ترامب على خطى الأسد

الكاتب : عمر قدور
التاريخ : ٢٥ ٢٠١٩ م

المشاهدات : 1887


ترامب على خطى الأسد

تغريدة ترامب على تويتر، التي تمهد لاعتراف أمريكي رسمي بالسيادة الإسرائيلية على الجولان، ربما تعكس حاجة نتنياهو إلى دعم انتخابي اليوم، وحاجة ترامب إلى دعم من التيار اليهودي المتشدد في أمريكا. ما هو ظرفي ينبغي ألا يحجب أنها اللحظة المناسبة لاعتراف واشنطن بقرار تل أبيب ضم الجولان، فالأخيرة كانت قد سلّفت بشار الأسد موقفاً داعماً لبقائه، والثمن الذي تقبضه رمزياً من واشنطن ليس بلا أثر قانوني أو فعلي كما تتضمن ردود الأفعال المنددة بالتوجه الأمريكي.
 

كما هو معلوم، كان حق الفيتو اختراعاً أمريكياً كي تتمكن الإدارة من عرقلة أي قرار دولي لا يتفق مع القوانين الأمريكية التي ينبغي ألا يُعلى عليها، وإذا تحولت تغريدة ترامب إلى قرار رسمي فإن واشنطن ستستخدم تلقائياً حق الفيتو لصالح إسرائيل في أي قرار يخص السيادة على الجولان، وستعتبر أية مطالبة سورية به نوعاً من الاعتداء على السيادة الإسرائيلية. القرارات الدولية القديمة لن يكون لها قيمة بعد الانسحاب منها، وقد شهد الفلسطينيون من قبل كيف نُسخ قرار التقسيم 181 لصالح القرار 242 الذي ينص فقط على الانسحاب من الأراضي المحتلة عام 1967، فضلاً عن اعتماد واشنطن النص الإنكليزي للقرار الذي يعتمد تعبير "أراضٍ محتلة" بدل "الأراضي المحتلة".
 

في الشكل فقط، يبدو ترامب كأنه يقدّم هدية أخرى لنتنياهو بعد قراره نقل السفارة الأمريكية إلى القدس، أما في المضمون الواقعي فهو يقدّم غطاء للهدية التي سبق أن تلقتها إسرائيل من الأسدين ثلاث مرات من قبل. الإضاءة على التاريخ الأسدي في التعاطي مع قضية الجولان لا يرمي إلى تخوين الأسدين، أو اتهامهما بالتفريط في مسألة وطنية، فما ارتكباه في حق الشعب السوري يفوق من حيث الوحشية تهمةً من ذلك القبيل.
 

يعرف الجيل الذي عاصر هزيمة الخامس من حزيران 1967 أن وزير الدفاع آنذاك حافظ الأسد أصدر أمراً بانسحاب الجيش السوري قبل تقدم القوات الإسرائيلية، ورغم تفوقها في العتاد والذخيرة إلا أنها على الأرجح تقدّمت بناء على ذلك الكرم أكثر مما كان مخططاً لها في الأصل، يدل على ذلك العديد من التصريحات الإسرائيلية التي عكست الإحساس بسهولة الانتصار وحجمه غير المتوقعين. لاحقاً سيربط بعض السوريين بين أوامر حافظ الأسد بالانسحاب وصعوده إلى السلطة، إلا أنها أقاويل ما لم تنكشف وثائق تثبتها، الأكيد أن قرار الانسحاب لا يعكس غيرة على أرواح الجيش السوري لأن هذه الغيرة لم تظهر في أية مناسبة أخرى، ولا على أرواح المدنيين الذين سارع قسم منهم إلى الهرب بعد رؤيته هرب القوات التي يُفترض بها أن تحميه.
 

إثر حرب تشرين 1973 ظهرت تل أبيب كأنها ترد التحية، عندما وافقت على إعادة مدينة القنيطرة ضمن مفاوضات الهدنة. بعد استيعاب مفاجأة مبادرة الجيشين المصري والسوري كانت القوات الإسرائيلية قد استردت ما خسرته، وما لا يعرفه سوريون كثر أنها كانت قد سيطرت على أراض سورية جديدة غير التي احتلتها عام 1967. إعادة القنيطرة أتت لحفظ ماء وجه الأسد الذي وقع اتفاقية فض الاشتباك، وضمنت تل أبيب منذ ذلك الوقت وجود قوات حفظ سلام دولية، أو ما كان يُسمى حالة اللاسلم واللاحرب.
 

الآن مضى تسعة عشر عاماً بالضبط على رفض الصفقة التي قدّمها الرئيس الأمريكي آنذاك كلينتون إلى حافظ الأسد، وكان يحمل عرضاً من رئيس الوزراء الإسرائيلي إيهود باراك يتضمن انسحاب قواته إلى الحدود الدولية بين الجانبين كما تنص عليها وثائق الانتدابين الإنكليزي والفرنسي. موضوعياً ومنطقياً، يصعب فهم رفض حافظ الأسد استعادة الجولان بموجب الحدود الدولية حيث أن حدود سوريا الأخرى مرسومة أيضاً منذ زمن الانتداب، ويُذكر أن الزعيم الفلسطيني ياسر عرفات قوبل بهجوم شديد من إعلام الأسد لأنه أشار إلى حق الفلسطينيين في حدود الرابع من حزيران التي يطالب بها الأسد. إجمالاً كانت كافة الظروف مساعدة لقبول العرض واسترجاع الجولان، مع التنويه بالتفوق الإسرائيلي الساحق الذي يضمن الاحتفاظ به إلى أجل غير مسمى، إلا أن حافظ الأسد أبى استرجاع الهدية التي سبق له تقديمها عندما كان وزيراً للدفاع، علماً أنه كرر دائماً منذ توقيع اتفاقية فض الاشتباك أن السلام هو خياره الاستراتيجي.
 

الهدية التي قدّمها الابن بشار ربما تفوق بأضعاف ما قدّمه الأب، فهو منذ اندلاع الثورة "وعبر حديث لابن خاله ومدير أعماله رامي مخلوف" قدّم نفسه ضامناً لأمن إسرائيل، أي ضامناً لأمنها وفق أماكن سيطرتها بما فيها الجولان. الهدية الأثمن التي قدّمها هي عبر تدمير سوريا، والأمر لا يتعلق بما هو شائع لجهة إضعاف البلد بحيث لن يقوى إطلاقاً على مقارعة إسرائيل، المسألة هي في تقديم النموذج الأكثر وحشية لأهالي الجولان الذين كان الاحتلال الإسرائيلي طوق نجاة لهم كي لا يلاقوا ما لاقاه سوريون آخرون في المقتلة، بمن فيهم أولئك الذين قُتلوا دفاعاً عن حكم العائلة. هذا الاعتبار يُضاف إلى أن أهالي الجولان، رغم كل الإجراءات الإسرائيلية التعسفية، لم يمروا بما يماثل الضغوط المعيشية التي تعرض لها أشقاؤهم في سوريا جراء النهب المنظم.
 

الهدية التي لا تقل أهمية تلقتها إسرائيل عندما تحولت لاعباً رئيسياً في سوريا وعلى نحو مكشوف، إذ منذ استجلب بشار التدخلات الخارجية لوأد الثورة أصبح التدخل الإسرائيلي مباحاً كباقي التدخلات. عبر اتهامه الثائرين عليه بالعمالة لإسرائيل، كان بشار يؤكد على أن إسرائيله هي في الداخل لا على الحدود، وليس من باب النكتة أو الشعور بالحرج تأكيده المتكرر على أن الرد على الضربات الإسرائيلية يكون باستهداف "عملائها" في الداخل، بقدر ما هو إصرار على تحديد العدو. لا شيء وفق ما أتى به بشار من قوى احتلال يمنع إسرائيل، لو اقتضت مصالحها، من المطالبة بالسيطرة على منطقة أمنية عازلة تُضاف لسيطرتها على الجولان، فقوتها ليست أقل شأناً من إيران أو تركيا على سبيل المثال، وهي على أية حال تفعل ما يشبه ذلك عندما تصر على إبعاد الإيرانيين إلى مسافة تراها ضرورية.
 

الحق أن تغريدة ترامب هي فصل جديد من فصول شغفه بالاستعراض، فهو يعيد تقديم الهدية متتبعاً خطى الأسدين ليس إلا، وربما يكون من مظاهر تهافت الأسدية أن يقطف "فضلها" هذا وينسبه لنفسه.

المصادر:

جريدة المدن