عندما يغدو موت السوريين عادياً

الكاتب : أحمد أبازيد
التاريخ : ٢٢ ٢٠١٨ م

المشاهدات : 2854


عندما يغدو موت السوريين عادياً

 

يموت السوريون في البرد، متجمدين بين الثلوج، عوائل كاملة كما كانوا في بيوتهم، أم وأب وطفل عاديون، توثقهم عدسات الكاميرا، ويمرّ موتهم عادياً في مشرق الموت الكبير، لم يموتوا بينما يحاولون العبور إلى جنّة الخلد ولا سويسرا، وإنما في طريق التهريب إلى لبنان، إلى بلد آخر سيجرّعهم التشرد والعنصرية ومأساة أخرى، ولكنها مأساة أقلّ.

بأجساد متيبسة وأعين مفتوحة وأطراف متجمدة رحلوا، لا نعرف من مات منهم أبكر، ومن رآى الآخر يزرقّ قبل الآخر، الأم أم الأب أم الطفل، وبأي مدفأة أو ذكرى دافئة حلموا في اللحظات الأخيرة، لا نعرف حتى إن كانوا خافوا أم أحسوا وقتها بالنجاة، نعرف فقط ألا أحد يعبأ، لن يُحاسب أحد ولن تتغير حدود الموت والنسيان.



خلال سنوات كلّ ما أراده السوريون، وما أردنا وقاتلنا وضحينا لأجله، هو أن يعيشوا حياة عادية، بالحدّ الأدنى كما يحيا بشر آخرون في هذا الكوكب، لينتهي الحال بالسوريين أن يصبح موتهم عادياً، مهما كانت طريقته وحجمه استثنائياً ولا معقولاً، وأن تمرّ أخبارهم على الناس ببرود كأجسادهم الميتة.

في فيلم wind river (أفضل ما شاهدت في 2017 بالمناسبة) تتمحور القصة حول فتاة توجد ميتة وحافية وسط الثلوج، بعدما اعتُدي عليها وركضت هاربة، سيكون على القاتل أن يركض مثلها في الثلج ولكنه سيسقط سريعاً، كانت محاربة وركضت أكثر من قاتلها.



طيلة سنوات، ركض السوريون في كل مكان، ركضوا إلى المظاهرات فرحين، ثم إلى المعارك حالمين، أو في أقبية السجون، أو على الحدود التي تستقبلهم بالنيران، وفي البحار والمؤتمرات ووسط الثلوج، وبينما يركضون ويموتون ويتساقطون لا يركض القاتل إلى أي مكان، يجلس في مكانه وينتظر أن تنتج عدادات قتلاه عروضاً سياسية أفضل للبقاء.
"
ق.ق.ج: عائلة سورية عادية، أرادت أن تحيا حياة عادية، فأصبح موتها عادياً جداً".

المصادر: