مجزرة حماة تتكرّر في حمص والعالم شاهد على الجريمة

الكاتب : سلوى الوفائي
التاريخ : ١٠ ٢٠١٢ م

المشاهدات : 2596


مجزرة حماة تتكرّر في حمص والعالم شاهد على الجريمة

مجزرة حماة تتكرّر في حمص، والعالم شاهد على الجريمة؛ هل يأتي يوم نقول فيه يا حمص سامحينا؟ هل يأتي يومٌ نحتفل فيه بالذكرى الثلاثين لمجزرة حمص كما احتفلنا بذكرى مجزرة حماة منذ أيام؟ ما أرى إلا التاريخ يعيد نفسه مع فارق بسيط هو أنّ العالم كلّه حالياً شريك في مجزرة حمص. حين ارتكب حافظ الأسد جريمته النكراء في حماة

 

 

لم يكن هناك أساليب تقنية تساعد الشعب على إبراز الحقائق للعالم المتحضر، لم يكن هناك صحافة حرة ولا إنترنت ولا هواتف ذكية، كان هناك فقط آلة حربية وعقل إجرامي وصمت دولي منح الأسد حصانة وأمّن له الغطاء السياسي، وبارك جريمته البشعة بالتآمر بين الأسد ورونالد ريغن رئيس الولايات المتحدة الأمريكية آنذاك ورئيس وزراء إسرائيل مناحيم بيغن، وجرى تعتيم كامل على المجزرة لمنع الاحتجاجات الشعبية، وسادت البلاد بعدها أشباح الخوف القاتل واستمر الخوف مخيماً على البلاد حتى 15-3-2011م.

هذا اليوم التاريخي الذي سيعيد صياغة التاريخ السوري ويمحو عار الصمت. وقد لا يكون مصادفة أن يعقب مجزرة حماة، التي باركها المجتمع الدولي، اجتياح إسرائيل للبنان في شهر حزيران من نفس العام، ومباركة أمريكا لتدخل كتائب الأسد في لبنان حيث صرح هنري كسنجر آنذاك "الولايات المتحدة تلعب دوراً رئيسياً في لبنان، ونحن شجعنا المبادرة السورية هناك"، وبدخول شهر حزيران بدأت القوات السورية تسيطر على المواقع الإستراتيجية في سهل البقاع وتمركزت في العديد من الأماكن. ونقلت وكالة الصحافة الفرنسية تصريحاً لموشي دايان في 5/ حزيران: "إنّ على إسرائيل أن تظلّ في موقف المراقب، حتى لو دخلت القوات السورية بيروت لأنّ دخول القوات السورية في لبنان، ليس عملاً موجهاً ضد أمن إسرائيل"!!! ورغم أنّ أحداً لم يتبجح اليوم علناً بمباركة إسرائيل وأمريكا لاجتياح كتائب الأسد لحمص وغيرها من المدن السورية الثائرة وإعمال آلة القتل والدمار فيها وقصفها بشكل متواصل لليوم الثلاثين على التوالي مع انقطاع كامل لكلّ وسائل الاتصال بأهل حمص وقطع الإنترنت علناً، وتوالي القتل والذبح بدم بارد للشعب الأعزل في بيوته الآمنة واستهداف حتى الرضع في أحضان أمهاتهم واختطاف النساء بحكم شريعة الغاب وممارسة سادية الاغتصاب ونازية التعذيب عليهن، ورغم كل صرخات المستصرخين وأنات المعذبين وبكاء الجوعى والمصابين، ورغم كلّ التغطية الإعلامية لمشاهد الدمار والقتل والذبح وتوثيقها بالصور والفيديوهات التي ما يزال النظام الفاجر يدّعي مراوغة أنّها مفبركة، ورغم توالي الانشقاقات في صفوف الجيش حتى من قبل عناصر الفرقة الرابعة ربيبة النظام الأسدي وعناصر الحرس الجمهوري الأسدي الذين شقّ على إنسانيتهم الفظائع التي يرتكبها هذا النظام الخسيس بالأهل والوطن، ورغم تقارير لجنة حقوق الإنسان وإدانة الجمعية العمومية للأمم المتحدة لانتهاكات الأسد السافرة لحقوق الإنسان وارتكابه مجازر تاريخية بحق شعبه التي لم يسبقه إليها أحد على مرّ العصور، رغم كلّ هذه الوحشية التي لا تخفى على الأعمى، فإنّ العالم مازال يقابل مجازر حمص بدم بارد وصمت مخزي لا يبرره أيّ اعتذار وأيّ حجة. وكلّ هذه التمثيليات الإعلامية الهزيلة وتصريحات الإدانة والاستنكار على شاشات الفضائيات لا تعفي المجتمع الدولي وحماة العدل وحقوق الإنسان من مسؤوليتهم الجسيمة أمام ما يحدث في حمص خاصة منذ حوالي الشهر وفي كل سورية منذ عام مضى. ولم نعد نستطيع أن نكتم إدانتنا لهذا التخاذل السافر وانعدام الثقة بهذا المجتمع الدولي اللا إنساني الذي يحقّ القول فيه وبجدارة أنّه متآمر على دماء الشعب السوري، وشاهد على جريمة القرن الواحد والعشرين التي لن يمحو عارها عن هذا العالم أيّ تبرير بعد اليوم.
حمص سكين في خاصرة الإنسانية، قطعت كلّ الأنسجة الحضارية التي تكوّنت بيننا وبين العالم، وأشعرتنا أنّ الأرض تميد تحت أقدامنا، وتنحدر بنا نحو هاوية العصور الجاهلية، حيث لا شريعة سوى شريعة الغاب، التي تقوم على التناقض والتزوير والمراوغة والنفاق والعهر السياسي والتي شوّهت كلّ القيم النبيلة التي كنّا نظنّ أنّها تحكم هذا العالم المتحضر.
لقد شاخ أطفال الوطن دفعة واحدة لهول ما اقترفتم بحقهم من أهوال، وأصبحوا ينامون على الهلع ويصحون على الدماء، فوق هذه الأرض التي تسكنها الرعود والعواصف وتغزوها الصواعق والبراكين وكلّ التناقضات المناخية، لقد فقدنا معنى الفرح والابتسام، وفقدنا ذاكرتنا وطفولتنا ومراهقتنا وأجمل أيام عمرنا، في شهر أصدق وصف له أنّه شهر الخرف السياسي اللا متناهي، وحين يبدأ عصر الخرف يغرق العالم بارتكاب الحماقات ويركب حصان الفضيحة ويقف عارياً أمام كاميرات التلفزيون، وهذا الشهر دون شك هو شهر الفضائح والصراخ والإدانات، حيث غربت شمس الضمير الإنساني كلياً واستيقظت غريزة قابيل وصار أبو جهل الناطق الرسمي باسم الأمم المتحدة، وأبو لهب الناطق الرسمي باسم النظام الأسدي الغاشم، أمّا لسان العرب المسلمين فقد أكله القطّ منذ أن باع العرب حقول البترول لأمريكا في صفقة أبدية بعد اغتيال الملك فيصل -رحمه الله - الذي لن يجود التاريخ بمثله.
أما أنت يا حمص....فلك الله وحده.

المصادر: