أكراد سورية يعودون إلى "اتفاق دهوك": محاولة تشكيل مرجعية موحدة

الكاتب : أمين العاصي
التاريخ : ١٩ ٢٠٢٠ م

المشاهدات : 2800


أكراد سورية يعودون إلى

خطت الأحزاب المنضوية في أكبر كيانين سياسيين كرديين في سورية خطوة واسعة باتجاه بلورة اتفاق ينهي سنوات من التناحر بين هذه الأحزاب الساعية إلى تشكيل مرجعية سياسية واحدة، مستفيدة من دعم أميركي على كافة الصعد، يمكن أن يكون دافعاً كبيراً من أجل حصول الأكراد السوريين على مطالبهم في أي حل قادم للقضية السورية. وأعلن "المجلس الوطني الكردي" و"أحزاب الوحدة الوطنية الكردية"، التي يقودها "حزب الاتحاد الديمقراطي"، التوصل إلى رؤية سياسية واحدة خلال المفاوضات التي تجري بين الطرفين منذ أكثر من شهرين، برعاية أميركية وفرنسية.

ونشر الطرفان بياناً، أول من أمس الأربعاء، أكدا فيه التوصل إلى تفاهمات أولية خلال المفاوضات، بناء على "اتفاقية دهوك 2014"، وعلى أن تكون هذه الاتفاقية هي "الأساس للمفاوضات الجارية" بين الطرفين. وقال سكرتير "حزب اليسار الديمقراطي الكردي في سورية" وعضو "المجلس الوطني الكردي" شلال كدو إن "ما تم التوصل إليه في المفاوضات هو تفاهم أولي لإطلاق الجولة الثانية من المفاوضات"، موضحاً، في تصريح لـ"العربي الجديد"، أنه تم الاتفاق على رؤية سياسية مشتركة بالنسبة للحكم في سورية وإلى حقوق الأكراد السوريين. وانخرطت الأحزاب الكردية (نحو 20 حزباً) في حوار في إبريل/ نيسان الماضي، بناء على دعوة من القائد العام لـ"قوات سورية الديمقراطية" (قسد) مظلوم عبدي، وبضغط مباشر من الجانب الأميركي، الداعم الرئيسي للأكراد السوريين، من أجل ترتيب البيت الكردي في سورية وتشكيل مرجعية سياسية واحدة.

وتشكل عودة الطرفين الكرديين الأهم في سورية إلى "اتفاقية دهوك" دليلاً واضحاً على عدم قدرة هذه الأحزاب على تجاوز العديد من الخلافات المستحكمة بينها، في ظل سعي "الإدارة الذاتية" الكردية الحالية للتفرد بالقرارات الأمنية والعسكرية في المنطقة. وفي المقابل، لا يريد "المجلس الوطني الكردي" أن يكون مجرد شريك في إدارة نواحٍ خدمية وتعليمية، بل شريكاً لا يمكن تجاوزه في القضايا الأكثر أهمية، من خلال السماح لذراعه العسكري (البشمركة السورية المتمركزة في شمال العراق)، بالدخول إلى سورية، وتشكيل مرجعية واحدة يتساوى فيها مع أحزاب "الإدارة الذاتية"، أو ما يُسمّى بـ"أحزاب الوحدة الوطنية الكردية".

وقالت مصادر مطلعة، لـ"العربي الجديد"، إن ما توصل إليه الطرفان، الأربعاء الماضي، "ليس اتفاقاً نهائياً، بل هو توطئة له"، مشيرة إلى أن حزب الاتحاد الديمقراطي "وافق من حيث المبدأ على دخول البشمركة السورية إلى شرق الفرات، على أن تشكل لجنة لاحقاً لتحديد مهامها، حتى لا تتداخل مع مهام قسد، التي تهيمن عليها الوحدات الكردية التابعة لهذا الحزب". وبيّنت أن الطرفين اتفقا على أن "سورية دولة موحدة، ونظامها فيدرالي، يحصل الأكراد فيها على جميع حقوقهم، بما فيها حق تقرير المصير". ومن المتوقع أن يثير هذا البند، في حال إقراره في الوثيقة النهائية، زوابع سياسية، لأنه يعد مقدمة لتقسيم البلاد، وفق المعارضة السورية، التي تعتبر الأكراد جزءاً من الشعب السوري، وحل قضيتهم يتم ضمن سياق حل القضية السورية وليس بمعزل عنها. كما توصل الطرفان إلى تفاهمات لا تلزم "المجلس الوطني الكردي" بالانسحاب من "الائتلاف الوطني السوري"، على ألا يعترف بفصائل المعارضة السورية المسلحة.

من جانبه، وصف السياسي الكردي صلاح بدر الدين ما توصلت اليه الأحزاب الكردية بـ"اتفاق ضرورة يشوبه الغموض"، آملاً، في منشور على "فيسبوك"، أن "ينعكس على الحريات العامة والسلم الأهلي ونشاطات الوطنيين المستقلين، من أجل توفير شروط عقد المؤتمر الكردي السوري الجامع".

وكان "اتفاق دهوك"، الذي تم برعاية من قيادة إقليم كردستان العراق، وأبرم في أكتوبر/ تشرين الأول 2014، قد نص على تشكيل مرجعية سياسية كردية، على أن تكون نسبة تمثيل "حركة المجتمع الديمقراطي" (لاحقاً "أحزاب الوحدة الوطنية الكردية") فيها 40 في المائة، و"المجلس الوطني الكردي" 40 في المائة، و20 في المائة للأحزاب والقوى غير المنخرطة في الجسمين السياسيين. كما تم الاتفاق على أن يكون عدد أعضاء المرجعية 30 شخصاً، ممثلين وفق الآتي: 12 من "حركة المجتمع الديمقراطي"، و12 من "المجلس الوطني"، وثمانية من القوى السياسية من خارج الإطارين المذكورين. ومهمة هذه المرجعية هي "رسم الاستراتيجيات العامة وتجسيد الموقف الموحد، وتشكيل شراكة فعلية في هيئات الإدارة الذاتية، والتوجه نحو الوحدة السياسية والإدارية، ومشاركة كل المكونات الأخرى".

وتزامن "اتفاق دهوك" مع صعود تنظيم "داعش" في سورية، وتهديده بشكل مباشر المناطق الكردية، خصوصاً مدينة عين العرب (كوباني)، في ريف حلب. ووصل التهديد لاحقاً إلى محافظة الحسكة في أقصى الشمال الشرقي من سورية، والتي تضم العدد الأكبر من أكراد سورية. وفي 2015 تشكلت "قوات سورية الديمقراطية" التي بدأت مع التحالف الدولي حرباً طويلة ضد تنظيم "داعش" انتهت في 2017. ومن نتائج هذه الحرب سيطرة هذه القوات على جل منطقة شرقي نهر الفرات، والتي تشكل ثلث مساحة سورية، ما منح "قسد" فرصة للتفرد بالقرار بمعزل عن "المجلس الوطني الكردي" الذي تعرض للتضييق عليه في المنطقة، وصل إلى حد اعتقال كوادره أو دفعهم للهروب إلى خارج سورية. ووضع "الاتحاد الديمقراطي"، المتحكم بـ"قسد"، اتفاق دهوك وراء ظهره، لكنه وجد نفسه مضطراً للجلوس مرة أخرى مع "الوطني الكردي" تحت ضغط التدخل التركي في شرق الفرات. كما مورست ضغوط عليه من قبل التحالف الدولي، بقيادة الولايات المتحدة، لترتيب، ليس أوراق المشهد الكردي فحسب، بل أوراق منطقة شرق نهر الفرات، والتي تبدو مقبلة على تطورات سياسية كبيرة.

المصادر:

العربي الجديد