العودة إلى التربية القرآنية.. آية البر

الكاتب : محمد العبدة
التاريخ : ٢٦ ٢٠١٨ م

المشاهدات : 2905


العودة إلى التربية القرآنية.. آية البر

بعد تحويل القبلة إلى المسجد الحرام، وقد كانت قبل باتجاه بيت المقدس، بعد ذلك قامت حملة دعائية من السفهاء من اليهود والمشركين والمنافقين، وجدوها فرصة للتشويش والمغالطات، فقالت اليهود عن الرسول صلى الله عليه وسلم: خالف قبلة الأنبياء، ولو كان نبياً لصلى إلى قبلة الأنبياء. وقال المشركون: كما رجع إلى قبلتنا يوشك أن يرجع إلى ديننا، وقال المنافقون: إن كانت الصلاة الأولى إلى بيت المقدس حقاً فقد تركها وإن كانت التالية هي الحق فقد كان على باطل، وقالوا: كل يوم يأتينا بجديد، قال تعالى: (سيقول السفهاء من الناس ما ولاهم عن قبلتهم التي كانوا عليها قل لله المشرق والمغرب يهدي من يشاء إلى صراط مستقيم).

كان الشغب قويا حتى إن بعض المسلمين خافوا أن يبطل أجر الصلاة التي صلوها إلى بيت المقدس فأنزل الله (وما كان الله ليضيع إيمانكم) وأمام هذا الاستغلال للحادثة وتضخيمها لأغراض في أنفسهم من المنافقين واليهود أراد الله سبحانه أن يبين للناس وللمسلمين السبيل الصحيح في النظر وتقويم الأشياء ومعرفة المهم والأهم والأساس والفرع، فليس البر كما يزعم اليهود هو مجرد التوجه إلى بيت المقدس والقلوب خاوية، والقلوب قاسية ولا التزام بما جاءت به الأنبياء ولكن البر هو التوجه الخالص إلى الله سبحانه سواء كان للمشرق أو المغرب (فلله المشرق والمغرب) (أينما تولوا فثم وجه الله) وتحويل القبلة إلى المسجد الحرام يجب ألّا يشغل المسلمين عن الأصول الاعتقادية والعملية التي يجب أن يقوموا بها ويتمسكوا بها، فما هذا التحويل إلّا شعبة من جملة الشعب وخصلة واحدة من الخصال، وإنما البر الجامع لخصال الخير كلها في معاملة المخلوق وعبادة الخالق وتزكية الأخلاق هو كما قال تعالى: (لَيْسَ الْبِرَّ أَنْ تُوَلُّوا وُجُوهَكُمْ قِبَلَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ وَلَكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آَمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآَخِرِ وَالْمَلَائِكَةِ وَالْكِتَابِ وَالنَّبِيِّينَ وَآَتَى الْمَالَ عَلَى حُبِّهِ ذَوِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ وَالسَّائِلِينَ وَفِي الرِّقَابِ وَأَقَامَ الصَّلَاةَ وَآَتَى الزَّكَاةَ وَالْمُوفُونَ بِعَهْدِهِمْ إِذَا عَاهَدُوا وَالصَّابِرِينَ فِي الْبَأْسَاءِ وَالضَّرَّاءِ وَحِينَ الْبَأْسِ أُولَئِكَ الَّذِينَ صَدَقُوا وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ).

وبمناسبة هذه الحادثة أراد الله سبحانه أن يوجه المسلمين إلى البناء القوي لأنفسهم ومجتمعهم، فبدأ بإرساء الأساس وبعده يكون إقامة البنيان، والأساس هو الإيمان بالله واليوم الأخر والإيمان بالملائكة والكتب والنبيين الذين من خلالهم تصل الشرائع والتوجيهات إلى البشرية، وهذا الإيمان يجب أن ينتج آثاره الإيجابية من إقامة الصلاة وإيتاء الزكاة وإنفاق المال لذوي القربى واليتامى والمساكين، ومن آثاره الوفاء بالعهود والوعود والصبر في البأساء والضراء وحين البأس. وهذه الصفات هي التي تجعل صاحبها مستحقاً لأن يوصف بالصدق والتقوى.

إنه لا يكفي التوجه الظاهري والأشكال الظاهرية إن لم يكن معها المشاعر القلبية الطاهرة السليمة، ولا يكفي أن يؤتي ثماره فردياً بل لا بد أن يتسع أثره ليشمل كل المجتمع، هذا هو البر الذي يربي ضمير الأمة وينظم مجتمعها ويوجه مشاعرها نحو الخالق المعبود، وقد أكد القرآن الكريم على هذه التربية وهذا السلوك في موضع آخر فقال تعالى: (أَجَعَلْتُمْ سِقَايَةَ الْحَاجِّ وَعِمَارَةَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ كَمَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَجَاهَدَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ لاَ يَسْتَوُونَ عِندَ اللَّهِ وَاللَّهُ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ) فالهجرة والجهاد ومقاومة الظالمين هي في موضع أعلى من سقاية الحاج وعمارة المسجد الحرام، وإن إقامة العدل بين الناس هو عبادة أيضاً من أعظم العبادات، كما أن الظلم من أعظم المنكرات.

لقد انتظمت في آية البر أصول الدعوة بشطريها النظري والعملي وهذه هي التربية الإسلامية التي تحقق الغاية من وجود الإنسان.

المصادر: