ازدهار صناعة الاختطاف في سورية

الكاتب : سلوى الوفائي
التاريخ : ٢ ٢٠١٢ م

المشاهدات : 2509


ازدهار صناعة الاختطاف في سورية

ما أبلغ أن ينوب الصمت عن الكلام، و الوقائع عن الحروف، و أن تكون الجريمة دليلاً ملموساً يشهده المارون بين الكلمات العابرة في خاصرة الإنسانية.

 

و الجريمة هنا ليست قتلاً بعد مواجهة شريفة سيفاً لسيف، و بندقية لبندقية، بل هي اعتداء صارخ على الضعفاء العزل الآمنين المسالمين، تسلبهم حريتهم و تأسرهم كما يأسر الصياد غزلان الفلاة، لا لذنب اقترفوه بل لابتزاز ذويهم و إهانتهم و إلغاء هويتهم الإنسانية. و حين تكثر حالات الاختطاف في مجتمع يصبح لزاماً على الشرفاء أن يدقوا ناقوس الخطر، و يطلقوا صفارات الإنذار على أعلى صوت. و قد كثرت صفارات الإنذار في سورية حتى اعتاد المجتمع الدولي عليها و أصبح لا ينام إلا على سماعها، كالمسافر في القطار ينام على الضجيج و لا يصحو إلا بعد وقوف الزوبعة. و ماذا ترك الشبيحة من أنواع الجرائم و لم يقترفوه بعد في سورية؟ الاختطاف أصبح عادة كشرب المتة الصباحية عند بعض الفارين من عصور الجاهلية.

كنّا نظنّ أنّ عصر النخاسة ولى إلى غير رجعة، لكن ما يحدث في سورية اليوم جعلنا نتيقن أنّ الجاهلية ما زالت تسكننا.

الحاج عبد الهادي بوطة ليس أول المخطوفين و لا آخرهم. رجل في الستين من العمر، ماذا يفيدهم رجل ستينيّ، بل ماذا اقترف من ذنوب ليعاقب بالخطف بعد أن علا الشيب مفرقه؟ عبد الهادي بوطة لاعب و مدرب و إداري في نادي الوثبة الحمصي، اختُطف يوم الخميس الماضي بصحبة صديقين – علاء الزين – و شاب من آل جمعة من منطقة تلبيسة – أمام دائرةالمواصلات حيث فاجأه الشبيحة و اقتادوه أسيراً و أجبروه في اليوم الثاني على الاتصال بذويه ليخبرهم أنّ الشبيحة يطلبون مقايضته بشخص يدعى – أبو علي – مفقوداً هو الآخر و لا أحد يعرف مكانه و لا إن كان حياً أو ميتاً. و عبد الهادي رجل يعرفه كلّ المحيطين به بأخلاقه الكريمة و أياديه البيضاء على الجميع دون استثناء، لم يفرق يوماً بالمعاملة بين طائفة و أخرى بل كان ينتهج مبدأ الإنسانية و الاحترام و مدّ يد العون للجميع على اختلاف مرجعياتهم الدينية و الاجتماعية.

و السؤال ماذا لو كان – أبو علي – هذا من عداد الموتى أو المفقودين ، هل يبقى عبد الهادي بوطة رهين الأسر؟ و ليس الحاج عبد الهادي وحده في أيدي الشبيحة اليوم، بل سبق أن تمّ اختطاف عائلة من آل الأتاسي، و عائلة من آل مندو و غيرهم كثر ... و المطلوب إمّا الفدية بالمال الذي يعجز عنه الحليم أو المقايضة بمفقودين يظنّ الخاطفون أنّهم أسرى في مكان ما، لدى الطائفة الأخرى. و سمعنا عن أحد الإخوة أن زوجته اختُطفت و اتصل به الشبيحة يطلبون مليون ليرة سورية لإطلاق سراحها، و حين طلب سماع صوتها ليتأكد أنّها على قيد الحياة، سمعها تقول: لا تدفع لهم فقد اغتصبني عشرون رجلاً حتى الساعة و أفضّل أن يقتلونني على أن أخرج !!! و ليست قصة زينب الحمصي بقصة من الخيال الطفولي، بل واقع شهده العالم و سكت عنه فأباح بذلك تكرار الطعنات و تكرار الجريمة ، و حين يأمن المرء العقوبة ، يطلق عقال الوحش الساكن فيه ليعيش جاهليته الأولى حيث لا شريعة سوى شريعة الغاب، و لا قانون سوى قانون التشبيح. يذهلنا صمت العالم المتمدن عن هذه المنكرات التي حرّمتها الشرائع السماوية و الإنسانية، و تجعلنا ننكر كلّ هذا العالم و نرنو نحو غابات موكلي لعلنا نجد ذئبة فيها من الحنان ما يروي تعطشنا للأمن الذي عدمناه في عالم تنكر لإنسانيته فعافته حتى وحوش البراري، ليعد موكلي من حيث أتى، فنحن أحقر ، نحن أنذل، نحن أشرس مما تحتوي مليون غاب.

المصادر: