة مع السكان في مدينة جبلة، الخزّان البشري الأبرز لها، لكنّها تبدو أكثر تخطيطاً ووضوحاً في ريف اللاذقية، منبع الخطر بالنسبة للنظام، حيث تنشئ تحصينات تعزل مكمن الخطر المتأتي من ريف اللاذقية الشمالي عن بقية المدن، عبر السيطرة على قمم جبلية تأخذ شكل القوس، من قمة جبل الـ 45 في منطقة التركمان، إلى قريتي كفرية ودورين، انتهاء بقمة النبي يونس في جبل الأكراد.
قوات المعارضة واثقة أنّ الطريق بات مفتوحاً إلى الساحل:
وتبدو قوات المعارضة واثقة أنّ الطريق بات مفتوحاً إلى الساحل، في ظلّ الاستعدادات لهذه المعركة، لكنّها تدرك جيداً أنّ هذه المرحلة لن تكون سهلة، وأن قوات الأسد لن تتعامل معها كما بقية المدن والبلدات التي خسرتها، فهناك العديد من مكامن القوى التي يحتفظ بها النظام في الساحل، تحسباً لهذا اليوم، ويقول المتحدث الرسمي باسم "لجان التنسيق المحلية"، أبو ملهم الجبلاوي إنّه "منذ أربع سنوات، لم يشهد الشارع المؤيد للنظام في الساحل حالة إحباط وتخوّف كاليوم، وخصوصاً بعد معركتي إدلب وجسر الشغور، ما دفع بعض العائلات العلوية للنزوح إلى لبنان".
ويشير الجبلاوي خلال تصريحات لـ "العربي الجديد"، إلى أنّ "قوات النظام غيّرت معاملتها لأبناء مدينة جبلة بسبب الخوف الشديد، ويلاحظ اختفاء لبعض عناصر الأمن والشبيحة في المدينة، حتى إنّهم أوقفوا عمليات سحب التجنيد الاحتياطي، مؤكّداً ذلك بالقول "بعد توثيق اعتقال 48 شاباً قبل أسبوعين من قبل عناصر تابعة لفرع الأمن العسكري، شملت أحياء الجبيبات والجركس والعمارة والعزة وجب جويخة، من أجل السوق إلى الخدمة الاحتياطية في صفوف قوات النظام، لم يسجل أي حالة سوق غيرها منذ ثمانية أيام".
على الجانب الآخر، يبدو الوضع مغايراً في كل من اللاذقية وبانياس، تشير الناشطة الإعلامية بنان الحسن لـ "العربي الجديد"، إلى أنّ "هناك حالة تأهب واستعداد في مدينة اللاذقية من قبل قوات النظام من خلال زيادة الحواجز العسكرية، في الوقت الذي تشهد فيه قوات النظام تشييع قتلاها، في ظاهرة زادت بشكل ملحوظ بعد الجبهات العديدة التي فتحتها قوات المعارضة ضد جيش النظام في كافة المدن، كما تظهر حالة نفور في أوساط المؤيدين للنظام"، ويؤكّد كذلك أحد الناشطين في مدينة بانياس، (طلب عدم ذكر اسمه)، أنّ "الوضع ذاته موجود في مدينة بانياس من حيث الضغط على المدينة".
تسوير دائرة الخطر:
بعدما شعر النظم بالخطر الحقيقي المتأتي من كسر خطوط دفاعه الأولى عن الساحل السوري، المتمثّل في مدينة جسر الشغور، والسيطرة على قرى عديدة في سهل الغاب، ووصل مدينة إدلب بمناطق سيطرة المعارضة في ريف اللاذقية الشمالي، بدأ يخطط للمعركة بشكل آخر، يؤكد النائب الأسبق لهيئة الأركان في الجيش السوري الحر، العقيد مالك كردي، أنّ "النظام يدرك تماماً أنّ مقتله في الساحل، ما إن تمكّنت قوات المعارضة من السيطرة على المنطقة الساحلية، لأنّها حاضنته وخزانه البشري الذي يركن ويلجأ إليه في عمليات القتل التي ينتهجها على مختلف مناطق وساحات الأرض السورية، وتعتبر منطقتا جبلي الأكراد والتركمان، الخاصرة التي يُتوقع منها الأخطار".
ويلفت كردي في تصريحات لـ "العربي الجديد"، إلى أنّ "النظام عمد إلى إنشاء تحصينات تفرّد بها عما كان يقوم به في المناطق الأخرى، إذ تمّ احتلال عدّة قمم جبلية على قوس تبدأ من قمة الـ45 قرب بلدة كسب في منطقة التركمان مروراً بقريتي كفرية ودورين، وانتهاء بقمة النبي يونس في جبل الأكراد، تتخلّلتها عشرات القمم التي تمّ تجهيزها كنقاط استناد ودشم".
ويضيف "أنه تم إنشاء خنادق دفاعية تحيط بهذه التلال، تسورها حقول من الألغام. وجرى تسليح كل نقطة بمختلف أنواع الأسلحة، وتشمل دبابة إلى دبابتين، مع عربة إلى عربتين ب م ب، مع راجمة صواريخ، ومدفع 120 ميدان، ومدفع هاون، وعدد من الرشاشات المتوسطة ومن مختلف العيارات، إضافة إلى سريّة أو سريّتي مشاة، وقد جرى تنظيم الربط الناري بين هذه النقاط، لتكون بمجموعها خطاً دفاعياً قوياً، وقد أنشئ خط دفاعي آخر بعمق 3 إلى 5 كيلومترات".
