سورية.. الانهيار الاقتصادي بديلاً عن إعادة الإعمار

الكاتب : رضوان زيادة
التاريخ : ٦ ٢٠١٩ م

المشاهدات : 1887


سورية.. الانهيار الاقتصادي بديلاً عن إعادة الإعمار

على الرغم من كل التطورات العسكرية على الأرض السورية، قدّم المبعوث الأممي الخاص إلى سورية، غير بيدرسون، إحاطته إلى مجلس الأمن، في 22 نوفمبر/تشرين الثاني 2019، وحملت تفاؤلا كبيرا ببدء اجتماعات اللجنة الدستورية في جنيف، اللجنة التي استغرق تشكيلها أكثر من عامين، عقب مؤتمر سوتشي في روسيا، في يناير/كانون الثاني 2018، والذي دعم هذه الفكرة، بوصفها مفتاح الحل السياسي في سورية. وبعد أقل من اجتماعين لأعضاء اللجنة الدستورية، قررت الأمم المتحدة تعليق جلساتها، للفشل الكبير الذي مُنيت به، حيث طالب وفد النظام السوري اللجنة بأن تبحث ما أسماها "المبادئ الوطنية"، والتي تنص على إدانة "الإرهاب"، حيث يصف نظام الأسد كل من يعارضه بالإرهاب، والتنديد بـ "العدوان التركي"، ودعم "الجيش السوري"، وهذا متهم بارتكاب جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية بحق المدنيين السوريين. رفضت المعارضة التوقيع على هذه "المبادئ"، فضلا عن بحثها، فضلا عن أنه لا علاقة لها البتة باجتماعات اللجنة التي كلفتها الأمم المتحدة بكتابة دستور جديد لسورية. 

ويمكن اعتبار اجتماعات اللجنة الدستورية هذه إجهاضاً لقرار مجلس الأمن 2254 الذي دعا إلى وقف إطلاق نار على المستوى الوطني، وإجراء انتخابات حرة ونزيهة، وتشكيل حكومة انتقالية تشرف على كتابة الدستور الجديد. وعلى الرغم من ذلك، يستغل نظام الأسد اجتماعات اللجنة الفارغة من معناها في جنيف، لكسب الوقت وتغيير الحقائق على الأرض. وللأسف، ما زالت الأمم المتحدة في واد آخر بعيد عما يعيشه السوريون ويعانون من أجله. وهو ما يضع الأمم المتحدة مجدّدا أمام المساءلة عن دورها في سورية، وقد فشلت، ليس في تحقيق أي تقدم، وإنما في مهمتها منع جرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية في سورية.
ومع دخول الأزمة السورية عامها التاسع، يمكن القول إنه خلال العام الذي يشارف على الانتهاء (2019) ازدادت عدد التدخلات الإقليمية والدولية. وازداد عدد القتلى، فضلا عن الانهيار الاقتصادي الكبير الذي يشهده الاقتصاد السوري، فقد فقدت الليرة السورية أكثر من 10% من قيمتها الأسبوع الماضي، فوصل سعرها في مقابل الدولار ما يعادل الألف ليرة للدولار، ولنتذكر دوما أن الدولار كان يساوي 45 ليرة قبل اندلاع الثورة عام 2011. وهذا يعني فقدان القيمة الفعلية لكتلة الرواتب المستحقة لأكثر من مليون ونصف المليون عامل، مدني وعسكري. وهذا يعني ارتفاع التضخم بنسب قياسية، بحيث تجعل إمكانية الحياة داخل سورية شبه مستحيلة، في غياب معظم الخدمات العامة من ماء صالحة للشرب وكهرباء وبنى تحتية كالمواصلات أو المدارس، خصوصا في المناطق التي دمرها النظام، لأنها كانت يوما ما تحت سيطرة المعارضة.
الطريف أن النظام وحلفاءه بدأوا، مع بداية العام، يتحدثون بكثرة عن عوائد إعادة الإعمار في سورية، وقامت روسيا بحملة نشطة من أجل تشجيع الاتحاد الأوروبي ودول المنطقة على البحث عن طرق للاستثمار في مشاريع في البلاد. وأكثر من ذلك، وضع الأسد قائمة من الدول الحلفاء التي ستكون لها الأولوية للاستفادة من مشاريع إعادة الإعمار في سورية، وكأن هذه الدول تقف على الدور أو لائحة الانتظار من أجل الاستثمار أو تمويل المشروعات الضخمة في سورية تحت قيادته. وكان في مقدمة هذه الدول روسيا وإيران، اللتين ستكون لهما الأولوية في تنفيذ مثل هذه المشاريع. ثم ما حدث عكس ذلك تماماً، فالسوريون الذين كانوا ينتظرون إعادة الإعمار فوجئوا بالسقوط الحر الأخير لليرة السورية، وكان هذا تطوراً مزعجاً للنظام، لكنه شديد الإيلام بالنسبة للسوريين.
في نهاية الشهر الماضي (نوفمبر/تشرين الثاني)، تم تداول الليرة السورية بسعر 790 مقابل الدولار. ومع بداية ديسمبر/كانون الثاني الحالي، وصلت الليرة إلى ما يعادل ألفا للدولار الواحد. ومع ارتفاع معدل التضخم إلى أرقام قياسية، فهو تطور أكثر من متوقع، في غياب أي قدرة للحكومة السورية على دعم الليرة السورية حاليا. فقد انهار الاحتياطي النقدي من العملات الأجنبية في البنك المركزي السوري من 16-18 مليار دولار في عام 2011 إلى ما يعادل 70 مليون دولار، بحسب أرقام غير رسمية، ومع وجود 83% من السوريين تحت خط الفقر، انهارت عائدات الضرائب بالكامل. علاوة على ذلك، لم تعد هناك عائدات من الإيرادات النفطية، لأن الولايات المتحدة والقوات الكردية تسيطران على حقول النفط في شمال شرق سورية، فأصبحت الحكومة السورية مستوردا صافيا للنفط، بعد أن فقدت السيطرة على حقول النفط مع بداية الحرب.
وثمّة أيضا القيود التي وضعها المصرف المركزي اللبناني بعد اندلاع الاحتجاجات في لبنان، في أكتوبر/تشرين الأول، ما منع رجال الأعمال السوريين من القدرة على التعامل بالعملة الصعبة الدولار، كونهم يعتمدون على المصارف اللبنانية طريقةً للالتفاف على العقوبات الدولية. تضاف إلى ذلك كله العوامل السياسية التي تدفع الاقتصاد السوري إلى الانهيار، فنظام الأسد يبدو أكثر عزلةً من أي وقت مضى، حيث العقوبات الاقتصادية، بسبب جرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية التي ارتكبها ضد الشعب السوري، ومع اندلاع المظاهرات الجماهيرية في لبنان والعراق وإيران، ازدادت عزلة الأسد، خصوصا أن هذه الأنظمة دعمته سياسياً ومالياً في الماضي، سيما إيران.
هل هذا يعني أن نظام الأسد سوف يهتم بالصعوبات الاقتصادية ومعاناة الشعب السوري؟ بالتأكيد لا، فهذا النظام يخدم مصالحه الذاتية في البقاء أولا وأخيراً، ولن يهتم أبداً لرفاهية الشعب السوري. سياسته في الإبادة، من خلال التعذيب أو الحصار، تكشف طبيعته حتى في استخدامه السلاح الكيميائي ضد المدنيين السوريين، فلن يؤدي انهيار الاقتصاد السوري إلى أي تحوّل سياسي.

المصادر:

العربي الجديد