سورية عام 2018... تكريس لسياسة التهجير

الكاتب : محمد أمين
التاريخ : ٢٣ ٢٠١٨ م

المشاهدات : 1949


سورية عام 2018... تكريس لسياسة التهجير

كرّس النظام السوري وحلفاؤه الروس والإيرانيون في عام 2018 سياسة تهجير السوريين التي كان بدأها قبل سنوات في سياق محاولاته تجفيف منابع الثورة والمعارضة، والعبث بالهوية السورية لتثبيت بشار الأسد في السلطة حتى لو كان الثمن تهجير أغلب السوريين داخل بلادهم كنازحين، أو خارجها كلاجئين.

وشهدت الأعوام الفائتة العديد من عمليات التهجير الممنهج وخاصة في محيط العاصمة دمشق وفي حمص وسط سورية، إلا أن التهجير في عام 2018 امتد إلى العديد من المناطق السورية منها الجنوب السوري وريف حمص الشمالي، بحيث بات الشمال السوري قنبلة بشرية، إذ تجمّع ملايين السوريين في بقعة جغرافية ضيقة في ظروف سيئة حيث الخدمات في الحد الأدنى والفلتان الأمني، واحتراب الفصائل، وهو ما يهدد بمخاطر جمة في حال شن النظام هجوما واسعا على المنطقة.

وطاول التهجير في عام 2018 أكثر المناطق التي كانت تشكل خطرا على النظام وهي الغوطة الشرقية للعاصمة دمشق التي هُجر أغلب أهلها بعد تدمير بيوتهم في حملة عسكرية واسعة النطاق انتهت باستخدام أسلحة محرمة دوليا، بحيث باتوا إما نازحين في سورية في مناطق النظام والمعارضة، أو لاجئين خارج البلاد ربما فقدوا الأمل بعودة قريبة إلى ديارهم التي يتعرض من اختار البقاء فيها لمختلف أنواع الانتهاكات من قوات النظام ومليشيات محلية تساندها.

غوطة دمشق

وغادر في الشهور الأولى من عام 2018 أكثر من 100 ألف سوري منازلهم في مدن وبلدات غوطة دمشق الشرقية بعد سنوات من الحصار والتجويع، وارتكاب المجازر التي أدت إلى مقتل الآلاف منهم أغلبهم نساء وأطفال. وقدرت مصادر في المعارضة عدد المهجرين من الغوطة بنحو 190 ألف مدني اتجهوا، نحو الشمال السوري، ومناطق النظام في محيط العاصمة دمشق، مشيرة إلى أنه "خرج نحو 43400 شخص نحو الشمال السوري وهم نحو 38400 شخص خرجوا من زملكا وعربين وجوبر التي كان يسيطر عليها فيلق "الرحمن"، إضافة إلى 5 آلاف شخص خرجوا نحو الشمال السوري من مدينة حرستا التي كانت تسيطر عليها حركة أحرار الشام".

وأكد تقرير حالة صادر عن مكتب تنسیق الشؤون الإنسانية في الأمم المتحدة خروج أكثر من 80 ألف مدني من الغوطة الشرقية إلى أماكن اللجوء التابعة للنظام حيث يعيشون ضمن ظروف كارثية، ويتلقون معاملة سيئة من قبل النظام بما فيها الإذلال الممنهج، والاعتقال والتصفيات. ويشير التقرير إلى تهجير أكثر من 30 ألف مدني إلى شمال سورية حيث يعيشون في مخيمات بائسة تفتقر لأدنى متطلبات الحياة، وكثير منهم دخل تركيا عن طريق مهربين بسبب سوء أوضاع المخيمات التي لا تلبي الاحتياجات الأساسية للوافدين الجدد من الغذاء والمأوى والرعاية الطبية.

وفي مارس/ أذار الفائت، أتمّ النظام السّوري تهجير قرابة 1800 شخص من مقاتلي المعارضة والمدنيين من حي القدم جنوب العاصمة السورية دمشق، الذين رفضوا مصالحة النظام والتسوية، وخرجوا من الحي برفقة سيارات الهلال الأحمر السوري إلى مناطق في شمال سورية. وخرج من الحي المقاتلون التابعون للمعارضة السورية، ترافقهم قرابة 300 عائلة من المدنيين، بحيث لم يبق في الحي سوى بعض الرجال والنساء، وكبار السن.

جنوب دمشق

وفي أواخر أبريل/ نيسان، توصل النظام والمعارضة برعاية روسية لاتفاق "مصالحة" هجر بموجبه أكثر من 8 آلاف سوري من بلدات يلدا وببيلا، وبيت سحم في جنوب دمشق بعد سنوات من الحصار والجوع، إلى مناطق متفرقة في الشمال السوري حيث يقيمون في مخيمات أو في منازل مستأجرة وأخرى مستولى عليها.


وفي إبريل/ نيسان أيضا غادر آلاف السوريين مناطقهم في القلمون الشرقي شمال شرقي العاصمة دمشق الذي يضم بلدات الرحيبة، والناصرية، وجيرود، والضمير إلى مناطق في شمال سورية. وأشارت مصادر إلى كون عدد المهجرين من القلمون الشرقي يتراوح بين 5 و6 آلاف من بينهم 3 آلاف مقاتل.

وأكد مكتب "منسقو الاستجابة" وهو تجمّع يضم المنظمات الإنسانية الناشطة في الشمال السوري، ويهتم بشؤون المهجرين قسراً، أن عدد المهجرين إلى الشمال السوري بلغ أكثر من 100 ألف خلال الفترة الممتدة من 15 إبريل/ نيسان الماضي وحتى 15 مايو/ أيار الحالي، موضحا أن عدد المهجرين من دمشق وريفها بلغ 83214 شخصاً خلال هذه الفترة فقط.

وفي مايو/ أيار، هجر النظام نحو 25 ألف سوري من مناطقهم في ريف حمص الشمالي وخاصة مدينة الرستن، وبلدات سهل "الحولة"، شمال غربي مدينة حمص، وريف حماة الجنوبي بوسط سورية، إلى شمال البلاد عقب اتفاق مع الجانب الروسي لم تنفذ بنوده بعد التهجير، حيث استباحت قوات النظام المنطقة قتلا، واعتقالا.

وقدم "منسقو الاستجابة" إحصائيات عمليات التهجير في عام 2018 من دون مهجري جنوب سورية والتي بلغت بحسب كل منطقة: "1351 مهجرا من حي القدم، و5204 مهجرين من حرستا، 41984 مهجرا من حرستا، 19189 مهجرا من مدينة دوما، 6226 مهجرا من الضمير والقلمون الشرقي، 9250 مهجرا من جنوب دمشق، و35648 مهجرا من ريف حمص الشمالي ليصل العدد النهائي لعمليات التهجير الأخيرة إلى أكثر من 118292 شخصا"، إضافة إلى 300 ألف مهجر من ريفي حماة وحلب وإدلب الشرقية ما يرفع العدد إلى أكثر من 450 ألف مهجر خلال أشهر قليلة وصلوا للمنطقة الشمالية من سورية.

جنوب سورية

في منتصف عام 2018، سيطر النظام السوري على جنوب سورية وهو ما أدى إلى تهجير آلاف السوريين إلى الشمال السوري بموجب اتفاق ظل لفترة طويلة محل جدل، بسبب تسليم المنطقة من قبل فصائل معارضة من دون قتال حقيقي، تبين لاحقا أن شخصيات في المعارضة أمثال خالد محاميد المدعوم من الإمارات العربية المتحدة لعبت دورا في إبرام الاتفاق الذي استعاد النظام بموجبه كامل محافظة درعا التي بدأت الثورة على النظام فيها في مارس/ آذار من عام 2011. ويقدر عدد المهجرين من محافظتي درعا والقنيطرة بنحو عشرة آلاف مهجر من بين مقاتل ومدني توزعوا في عدة مناطق في الشمال السوري، ومنهم من لم يحتمل الظروف السيئة فعبر إلى تركيا عن طريق مهربين.

وفي يوليو/ تموز، كرّست إيران الدور الطائفي الذي تؤديه في سورية منذ انطلاق الثورة في عام 2011، مع إبرام اتفاق مع "هيئة تحرير الشام" القناع الجديد لـ"جبهة النصرة" المتهمة بالتطرف، ينص على إخلاء بلدتين شمال غربي سورية هما كفريا والفوعة من سكانهما، وهو ما يعدّ استمراراً سافراً لسياسة العبث بالهوية السورية. الاتفاق توصلت إليه "هيئة تحرير الشام" مع الجانب الإيراني تحت إشراف ورعاية الجانبين الروسي والتركي، ونصّ على تهجير من تبقى من سكان البلدتين في الريف الشمالي الشرقي لمدينة إدلب، والبالغ عددهم نحو 7 آلاف مدني ومسلح جلّهم منتسب لمليشيات إيرانية، نحو مدينة حلب، وجرى نقلهم بعد ذلك إلى مراكز إيواء مؤقتة في منطقة حسياء جنوب مدينة حمص حيث يعيشون ضمن ظروف صعبة. وبذلك تم إخلاء محافظة إدلب شمال غربي سورية من سكانها الشيعة الأمر الذي أثار الشارع السوري المعارض الذي رفض هذه الخطوة، واعتبرها دعما مباشرا لسياسة النظام القائمة على تفتيت المجتمع السوري المتميز بتنوعه الديمغرافي.

المصادر:

العربي الجديد