ويشير القيادي العسكري إلى أنّ "قمة النبي يونس هي النقطة الاستراتيجية الأهم، حيث ترتفع نحو 1565 متراً عن سطح البحر. وتتميز القمة بطبيعتها الصخرية التي يصعب اجتيازها بسبب تشظيها وانعدام إمكانية الإخفاء للقوات المهاجمة، وفي حال تمت السيطرة عليها، فسيؤمن ذلك السيطرة على محطة البث التلفزيوني المجاورة على قمة النبي متى، ويؤمن أيضاً سرعة الوصول إلى بلدة صلنفة والسيطرة على القصر الجمهوري والتمهيد لتحرير مدينة اللاذقية".
ولا ينكر النائب الأسبق أنّ "خوض المعركة في الساحل قد يكون صعباً، نظراً لتجهيز خطوط دفاعها وإلى ديموغرافيتها بسبب طبيعتها الجغرافية وتركيبتها الاجتماعية، حيث الموالون للنظام يشكّلون الأغلبية، وتعتبر المعركة مصيرية بالنسبة للطرفين".
وحول الاستعداد للمعركة المقبلة، يؤكد محمد الحاج علي، قائد "الفرقة الساحلية الأولى"، التشكيل الأقوى حالياً في ريف اللاذقية التابع للجيش السوري الحر، أنّ "الطريق الآن مفتوح للفصائل إلى الساحل، وعندما تتوحّد فصائل الداخل مع الساحل ستكون نهاية النظام، وستشهد جبهاته انهياراً سريعاً"، لافتاً لـ "العربي الجديد" إلى أنّ "النظام لن يتخلى عن قاعدته البشرية بسهولة، لكنّنا سنشهد معارك قريبة في الساحل".
مكامن قوة النظام في الساحل:
على الرغم من التفوق العسكري السريع لقوات المعارضة في إدلب وجسر الشغور والقرميد، مقابل الانهيار السريع للنظام، إلا أنّ الوضع بالساحل مختلف تماماً. فبالإضافة إلى الخزان البشري الذي يمتلكه النظام، فإنّ لديه مكامن قوة عسكرية كبيرة وعديدة هناك، تتوزع بين شمال مدينة اللاذقية وجنوبها.
تتمثّل أبرز هذه المعاقل بمطار مدينة جبلة، ويحمل اسم (مطار باسل الأسد) سابقاً، وكان هذا المطار مدنياً قبل الثورة السورية، وتحوّل مع انطلاقتها إلى مطار عسكري بامتياز، وأضحت الرحلات العسكرية تستحوذ على جداول الطيران، عدا عن الطلعات الجوية للطيران المروحي من أدراجه على المدن السورية، وقد يكون الجسر الجوي الأبرز للنظام في حال احتدام المعارك، ويقع المطار شمال مدينة اللاذقية بمسافة 18 كيلومتراً، ويطلق عليه أيضاً مطار حميميم، نسبة إلى القرية المجاورة.
أمّا النقطة الثانية، فهي ثكنة اليهودية العسكرية، وتقع على مدخل مدينة اللاذقية، محاطة بأشجار كبيرة تمتد على مسافة 5 كيلومترات بدءاً من المنطقة الصناعية، وصولاً إلى تخوم جامعة تشرين، حيث إنّ معظم طلاب جامعة تشرين يقضون فترة تدريبهم الجامعي في هذه الثكنة المجاورة، وتعتبر بوابة اللاذقية البرية، وتشرف على الطريقين الوحيدين اللذين يؤديان إلى مركز مدينة اللاذقية.
تنطلق جميع الآليات العسكرية والمدرعات والدبابات التي يرسلها النظام إلى مناطق الاشتباكات في الريف القريب، من هذه الثكنة، التي تحوي أكثر من أربعين دبابة. وتكمن مهمة هذه الدبابات وبشكل دائم، في تأمين مداخل مدينة اللاذقية من أي تطورات عسكرية مفاجئة، كما تنتشر على أطراف هذه الثكنة صواريخ ورادار بالقرب من مستودع شركة العلبي، حيث يمكن للداخل والخارج من المدينة ملاحظة منصة تحتوي على خمسة صواريخ.
ثالث هذه الأماكن الحساسة ثكنة رأس البسيط العسكرية، وتبعد عن مدينة اللاذقية 35 كيلومترا باتجاه الشمال الغربي على الساحل البحري بشكل مباشر، وتحتوي هذه الثكنة على كتيبة مشاة وأخرى مدفعية بالإضافة إلى الرادار الذي كان له دور بارز في إسقاط الطائرة التركية، كما تحتوي على صواريخ مضادة للطائرات، وهي قريبة جداً من القصر الجمهوري في منطقة برج إسلام.

كما تعتبر هذه الثكنة أهم قلاع النظام السوري على الساحل، وكان دورها بارزاً وبشكل واضح خلال معركة الأنفال قبل نحو عام، حيث انطلقت فرقة الضفادع البشرية منها لتسيطر على المنفذ البحري الذي لم تدم سيطرة قوات المعارضة عليه إلا شهراً واحداً، كما أنّ مدفعية النظام السوري التي تدك معاقل قوات المعارضة في كسب وجبل التركمان تمركزت في هذه الثكنة، إذ كانت قوات المعارضة قريبة من هذه القلعة بعد السيطرة على كسب.

 

 

 

 

العربي الجديد

المصادر: