الحملة الروسية على فساد الأسد وحكومته: رسائل للنظام والعالم

الكاتب : سامر إلياس
التاريخ : ٢١ ٢٠٢٠ م

المشاهدات : 2389


الحملة الروسية على فساد الأسد وحكومته: رسائل للنظام والعالم

تطرح الحملة المنظمة على الفساد في سورية في وسائل إعلام روسية مقربة من مراكز صنع القرار في موسكو، أسئلة حول أسباب وأهداف الحملة التي طاولت رأس النظام بشار الأسد بشكل مباشر، منتقدة ضعفه وعدم وجود إرادة لديه لمحاربة الفساد المستشري. وبعثت مقالات عدة نُشرت تحديداً على موقع وكالة الأنباء الفيدرالية الروسية المملوك من "طباخ الكرملين"، وممول مجموعات "فاغنر" للمرتزقة، يفغيني بريغوجين، إشارات واضحة بأن على الأسد إصلاح الأوضاع قبل الانتخابات الرئاسية السورية المقررة في 2021، وذهبت إحدى المقالات إلى طرح أسماء بدلاء قادرين على حكم سورية. فيما كان لافتاً أنه بعد أيام من النشر تم الإعلان عن تعرّض الموقع للاختراق وجرى سحب المقالات، وهو ما أثار علامات استفهام عدة حول حقيقة وجود اختراق، في حين يسود الاعتقاد بأن المقالات حُذفت بعدما وصلت الرسالة التي أرادت روسيا بعثها، والتي لا تقتصر على نظام الأسد، إذ يبدو أن موسكو عمدت إلى توجيه رسائل للأطراف الدولية بشأن استعدادها لبحث تسوية في سورية مع الأسد أو من دونه شرط المحافظة على مصالحها الاقتصادية والسياسية.

وفي انتقال نوعي من نصح النظام بضرورة التعجيل بالإصلاح والقبول بتسوية سياسية، ركزت الحملة الجديدة على الفساد المستشري في أجهزة الدولة بما يعطّل إعادة الحياة الطبيعة للمواطنين السوريين ومشاريع إعادة الإعمار والدورة الاقتصادية، الأمر الذي ينذر بتفجر مجتمعي جديد للأوضاع لأسباب معيشية على خلفية زيادة أعداد الفقراء في سورية، بينما تزداد ثروات أصحاب المليارات المرتبطين بشبكة من "تجار الحروب" الذي بنوا ثرواتهم في السنوات التسع الماضية ويعطّلون العودة إلى الحياة الطبيعية. واللافت أن الحملة تطرقت إلى انشغال الأسد بشراء لوحات فنية بعشرات ملايين الدولارات لزوجته أسماء فيما ينشغل شعبه بتأمين مستلزمات الحياة الأساسية للبقاء على قيد الحياة.

والواضح أن موسكو تسعى إلى توجيه رسائل للنظام السوري للانتباه إلى خطورة الأوضاع داخلياً وإقليمياً ودولياً، وعدم القيام بأي مغامرات غير محسوبة.

وأشار مصدر مقرب من وزارة الخارجية الروسية، في اتصال مع "العربي الجديد"، إلى أن وسائل الإعلام الروسية المحسوبة على "طباخ الكرملين"، "لا تُعبّر بالضرورة عن موقف الكرملين الحقيقي، بل عن موقف مجموعة تجار لزيادة أرباحهم من دون الاهتمام بمصالح موسكو الاستراتيجية". لكنه أوضح أن "موسكو غير راضية عن كثير من تصرفات النظام، منها التراجع عن اتفاقات المصالحة في الجنوب التي مكنته في وقت سابق من حكم هذه المناطق، والأهم إصرار الرؤوس الحامية في النظام على عدم تقديم تنازلات سياسية بعد قلب المعادلات الميدانية على الأرض بحجة أنها لم تقدم تنازلات في وقت ضعفها فكيف يمكن أن تقدمها بعد انتصاراتها".

في المقابل، تسود قناعة في موسكو أنها قدمت كل ما تستطيع حالياً للنظام عبر مساعدته على فرض سيطرته على نحو 70 في المائة من الأراضي السورية منذ 2017 بمقتضى تفاهمات واتفاقات مناطق خفض التصعيد، وأن أي محاولة جديدة للتقدم من قبل النظام والمليشيات سوف تضع روسيا في صدام مباشر غير جاهزة له مع الولايات المتحدة في شرق الفرات أو مع تركيا في مناطق "درع الفرات" وعفرين وإدلب. ولهذا تفضّل موسكو الالتفات إلى تحسين الأوضاع الاقتصادية والمعيشية في المناطق الواقعة فعلياً تحت سيطرة النظام بدلاً من العمل على إعادة باقي المناطق إلى سيطرته.

كما تسعى موسكو إلى إقناع النظام بالاعتماد على موارده الذاتية واستغلالها بشكل فعال والتخلص من اقتصاد الحرب لسببين؛ الأول تعاظم المخاوف من أزمة اقتصادية عالمية سوف يكون تأثيرها مضاعفاً على روسيا التي سينكمش اقتصادها، حسب دراسات اقتصادية، بنحو 15 في المائة في نهاية العام بسبب أزمة كورونا، وتراجع أسعار النفط العالمية، ما يتسبّب في تبخر احتياطات البلاد من الذهب والعملات الأجنبية بأسرع من المتوقع وارتفاع نسبة التضخم والبطالة. والثاني عدم قدرة إيران، حليف النظام الآخر، على تقديم مساعدة نتيجة الأزمة الاقتصادية الخانقة بسبب العقوبات الغربية والنفط وكورونا.

وفي مقال نشره في موقع "منتدى فالداي" للحوار، شدد نائب رئيس المجلس الاستشاري الروسي للشؤون الخارجية، ألكسندر أكسينيونوك، على أن "التحديات الحقيقية في سورية تكمن حالياً في الاقتصاد أكثر مما كانت عليه خلال المرحلة النشطة من الأعمال العسكرية... ومع توقف القتال فإن الخطر الأكبر هو عدم رغبة النظام أو عدم قدرته على إنشاء نظام حكم من شأنه أن يوفر ظروفاً للحد من الفساد والإجرام والانتقال من اقتصاد الحرب إلى العلاقات التجارية والاقتصادية العادية". وأشار أكسينيونوك، الذي شغل منصب السفير الروسي لدى الجزائر ومناصب دبلوماسية رفيعة في خمس دول عربية أخرى منها سورية، إلى أن "الحكومة المركزية في دمشق فشلت في استعادة السيطرة على الحياة الاقتصادية، وفي المناطق التي تسيطر عليها تسري قوانين محلية خاصة، حيث ينتشر النهب على كل أنواع التجارة والعبور والنقل والقوافل الإنسانية لصالح سلسلة تتكوّن من قيادات وحدات الجيش والخدمات الأمنية والوسطاء التجاريين وما يتصل بهم من رجال الأعمال الكبار الموالين للحكومة، التقليديين، المقربين من عائلة الرئيس، والأثرياء الجدد، خلال الحرب".

وخلص الدبلوماسي الروسي إلى أن توقف الأعمال القتالية يجب أن "يصبح مناسبة للتفكير الجاد حول مستقبل سورية في ظروف تزيد عدم القدرة على التنبؤ في عالم سريع التغير، وهذا الأمر يتعلق في المقام الأول بالقيادة السورية في دمشق، إذ من الواضح أنهم لا يميلون إلى إظهار البصيرة والمرونة والتعقل، ولا يزالون يراهنون على حل عسكري بدعم من الحلفاء، ويأملون في تلقي مساعدة مالية واقتصادية غير مشروطة، كما كان الحال في الأيام القديمة من المواجهة السوفيتية الأميركية في الشرق الأوسط".

