هل يسقط اتفاق إدلب؟

الكاتب : حسين عبد العزيز
التاريخ : ١٩ ٢٠١٨ م

المشاهدات : 2042


هل يسقط اتفاق إدلب؟

إذا نُظر إلى اتفاق سوتشي بشأن إدلب في سورية من منظار عسكري محض، فلن يكون الاتفاق عندها سوى مقدمة لكارثة ستحل بفصائل المعارضة، ذلك أن ثمة منطقة حدودية آمنة خالية من السلاح الثقيل للمعارضة، ما يجعلها عرضةً سهلة لأي اختراق من النظام، كما حدث في العملية العسكرية التي شنها النظام قرب قرية الزلاقيات جنوبي إدلب. ولكن إذا نُظر إلى الاتفاق من منظار استراتيجي، فإن الرؤية ستختلف، فتركيا لم يكن لها لتقبل بهذا الاتفاق، الذي يشكل إضعافا للمعارضة، في مقابل عدم شن النظام والروس معركة عسكرية ضد إدلب.

بعبارة أخرى، لم ير هذا الاتفاق النور كي ينتهي بعد أشهر قليلة، وإنما هو اتفاق طويل الأمد، يسمح ببقاء فصائل المعارضة في إدلب وبقاء الحضور التركي. ويدرك هذه المعادلة النظام السوري و"هيئة تحرير الشام" جيدا، وهما لا يستطيعان خرقها، لكنهما يعملان على تصعيد عسكري، من أجل تحقيق أهدافهما المختلفة. وليس القصف المتبادل بين النظام والهيئة خلال الأسبوعين الماضيين مجرد فعل ورد فعل فحسب، بقدر ما هو تخطيط مسبق من الطرفين في محاولة لفرض وقائع جديدة

أولا، بالنسبة للنظام، يشكل اتفاق سوتشي حول إدلب الموقع في 17 أكتوبر/ تشرين الأول الماضي صفعة قوية له، في إطار جهوده الساعية إلى السيطرة على كل الأراضي، خصوصا التي تخضع لسيطرة فصائل المعارضة، فالتهديد الدائم بالنسبة لدمشق يأتي، بالدرجة الأولى، من بوابة المعارضة، بسبب أجنداتها السياسية. وتقوم مقاربة النظام على أنه لا بد من إنهاء سيطرة المعارضة على المحافظة، وإخراج التنظيمات الإرهابية منها، ومن شأن حصول ذلك أن يعطي النظام مكاسب استراتيجية، تكمن أولا في نقل المعارضة إلى عفرين و"درع الفرات" الخاضعتين للسيطرة التركية، وهاتان المنطقتان أنشئتا لأغراضٍ تتعلق بالأمن القومي التركي في مواجهة النزعات الكردية، وليس لمحاربة النظام. بعبارة أخرى، يعني انتقال فصائل المعارضة إلى هاتين المنطقتين انتهاء دورها القتالي ضد دمشق

وتكمن المكاسب الاستراتيجية ثانياً في أن خروج التنظيمات الإرهابية إلى هاتين المنطقتين يعني رمي كرة الإرهاب في حضن الأتراك الذين سيجدون أنفسهم، بحكم التفاهم مع روسيا، مضطرين إلى القضاء على كامل تلك التنظيمات، ما سيُدخل تركيا في حروبٍ محلية، ويضعف حضورها في الشمال الغربي من البلاد، غير أن احتمالية هذا السيناريو تبقى بعيدة عن التحقق، بسبب حاجة روسيا لمثل هذا الاتفاق، وكانت التصريحات الروسية المشيدة بسير الاتفاق رسالة واضحة إلى دمشق التي أعلنت، أكثر من مرة، أن تركيا لم تلتزم ببنود الاتفاق.

لا يعني ذلك أن روسيا راضية تماما عن خطوات تنفيذ اتفاق سوتشي، لكن هذا الاتفاق يبقى الحل الأمثل لها، من أجل موازنة العلاقة بين تركيا والنظام السوري، ويحول دون انفلات الأمور وخروج أنقرة عن السيطرة، ويعطي موسكو وقتا زمنيا لمواجهة الهجوم السياسي الأميركي. ومع ذلك، يسعى النظام إلى إعادة تدوير الاتفاق، من دون أن يؤثر ذلك سلبا على المصالح التركية استجابة لروسيا، بمعنى أن النظام سيقبل بجوهر الاتفاق بشأن إدلب شرط ألا يكون ريف حماة الشمالي، وأجزاء من ريفي اللاذقية الشمالي وإدلب الجنوبي من ضمن الاتفاق. وأغلب الظن أنه سيحدث ترتيب عسكري جديد، بعد إنهاء تركيا تنفيذ اتفاق سوتشي، فالمناطق الثلاث المذكورة ذات أهمية كبيرة لدمشق، من حيث أنها عمق استراتيجي لمعاقلها، ولأنها تمنحها الهيمنة على أجزاء من الطريق الدولي حماة ـ حلب (خان شيخون، معرّة النعمان، سراقب) والطريق الدولي اللاذقية ـ حلب (بداما، جسر الشغور، أريحا، سراقب).  

ثانياً، على عكس النظام، لا تسعى هيئة تحرير الشام إلى إفشال اتفاق سوتشي، فهي تدرك أن أية محاولة لتدمير الاتفاق ستعني مواجهة عسكرية كبيرة، ليس مع النظام والروس فحسب، بل أيضا مع الأتراك الذين سيسرعون مع فصائل المعارضة إلى تدمير الهيئة، من أجل قطع الطريق العسكري على النظام والروس. وقد أعلن وزير الخارجية التركي، مولود جاووش أوغلو، صراحة أن تركيا ستكون أول المتدخلين، في حال تصرّفت المجموعات الإرهابية والراديكالية في محافظة إدلب بشكلٍ مخالفٍ لاتفاقية سوتشي. وبالتالي، يجب النظر إلى التصعيد العسكري للهيئة من منظار بنيتها العسكرية والأيديولوجية من جهة، وطبيعة العلاقة مع تركيا من جهة ثانية. وجل ما تسعى إليه الهيئة هو تحسين شروط التفاوض الداخلية مع تركيا، لجهة عمليات الانتشار وعمليات السيطرة، ولمنع حدوث انشقاقاتٍ داخليةٍ، تهدد وضعيتها وقوتها، في ظل وجود تيار قوي فيها، يرفض الاتفاق، أو أية محاولة لتغيير وجهة الصراع.

المصادر:

العربي الجديد