بعد إسقاط الطائرة الروسية.. هل تتراجع علاقات موسكو بتل أبيب؟

الكاتب : إحسان الفقيه
التاريخ : ٢٠ ٢٠١٨ م

المشاهدات : 1965


بعد إسقاط الطائرة الروسية.. هل تتراجع علاقات موسكو بتل أبيب؟

خلال تصديها لغارات جوية إسرائيلية الاثنين الماضي، أسقطت الدفاعات الجوية التابعة للنظام السوري بالخطأ طائرة استطلاع روسية، قرب السواحل الغربية لسوريا على البحر الأبيض المتوسط.

الطائرة وهي من طراز "إيل ـ 20"، سقطت في البحر غربي مدينة بانياس الساحلية بمحافظة اللاذقية، ولقي 15 شخصا كانوا على متنها حتفهم.

وكانت الطائرة عائدة إلى قاعدتها العسكرية في حميميم (جنوب شرقي اللاذقية)، بعد تنفيذها مهمة استطلاعية فوق منطقة خفض التصعيد بمحافظة إدلب (شمال غرب).

الهدف من المهمة الاستطلاعية كان استكشاف مواقع تخزين وإطلاق طائرات دون طيار استهدفت قاعدة حميميم مرات عديدة.

نفت تل أبيب معرفتها بوجود الطائرة الروسية في منطقة العمليات أثناء تنفيذ طائرات إسرائيلية غارات على أهداف في اللاذقية.

وترتبط القوات الروسية في سوريا باتفاق مع الجيش الإسرائيلي لتنسيق الأنشطة الإسرائيلية في الأجواء السورية، لتجنب وقوع حوادث عرضية، كما حدث مساء الاثنين.

تفاهمات لمنع الاحتكاكات:

منذ سبتمبر / أيلول 2015، تدخلت القوات الروسية مباشرة في الصراع السوري، وعقدت تفاهمات مع التحالف الدولي لمحاربة تنظيم "داعش"، بقيادة الولايات المتحدة الأمريكية، ومع إسرائيل.

ويهدف نظام العمل المشترك، وفق هذه التفاهمات، إلى منع الاحتكاكات والاشتباكات الجوية في أجواء سوريا بين مقاتلات عشرات الدول المنخرطة في الصراع السوري.

وتعرضت محافظة اللاذقية مساء الاثنين الماضي لهجوم جوي إسرائيلي واسع، استهدف منشأتين تابعتين لجيش النظام السوري ومحطة للكهرباء.

وأعلنت وزارة الدفاع الروسية أن طائرتها الاستطلاعية استُهدفت بطريق الخطأ بواسطة صاروخ "S-200" أطلقته الدفاعات الجوية السورية.

وحمّلت موسكو الطائرات الإسرائيلية المسؤولية الكاملة، لأنها أخفت نفسها خلف الطائرة الروسية، لتجنب نيران الدفاعات السورية.

بالمقابل، أعلنت إسرائيل أنها نسّقت مع روسيا، وأخطرتها قبل الهجوم الجوي، دون تحديد مقدار الوقت بين الإخطار وتنفيذ الهجوم.

فيما قالت روسيا إن إسرائيل أبلغتها قبل دقيقة واحدة فقط من إسقاط طائرتها.

وتعتقد موسكو أن تل أبيب أساءت إلى نظام التنسيق المشترك الذي يهدف إلى تجنب مثل هذه الحوادث.

إيران و"حزب الله":

وردا على إسقاط طائرتها، من المرجح أن تفرض روسيا قيودا أشد صرامة على حرية الأنشطة الإسرائيلية في الأجواء السورية.

وتثير تحركات القوات الحليفة لإيران إلى سوريا عبر الأراضي العراقية، ومن ثم إلى "حزب الله" في لبنان، قلقا إسرائيليا.

تقول تل أبيب إن أنشطة طهران تمثل خطرا على الأمن القومي الإسرائيلي ستعمل عل مواجهته بشن المزيد من الضربات الجوية على مواقع إيرانية في سوريا.

ومطلع سبتمبر / أيلول الجاري، أعلن الجيش الإسرائيلي أنه نفذ أكثر من 200 ضربة جوية على أهداف إيرانية في سوريا منذ بداية عام 2017.

وركزت الغارات، وفق إسرائيل، على قوافل إمدادات ومواقع إنتاج وتطوير أسلحة ومستودعاتها، وهي تحتوي على أسلحة متطورة وصواريخ بعيدة المدى مخصصة لنقلها إلى "حزب الله" في لبنان.

وترفض إسرائيل السماح لإيران، حليفة نظام بشار الأسد، بتواجد عسكري ثابت على الأراضي السورية، ولذا عقدت تفاهمات مع روسيا والولايات المتحدة والأردن.

هذه التفاهمات أفضت إلى سحب القوات الإيرانية والقوات الحليفة لها إلى عمق 80 كيلومترا داخل الأراضي السورية، بعيدا عن الحدود في جنوب غربي سوريا.

ومرارا، أعربت روسيا عن احترامها للمخاوف الإسرائيلية من التواجد العسكري الإيراني في سوريا، وأنشطة الحرس الثوري الإيراني في تطوير صواريخ بعيدة المدى لمصلحة "حزب الله".

وتلعب الضربات الجوية الإسرائيلية ضد أهداف إيرانية دورا فاعلا في إعادة صياغة التوازنات في المنطقة وإضعاف القدرات الإيرانية.

وهذا هدف مشترك لكل من إسرائيل والولايات المتحدة والدول العربية الحليفة.

وتنسق إسرائيل مع روسيا في تسهيل مهمة الضربات الجوية الإسرائيلية ضد هذه الأهداف الإيرانية.

توتر روسي إسرائيلي:

إسقاط الطائرة الروسية خلف توترا في العلاقات الروسية ـ الإسرائيلية، دون المساس ـ حتى اليوم على الأقل ـ بالتنسيق الأمني بين البلدين في ما يتعلق بالملف السوري.

استدعت الخارجية الروسية السفير الإسرائيلي في موسكو الثلاثاء الماضي، طلبا لمزيد من الإيضاحات حول إسقاط الطائرة.

وتعتقد موسكو أن الحادث يشكل استفزازا إسرائيليا متعمدا يعرّض العلاقات الثنائية للخطر.

كما أنه يشكل، وفق الرؤية الروسية، خطرا على الطائرات الروسية وحياة الجنود الروس في سوريا، مع احتفاظ موسكو بحق الرد.

إسرائيل من جانبها أعربت عن أسفها لفقدان الجنود الروس، محملة سوريا وإيران و"حزب الله" المسؤولية الكاملة.

ونادرا ما تعلق إسرائيل بشكل رسمي، أو تعلن تنفيذ ضربات جوية أو صاروخية ضد أهداف في سوريا.

ورأى الرئيس الروسي فلاديمير بوتين أن الحادث يعبر عن "سلسلة من الظروف المأساوية".

وخلافا لموقف وزارة الدفاع الروسية، لم يوجه بوتين اللوم مباشرة إلى إسرائيل، ولم يحمّلها أي مسؤولية.

ومنذ البداية، سعى بوتين إلى تخفيف حدة التوتر والحفاظ على علاقات طبيعية مع إسرائيل، رغم تحذير وزارة الدفاع الروسية من أنها "قد ترد على مثل هذه الأعمال الاستفزازية الإسرائيلية".

مصير الشراكة:

يمثل إسقاط الطائرة الروسية اختبارا جديدا للعلاقات بين روسيا وإسرائيل اللتين ترتبطان بشراكة أمنية وعسكرية غير تقليدية.

ويمكن أن يؤثر بشكل بالغ على حرية الأنشطة الجوية الإسرائيلية في سماء سوريا بهدف منع تنامي القوة الإيرانية على الأراضي السورية.

وعكست مواقف كل من بوتين ورئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، من إسقاط الطائرة الروسية عمق تلك الشراكة.

حاول بوتين ونتنياهو الموازنة بين مواقفهما ومواقف أخرى لمسؤولين روس حاولوا تصعيد أجواء التوتر بين البلدين.

ومنذ تدخلها عسكريا في سوريا عام 2015، أصبحت روسيا اللاعب المهيمن في الصراع السوري.

وتلعب موسكو دورا في إدارة التوازنات بين الأطراف الإقليمية والدولية المعنية بالملف السوري.

وحافظت على علاقات عميقة مع إسرائيل، رغم تكرار الهجمات الإسرائيلية على مواقع لقوات النظام السوري الحليف لروسيا، وكذلك مواقع إيرانية.

وتخشى إسرائيل من تشديد الإجراءات الروسية ومنع الأنشطة الجوية لطائراتها الحربية في أجواء سوريا.

من شأن ذلك، بحسب تل أبيب، أن يزيد من أنشطة إيران على الأراضي السورية ويعزز وجودها العسكري ويزيد معدلات نقل الإمدادات إلى "حزب الله" في لبنان.

وتذهب بعض التوقعات إلى احتمال تراجع مستوى العلاقات الروسية ـ الإسرائيلية.

لكن هذا لا يستقيم مع طبيعة الشراكة بين البلدين، وحرص بوتين ونتنياهو على تجاوز أزمة الطائرة.

لذا يمكن القول إنه من المنطقي الاعتقاد بتنامي علاقات البلدين وتوسيع آفاق تنسيق الأنشطة العسكرية مستقبلا لتجنب أخطاء مماثلة.

ومن المحتمل أن يتخذ التنسيق بينهما سياقات أكثر دقة تقضي بإبلاغ إسرائيلي مسبق يتضمن مزيدا من الوقت قبل شن الهجمات الجوية، لاتخاذ ما يلزم من إجراءات لتجنب حوادث مماثلة.

وليس من المستبعد أن تقرر روسيا فرض مناطق حظر جوي على الطيران الإسرائيلي في المناطق القريبة من قواعدها العسكرية والبحرية في سوريا.

المصادر:

الأناضول