التأثير الخانق لقانون قيصر

الكاتب : يحيى العريضي
التاريخ : ٢٩ ٢٠١٩ م

المشاهدات : 2064


التأثير الخانق لقانون قيصر

على الرغم من أن الولايات المتحدة الأميركية من بين أهم الدول في مجموعة "أصدقاء سورية"، إلا أنها، خلال السنوات الثماني الماضية من معاناة الشعب السوري على يد الإجرام، لم تميّز نفسها عن الآخرين، جهة مغرمةً أو حاميةً أو حريصة على الشعب السوري. للأسف، كان خذلان السوريين في سياسات ومواقف أميركية أكثر من أن يُحصى. ومع ذلك، كان اعتبار أميركا الداعم للمعارضة السورية علامةً تناقلتها ضفة منظومة الأسد وأبواقها باعتبارها نقيصة. حتى الـ55 ألف صورة، وبينها 11 ألف صورة لسوريين قضوا تحت التعذيب، والتي هرّبها سوري كان يعمل موثِقاً في موقع التعذيب ذاته؛ هذه الصور مرّ على وجودها أمام الجهات الأميركية المسؤولة في الكونغرس أكثر من أربع سنوات، وهي شاهدٌ على إجرام منظومة الاستبداد الأسدية. 

وعلى الرغم من الأذى الذي تسبب به الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، للسوريين بتجريبه أكثر من ثلاثمائة صنف من السلاح عليهم، وعلى بلدهم، وعلى الرغم من حفاظه سياسياً على النظام في مجلس الأمن، ومختلف المواقف والمحافل الدولية، وعلى الرغم من محاولاته المستميتة لإعادة تأهيله، وخصوصا إلى الحظيرة العربية؛ إلا أن الرئيس الأميركي السابق، أوباما، لم يقلّ ايذاؤه للسوريين وقضيتهم عن بوتين. باختصار شديد؛ لولاه لما تمكن الأخير أو أمين عام حزب الله، حسن نصر الله، أو قائد مليشيات الحرس الثوري الإيراني، قاسم سليماني، من ذبح السوريين؛ ولولاه لما تأخر قانون قيصر إلى هذا الوقت، غير أنه على كلٍّ أن تأتي متأخرا خيرٌ من ألا تأتي. 
إضافة إلى الحماية السياسية والعسكرية التي قدّمها النظام الروسي لمنظومة الاستبداد الأسدية، وبعد ارتكابها كل تلك الجرائم، والتي يتواصل توثيقها، لا تغيب عن النظام الروسي وسيلة لإعادة تأهيل نظام الأسد إلا ويسعى إليها بما استطاع لذلك سبيلا. استشعرت روسيا مثلاً وطأة الخناق العربي على نظام الأسد، فهيأت طائرةً روسيةً مدنيةً وشحنت رئيس السودان، عمر البشير، إلى دمشق، علّه يكون فاتحة كسر القطيعة العربية. ومن جانب آخر، لا تتوانى موسكو عن الدفع ببعض المؤسسات البرلمانية الرخيصة إلى زياراتٍ لنظام الأسد، محاولة صبغه بالطبيعي. من ناحية ثالثة، رأت موسكو ضرورة عودة اللاجئين السوريين، فحوّلت ذلك إلى جزءٍ من سياستها الخارجية؛ فوجدت مثلاً لبنان نصر الله جاهزا لاقتلاع جحافل البشر السوريين الذين هربوا بأرواحهم من براميل النظام إلى لبنان، وسعت إلى رميهم تحت رحمة منظومة الاستبداد ثانية. وعلى الصعيد الدولي، حاول الروس مع أوروبا حيث تدفق مئات آلاف السوريين، ولكن بعض قادة أوروبا أدركوا اللعبة البوتينية. وأخيرا، نشهد استحضار روسيا اتفاقية أضنة (1998) بين نظام الأسد وتركيا، والتي تهدف ربما لفك الخناق التركي قليلاً عن منظومة الاستبداد. 
هذه المحاولات الروسية مستمرة، لكن الضربة الصاعقة لتلك الجهود جاءت في صدور ذلك التشريع الأميركي الجديد الذي يجعل إعادة تأهيل نظام الأسد ضرباً من المستحيل؛ إنه "قانون قيصر"؛ والإصابة القاتلة لا تخصّ نظام البراميل فقط، بل تمتد إلى كل مَن يحميه أو يمد له يد العون، فما بالك بمن يسعى إلى إعادة تأهيله، أو لـ "إعادة الإعمار" في ظل سلطته الدموية! 
رسالة الكونغرس الأميركي التي جاءت نتاجاً لجهود جبارة من نشطاء سوريين وجهاتٍ ذات ضمائر حيّة؛ إضافة إلى رسالة العقوبات الأوروبية بالأمس القريب، كفيلتان بدفع الدول المساندة لهذا النظام المتعفن للتخلي عنه؛ والأهم سيكون انحسار "البروباغندا" والدعاية المخابراتية المريضة لإعادة تأهيل النظام، والتي أثّرت سلباً على بعضهم، وخصوصاً الحالات المهزوزة والمتردّدة، وغير الواثقة بقوة حق الشعب السوري في مصير حر ديمقراطي كريم. 
وفي التأثير الخانق للفعل التشريعي للكونغرس الأميركي، نتذكّر أنه لم يكن حضور رئيس لبنان الحالي، ميشال عون، في الكونغرس قبيل العام 2005 إلا الصاعق الذي حرّك ذلك المكان الخطير دولياً (كونغرس أميركا) باتجاه إنهاء ثلاثة عقود من الوجود السوري في لبنان. بالأمر الأميركي فقط، لا بشيء آخر، تم الخروج الأسدي من لبنان. هنا خطورة ما شرّعه الكونغرس تجاه نظام الأسد، وما خوّل رئيس أميركا أن يفعله تجاه المنظومة، ومن يدعمها، أو يمد لها يد عون. وذلك يأتي في وقتٍ يفقد فيه الجميع الأمل بأي قرارٍ دولي، يمكن أن يضمن للسوريين حقوقهم. قانون قيصر مسألة مختلفة، فهو مخيفٌ للداعمين، أو المتعاونين مع الاستبداد، بقدرٍ ربما أكثر من إخافته المنظومة ذاتها. 
كما لم تتعوّد إسرائيل يوماً أن تحترم القانون الدولي أو القرارات الدولية أو تلتزم بهما، كذلك نظام الأسد لم يلتفت إلا كلامياً وإعلامياً للقرارات المتعلقة بالقضية السورية: بيان جنيف وقرار مجلس الأمن 2254؛ إلا أن قانون قيصر مختلف عن قرارات مجلس الأمن التي لم يلتزم بها النظام ولا حلفاؤه، ومختلفٌ عن قرارات الجمعية العامة للأمم المتحدة، ومختلف عن تقارير لجنة التحقيق الدولية، إنه قانونٌ ملزمٌ ولا يوجد أي تساهلٍ بالتعامل معه، والعقوبات الأميركية هي الأهم والأقسى في العالم؛ وجميع الدول والشركات والأفراد تحاول تجنّبه. يعاقب القانون كل من يوفر أي دعم للحكومة السورية، أو حتى أي مسؤول رفيع المستوى ضمن النظام المجرم، دعم مادي أو تقني، أو أي دعم عسكري للنظام أو للقوات الروسية والإيرانية داخل سورية. لا يعاقب القانون فقط الدول والمنظمات التي تتعامل مع النظام، أو تنوي التعامل معه لاحقاً، بل يشمل حتى الأفراد الذين يدعمون النظام السوري في العالم. 
صحيحٌ أن مدى القانون محددُّ زمنياً، لكنه أولاً قابل للتمديد، ومن المستحيل أن يصمد نظام الأسد ومن يستثمر به في ظلِّ وجود قانونٍ كهذا قابل للتمديد. الحل أمامهم هو التخلي عن نظامٍ كهذا، والاتجاه نحو حل سياسي. إقرار القانون إنجاز ضخم جداً، ويستحق الاهتمام من جميع السوريين: المناهضين، لأنه أداة حسابٍ تحضر بقوة لتقتصّ ممن أجرم بحقهم، وحتى من الصامتين أو المؤيدين، لأنه أداة ردع ماضية تحول دون استمرار النظام بالفعل الإجرامي.

المصادر:

العربي الجديد