وبعيداً عن اللهجة الدبلوماسية، كان موقع وكالة الأنباء الفيدرالية الروسية المملوك من يفغيني بريغوجين أكثر وضوحاً في انتقاد الأسد وحاشيته عبر التأكيد أن أي مساعدة يجب أن تكون مدفوعة. فبعد خدماته المميزة يبدو أن تقاعس النظام عن منحه الامتيازات الاقتصادية دفع بريغوجين إلى تحريك إمبراطوريته الإعلامية وفتح ملفات الفساد بما فيها التي تطاول رأس النظام، ومنحه إنذاراً واضحاً بأن عليه الوفاء بالتزاماته وتسليم الاقتصاد السوري لرجال الأعمال الروس، وإلا فإنه يمكن أن يخسر مقعد الرئاسة الذي حافظ عليه بفضل التدخل العسكري الروسي ومرتزقة "فاغنر"، وذلك في تقرير نشر في 16 من الشهر الحالي تحت عنوان: شعبية بشار الأسد تنخفض: من يستطيع أن يحل مكانه في منصب الرئيس السوري.

وبعد عرض التقرير نتائج استطلاع أكد أن الأسد يخسر مكانته، وأن 32 في المائة فقط من السوريين سوف يصوّتون لصالحه، نقل عن ألكسندر مالكيفيتش، رئيس مؤسسة "حماية القيم الوطنية الروسية" التي نظمت الاستطلاع، قوله إن الناس (في سورية) كانوا في زمن الحرب على استعداد لتحمّل الوضع الاقتصادي الصعب في مقابل الأمن، ولكن في وقت السلم، ازدادت مطالب الشعب، مشدداً على أنه "قبل الانتخابات الرئاسية، سيكون على بشار الأسد أن يثبت أنه قادر على إخراج سورية من الخراب وتحسين اقتصاد البلاد، وخلافاً لذلك سيكون هناك العديد من المنافسين المستعدين لأخذ مكانه". واستعرض التقرير ستة أسماء، وهي رئيس حكومة النظام عماد خميس الذي اتهمتْه تقارير أخرى للوكالة بالفساد، وأحمد الجربا رئيس "تيار الغد" السوري، والعميد سهيل الحسن قائد الفرقة 25 مهام خاصة، وعبد الرحمن مصطفى رئيس الحكومة السورية الموقتة في مناطق المعارضة، ورياض حجاب رئيس الوزراء السابق المنشق عن النظام، وأخيراً منصور عزام وزير شؤون رئاسة الجمهورية. وعرضت الوكالة مزايا كل مرشح وإمكاناته والأطراف التي تدعمه، لكن الواضح أن الاختيار كان غير مدروس جيداً ويهدف أساساً إلى الضغط على الأسد، وإيصال رسالة بأن موسكو التي ثبّتت الأسد تستطيع فرض أي شخصية أخرى. كما أبقت الوكالة الباب موارباً أمام رئيس النظام وخلصت في نهاية تقريرها إلى أن "هناك ما يكفي من القادة المؤثرين الجاهزين ليحلوا مكان الأسد، ولكن لا يزال بإمكان الرئيس الحالي لسورية إنقاذ منصبه، وللقيام بذلك، يحتاج إلى خلق مناخ اقتصادي موات لرجال الأعمال الأجانب، في المقام الأول من روسيا... فقط في هذه الحالة، يمكن للأسد حل مشاكل الفقر والفساد في بلاده، وبالتالي استعادة ثقة المواطنين السوريين".

وأياً كانت أسباب الهجوم الإعلامي المركّز على فساد النظام في سورية، فإن موسكو تأمل في عدم انفجار الأوضاع الاجتماعية والعودة إلى المربع الأول بسبب التراجع الاقتصادي، وإمكانية إخفاء النظام للواقع الحقيقي لانتشار كورونا في ظل عدم وجود بنية تحتية صحية قادرة على مواجهة تفشي الوباء، ما قد يفقد روسيا تأثيرها في الداخل السوري. كما تسعى موسكو إلى المحافظة على حدود مناطق النفوذ الحالية بين القوى الإقليمية والدولية على الأرض بانتظار انقشاع أزمة كورونا والتوافق على تسوية سياسية قابلة للتنفيذ.

المصادر:

العربي الجديد