الشام بين الأمس واليوم

الكاتب : فايز الصلاح
التاريخ : ١٧ ٢٠١٥ م

المشاهدات : 3718


الشام بين الأمس واليوم

الناظر في النصوص الشرعية والوقائع التاريخية يجد أن بلاد الشام عصية على الفتن، نافية للخبث من بين ظهرانيها، مادة الجهاد وموئلاً للعلم والعلماء، وإن غشيها في بعض الدهور من ظلام، إلا أنها سرعان ما تشرق شمسها كيف لا؟ وقد قال فيها النبي صلى الله عليه وسلم: "إن الله قد تكفل لي بالشام وأهله".
والناظر اليوم يرى أن أهل الشام هم الذين يذودون عن الدين وحياضه جهاداً ودعوة وما أشبه الشام اليوم التي غزاها الرافضة والباطنية من كل حدب وصوب بالشام الأمس التي غزاها التتار فانظر إلى شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله- كيف يصف الشام في زمانه وقت ظهور التتار، قال: "... أما الطائفة بالشام ومصر ونحوهما؛ فهم في هذا الوقت المقاتلون عن دين الإسلام، وهم من أحق الناس دخولاً في الطائفة المنصورة التي ذكرها النبي -صلى الله عليه وسلم- بقوله في الأحاديث الصحيحة المستفيضة عنه: ((لا تزال طائفة من أمتي ظاهرين على الحق، لا يضرهم من خالفهم ولا من خذلهم حتى تقوم الساعة))، وفي رواية لمسلم: ((لا يزال أهل الغرب)).
والنبي -صلى الله عليه وسلم- تكلم بهذا الكلام بمدينته النبوية؛ فغربه ما يغرب عنها، وشرقه ما يشرق عنها، فإن التشريق والتغريب من الأمور النسبية؛ إذ كل بلد له شرق وغرب، ولهذا إذا قدم الرجل إلى الإسكندرية من الغرب يقولون: سافر إلى الشرق، وكان أهل المدينة يسمون أهل الشام أهل الغرب ويسمون نجد والعراق أهل الشرق...
... ومن يتدبر أحوال العالم في هذا الوقت يعلم أن هذه الطائفة هي أقوم الطوائف بدين الإسلام: علما، ً وعملاً، وجهاداً من شرق الأرض وغربها؛ فإنهم هم الذين يقاتلون أهل الشوكة العظيمة من المشركين وأهل الكتاب ومغازيهم مع النصارى ومع المشركين من الترك ومع الزنادقة المنافقين من الداخلين في الرافضة وغيرهم؛ كالإسماعيلية ونحوهم من القرامطة معروفة معلومة قديماً وحديثاً، والعز الذي للمسلمين بمشارق الأرض ومغاربها هو بعزهم... وذلك أن سكان اليمن في هذا الوقت ضعاف عاجزون عن الجهاد أو مضيعون له، وهم مطيعون لمن ملك هذه البلاد، حتى ذكروا أنهم أرسلوا بالسمع والطاعة لهؤلاء، وملك المشركين لما جاء إلى حلب جرى بها من القتل ما جرى، وأما سكان الحجاز؛ فأكثرهم أو كثير منهم خارجون عن الشريعة، وفيهم من البدع والضلال والفجور ما لا يعلمه إلا الله، وأهل الإيمان والدين فيهم مستضعفون عاجزون، وإنما تكون القوة والعزة في هذا الوقت لغير أهل الإسلام بهذه البلاد، فلو ذلت هذه الطائفة - والعياذ بالله تعالى-؛ لكان المؤمنون بالحجاز من أذل الناس، لا سيما وقد غلب فيهم الرفض، وملك هؤلاء التتار المحاربون لله ورسوله الآن مرفوض، فلو غلبوا لفسد الحجاز بالكلية، وأما بلاد إفريقية؛ فأعرابها غالبون عليها، وهم من شر الخلق، بل هم مستحقون للجهاد والغزو، وأما المغرب الأقصى؛ فمع استيلاء الإفرنج على أكثر بلادهم، لا يقومون بجهاد النصارى هناك، بل في عسكرهم من النصارى الذين يحملون الصلبان خلق عظيم، لو استولى التتار على هذه البلاد؛ لكان أهل المغرب معهم من أذل الناس، لا سيما والنصارى تدخل مع التتار؛ فيصيرون حزباً على أهل المغرب.
فهذا وغيره مما يبين أن هذه العصابة التي بالشام ومصر في هذا الوقت هم كتيبة الإسلام، وعزهم عز الإسلام، وذلهم ذل الإسلام، فلو استولى عليهم التتار لم يبق للإسلام عز ولا كلمة عالية ولا طائفة ظاهرة عالية يخافها أهل الأرض تقاتل عنه" ((مجموع الفتاوى)) (28 / 530 - 534).

 

 

صفحة الكاتب على فيسبوك

المصادر: