فيسك: الانتفاضة السورية حررت حتى الجنود من الخوف.. وهم يعترفون أن ‘الإرهابيين’ وحدهم ليسوا سبب المأساة الحالية

الكاتب : إبراهيم درويش
التاريخ : ١٧ ٢٠١٣ م

المشاهدات : 4434


فيسك: الانتفاضة السورية حررت حتى الجنود من الخوف.. وهم يعترفون أن ‘الإرهابيين’ وحدهم ليسوا سبب المأساة الحالية

هل تتخيل نفسية جنودي وهم يقفون طوال اليوم ويعرفون إن واحدة من هذه السيارات قد يكون فيها انتحاري’ هذا ما قاله عقيد في الجيش السوري وهو يراقب صفوفا من السيارات تتوقف عند حاجز قرب مكتبة الأسد في العاصمة السورية دمشق.

 

 

يقول روبرت فيسك الذي كان يراقب هو الآخر طوابير السيارات التي تنتظر التفتيش إن معظم الموجودين على الحاجز هم من الملتحين، والعقيد نفسه سني ـ خاصة أن كل صحافي أجنبي يرغب بمعرفة دين أو طائفة كل من يلتقونه في البلاد اليوم.
ولم يمانع العقيد بالتقاط الصور للحاجز إلا أنه طلب عدم إظهار الوجوه، وهو ما يتفهمه فيسك ويعرف سبببه لأن جنودا تم اغتيالهم على حاجز بعد أن تم تحديد هوياتهم من لقطات تقرير بثته قناة إخبارية تلفزيونية روسية.
وعن نفسية جنود العقيد، يقول فيسك في تقريره بصحيفة ‘اندبندنت’، ‘حسنا فإنهم يعانون ما عانى منه الجنود العراقيون وقوات الناتو في أفغانستان، خاصة الجنود الأمريكيين في العراق، حيث اعترفوا أن السيارة التالية الواقفة على الحاجز للتفتيش قد تنفجر في وجهك’، ومنذ أن وصل الانتحاري إلى دمشق هذا الشهر توصل النظام لحقيقة أنه لا يمكن وقفه.
ومن هنا فالجنود عندما يقتربون من السيارة يتعاملون مع السائقين بأدب ولكن بحذر شديد، حيث يطلبون البطاقة، ويسألون عن المكان المقصود، ويطلبون منه فتح صندوقها الخلفي.
ويقول أن معظم حركة السير الآن في دمشق يتم تسييرها عبر ثلاثة شوارع مما أدى إلى اختناق مروري لا يمكن وصفه، وأدت إلى زيادة عدد الجنود على الحواجز. 

بوسطن:
ويضيف فيسك أن العقيد وإن كان يدعم بشار الأسد إلا أنه يتروى قبل الإجابة على السؤال ومستعد للحديث عن الدين والانتحاريين أيضا، فهو يقول ‘تعرف، الدين لا يعني أن تقوم بالسيطرة على الناس′، مضيفا أن ‘الدين يجب أن يكون أمرا يجعل الناس فرحين وسعداء، وكل المتطرفين يستخدمون الدين للتنظيم ولكنه للأشياء الجميلة، ولا أحب أن تستخدم كلمة ‘إسلاميين’ لتصف المتطرفين لان هؤلاء ليسوا مسلمين’، وعندما يحاول فيسك شرح طريقة استخدام المصطلح في الانكليزية والفرق بينه وبين المسلم، لا يهتم كثيرا، وعندما يذكر اسم أسامة بن لادن، يهز كتفه ويعلق ‘تعرف، وظيفة أسامة بن لادن لم تكن التفكير، كان عمله هو الطاعة لتنفيذ الأوامر والعمليات، ربما لم يكن عميلا للأمريكيين، ربما للغرب؟’.
ويقول فيسك أنه الآن في بلد يحفل بنظريات المؤامرة، معلقا أن بن لادن قاتل عدوا مشتركا للغرب وهم السوفييت، ثم تحضر كلمة ‘بوسطن’ في النقاش والهجوم على الماراثون فيها، فيعبر العقيد عن خوفه من إرسال الأمريكيين الجيوش، ويحملون سورية المسؤولية، كما فعلوا في العراق وأفغانستان بعد 9/11. ولكن الأمريكيين ليسوا في مزاج الدخول في حرب جديدة في الشرق الأوسط.
ويعبر العقيد عن معارضته بالقول أن الأمريكيين لن يرسلوا ‘جنودهم’ لان الجنود سيكونون محليين وسترسلهم كل من ‘السعودية وقطر’ إلى سورية. 

كلنا سوريون:
ويضيف فيسك إن الحرب أعطت حرية التعبير للجنود السوريين لأن حوارا كهذا وعلى نقطة تفتيش للجيش لم يكن ممكنا قبل الانتفاضة، حيث يتحاورون فيما بينهم حول الحرب.
كل هذا في الوقت الذي تقوم فيه الأمم المتحدة بإعداد ملفات كبيرة عن الجرائم التي ارتكبت من كل الأطراف في سورية، لكن هذا لا يلغي الحقيقة وهي أن الحرب غيرت الجميع وجعلتهم يتحدثون بحرية. ويرثي العقيد حالة سورية اليوم من ناحية انه مضطر للإفصاح عن هويته الطائفية ‘لم نتحدث عن هذا من قبل، ولم نتحدث بناء على الانتماء الديني، فكلنا سوريون’. هذا الحديث جعل فيسك يفكر لدقائق ويتساءل ‘لو كان الكل سوريا قبل الثورة، اذن فلماذا بدأت في المقام الأول؟
حتى المتحمسون الأشداء للنظام يعترفون انه يجب الاعتراف بالأسباب التي أدت إلى هذه المأساة الرهيبة التي حلت بالبلاد، فليس من الجيد أن تلوم ‘الإرهابيين’ فقط كما تفعل الحكومة عندما تريد شيطنة أعدائها ولكن.. وفي سياق مختلف علق على ما ذكره قبل يومين عن خبر ذبح جنود وجنرالات من القوات الجوية تحطمت طائرتهم فوق معرة النعمان بعد أن استهدفها المقاتلون، وظهرت صور على الانترنت حيث كان أحدهم يحمل رأس واحد من الذين ذبحوا، وقالت الحكومة إنها نقلت الجثث إلى مستشفى اللاذقية العسكري، وبحسب مسؤولي الحكومة كل الجنود قطعت رؤوسهم، وبعضهم قلعت أعينهم قبل وبعد الذبح، ولم تقدم الحكومة أية تفاصيل أخرى ويعلق فيسك قائلا ‘في سورية هذه الأيام، تسمع الكثير عن هذه الأشياء من الطرفين، وتخاف أن تكون حقيقية، ولك الخيار في أن تأخذها أو تتركها. 

معركة تتخمر:

ويظهر الحديث العفوي الذي أجراه فيسك مع هذا العقيد التغيير الذي حدث على نفسية الجنود وعلى وضع العاصمة دمشق، ففي تقرير بمجلة ‘ايكونوميست’ قبل أيام قالت فيه أن الهجمات الانتحارية والتفجيرات أصبحت جزء من الحياة اليومية للدمشقيين، مما دفع بالأسد ونظامه في الأسابيع الماضية بشن هجمات صاروخية على الأحياء التي تقع تحت سيطرة المقاتلين، فيما رد هؤلاء بتدمير وقتل الجنود على الحواجز التي أقامها الجيش حول مناطقهم، كما وكثفوا من إطلاق قنابل الهاون على مركز العاصمة.
وقالت المجلة أن معركة دمشق ‘تتخمر’ مع أن أحدا لا يعرف متى ستبدأ، ونقل عن موظف شاب قوله ‘نشعر أننا نعيش في الأيام الأخيرة قبل هبوب العاصفة’.
فالعاصمة تمثل بالنسبة للنظام والمعارضة كرسي السلطة العسكرية والسياسية ومن يملكها يملك سورية.
وقال التقرير أن دمشق والحالة هذه تشهد ومنذ أسابيع تحضيرات للقتال. وفي الوقت الذي يتردد فيه المقاتلون بالحديث عن خطط لمعركة دمشق إلا أنهم يتحدثون عن أسلحة تتدفق ويتم تخزينها وخلايا تنتظر الأوامر للتحرك. وفي المقابل أقامت الحكومة نقاط تفتيش في كل مكان داخل وخارج دمشق وأعادت نشر قوات من مناطق مختلفة في سوريةـ وتوعدت الصحف الناطقة باسم الحكومة بالويل والثبور للمعارضة أن دخلت العاصمة. وتقول المجلة أن الكثيرين اعتقدوا قبل عام انه في حالة وصول المعركة أبواب العاصمة فالحرب ستنتهي إلا أن هذه الآمال قد تبددت، وهناك من يخشى من المقاتلين ان يتكرر نفس السيناريو الذي حدث في حلب عاصمة البلاد الثانية، فمنذ هجوم المعارضة على حلب في تموز (يوليو) العام الماضي دخلت الحرب حالة من الانسداد، يقوم فيها الجيش بغارات وقصف على الأحياء الواقعة تحت سيطرة المقاتلين وتدميرها، فيما تعاني الجماعات المقاتلة نفسها من تنافس أكثر دمارا.
وتحذر المجلة من أن الوضع قد يكون أسوأ لأن قوات النظام متمركزة فوق جبل قاسيون، وهو وضع يمنحها فرصة لاستهداف مناطق واسعة بالصواريخ والقذائف المدفعية، ويضاف إلى ذلك فقد أنشأ الأسد مجموعات للدفاع الشعبي أرسل بعض أفرادها لتلقي التدريب على السلاح في إيران.
وقالت أن داعمي المعارضة ركزوا جهودهم في الفترة الماضية على الجنوب حيث يهدفون الى عزل القواعد العسكرية للجيش السوري قرب الحدود مع الأردن وإسرائيل.
كما يعمل أصدقاء المعارضة على منع تشرذم قوات المعارضة لفصائل كما حدث في الشمال، من خلال السيطرة على تدفق السلاح من معبر واحد من الأردن وتصل الأسلحة إلى جماعات توافق عليها الولايات المتحدة والسعودية. وأشارت إلى بعض التقدم الذي أحرزه النظام في الشمال، مقابل التقدم الحثيث لقوات المعارضة في الجنوب، لكن من الباكر الحديث عن قوة متماسكة تعمل تحت قيادة واحدة في الجنوب أفضل من الوضع في الشمال.

 

 

القدس العربي

المصادر: