الاختراقات الكبرى في الثورة السورية

الكاتب : مجاهد مأمون ديرانية
التاريخ : ٥ ٢٠١٧ م

المشاهدات : 3019


الاختراقات الكبرى في الثورة السورية


 

الاختراقات التي ابتُليت بها ثورتنا كثيرة كثيرة، أكثر من أن يحصيها العادّون، فقد صارت سوريا -بسبب تشتت الفصائل وسذاجتها وورعها البارد- ساحةً مُباحةً لمخابرات الأرض كلها ومرتعاً خصباً لكل مغامر أفّاك، بل صارت نهباً مشاعاً يسرق منه مَن شاء ما شاء، من ضَيعة متواضعة جعلها السارق الصغير إمارةً وهو الأمير، إلى مساحات واسعة من الأراضي المحررة صَيّرها السُّرّاق الكِبار دولاً وممالك هم فيها خلفاء وسلاطين!

لو أراد مُسْتَقصٍ استقصاء الاختراقات كلها لعجز عن الاستقصاء، لذلك لم أجمع في هذه المقالة سوى سبعة من الاختراقات الأكبر والأشهر (ورتبتها من الأدنى إلى الأعلى) عسى أن تفتح البابَ للمساهمة وإضافة المزيد، فتكون فصلاً من كتاب متعدد الفصول أرجو أن يساهم في كتابته كلُّ من عرف شيئاً من الأسرار السوداء والاختراقات المدمرة في الثورة السورية العظيمة المكلومة.

(7)
أبو البنات: اختراق مبكر للثورة

ظهر فجأة في الشمال السوري أوائل سنة 2013 وأسّس كتيبة من نحو مئتَي عنصر أغلبهم من الداغستان. احتل بلدة المشهد قرب الدانا وأعلن فيها إمارة إسلامية، وكان من جملة “الأحكام الشرعية” التي طبقها في البلدة قطع أصابع المدخنين! ثم ارتكب جريمة مروّعة نُشرت في تسجيل قصير ظهر فيه رجل الدين المخطوف الأب فرانسوا مراد (من قرية الغسانية) مكبّلَ اليدين قبل قطع عنقه بسكين مطبخ! أثارت الجريمة ضجّة عالمية وألّبَت العالم المسيحي على الثورة السورية وساهمت في وصمها بالإرهاب.

بعد ذلك اختفى فجأة كما ظهر فجأة، ثم عُرف لاحقاً أن اسمه الحقيقي هو عبد الرحمانوف محمد زكيروفيتش، وكان يخدم في جهاز الشرطة في داغستان قبل سفره إلى سوريا، كما انكشفت علاقته بأبي عمر الكويتي، زعيم جماعة جند الخلافة، وهو كويتي من عائلة شيعية اسمه حسين رضا لاري، زعم أنه تسنّن، ثم غلا في الغلوّ فصار من أغلى الغلاة حتى كفّر الظواهري ومعظم أمراء داعش، فاعتقلته داعش وأعدمته سنة 2014، أما أبو البنات نفسه فقد انقطع خبره منذ ذلك الحين.

(6)
أبو أيمن العراقي: سفّاح الساحل

وفد من العراق أواخر سنة 2011 مع الجولاني مبعوثَين من البغدادي لتأسيس فرع لداعش في سوريا، وبعد غدر الجولاني بزعيمه وانفصاله بجبهة النصرة صار أبو أيمن والياً لداعش في منطقة الساحل السوري، ثم ذاع أمره بعدما هاجم وصفّى عدداً من كتائب الجيش الحر في ريف اللاذقية، وكانت جريمة قتل القيادي في الجيش الحر كمال حمامي (أبي بصير) ثم قتل الشيخ جلال بايرلي هي ما لفت الأنظارَ إلى إجرامه وعدائه الشرس للثورة.

عُرف لاحقاً أن اسمه عدنان لطيف حميد السويداوي الدليمي (أو أبو مهند السويداوي)، من مواليد عام 1965، وهو أحد قادة داعش الكبار في العراق وعضو في المجلس العسكري للتنظيم، وكان أيام صدام حسين عقيداً في استخبارات الدفاع الجوي. وهو بعثي شديد الولاء لحزب البعث ومبادئه وأفكاره، وقد أكّد الثقات في الساحل أنه كان يُسرف في الألفاظ الكفرية ونُقل عنه أنه “يريد تحكيم شرع الغاب لا شرع الله”. حسنته الوحيدة (ولم يفعلها) أنه هَمّ بقتل الجولاني بسبب خيانته لداعش فمنعه أبو علي الأنباري. بعد إتمام مهمته في سوريا عاد إلى العراق، وقُتل في الموصل في السابع من تشرين الثاني 2014 بغارة أمريكية.

(5)
عمر الشيشاني: لغزٌ جورجيّ

أو “أبو عمر الشيشاني” كما يسمى أيضاً. وصل إلى الشمال السوري في آذار 2012، وما لبث أن أسّس “كتيبة المهاجرين” التي كان أكثر عناصرها من الشيشان والقوقاز، ثم أنشأ “جيش المهاجرين والأنصار”. بعد إعلان داعش في نيسان 2013 بذل جهداً هائلاً لضم القوقازيين والشيشان إلى صفوفها، ثم صار في أيّار قائدَها العسكري في الشمال (حلب والرقة والساحل وريف إدلب الشمالي)، وكان رأس الحربة في معظم العمليات الهجومية التي نفذتها داعش ضد فصائل الثورة خلال تلك السنة والتي بعدها.

عُرف لاحقاً أن اسمه طرخان باتيرشفيلي، وُلد عام 1986 في قرية بيركياني في وادي بنكيسي في جورجيا لأب جورجي مسيحي أرثوذوكسي وأم شيشانية مسلمة، ونشأ نصرانياً ثم تحول إلى الإسلام مع أخويه في وقت لاحق. انضم إلى الجيش الجورجي عام 2005، وفُرز في “وحدة استطلاع” استكملت تدريبها في مركز التدريب الوطني في كرتسانيسي قرب العاصمة الجورجية تبليس، الذي صار عام 2002 مركزاً رئيسياً لبرنامج التدريب الأمريكي للجيش الجورجي، حيث تلقت وحدته تدريبات مشترَكة مع القوات الأمريكية الخاصة. بعدها شارك في الحرب الروسية الجورجية عام 2008، ثم سُرِّح من الخدمة عام 2010 بسبب إصابته بالسل فذهب إلى سوريا، وبعد إتمام مهمته انتقل إلى العراق، حيث قُتل في تموز 2016 في الشرقاط أثناء معركة الموصل.

(4)
أبو جليبيب: سفّاح درعا

اسمه إياد دواس الطوباسي، أردني من مواليد الزرقاء، تزوج ابنة شقيق أبي مصعب الزرقاوي ورافقه في العراق، ووصل إلى سوريا أواخر عام 2011 مع المجموعة الأولى التي أرسلها البغدادي لإنشاء فرع لدولته المزعومة الموهومة في سوريا، فكان من مؤسّسي جبهة النصرة، وما لبث أن صار أميرَها في درعا. عُرف بالكذب والإجرام والظلم والاستبداد، واشتهرت سجونه بالتعذيب الذي تسبب في موت بعض المعتقَلين، واعتُبر مسؤولاً عن عشرات الاغتيالات في درعا. وقد شمل شرُّه عناصرَ النصرة أنفسَهم مما دفع مئة وخمسين منهم إلى مخاطبة الجولاني لعزله، فجاء رد الجولاني بفصل أصحاب الشكوى من الجبهة!

كان له دور كبير في تمكين الدواعش من السيطرة على اللجاة في خريف عام 2014، حيث منع إرسال المدد والدعم للفصائل المقاتلة فيها، وفي بعض الحالات دارت حوله شكوك واتُّهِم بتسريب خطط العمليات التي نفذتها بعض الفصائل ضد دواعش اللجاة وبير قصب، مما أدى إلى استشهاد عدد كبير من المقاتلين. بعد تنفيذ مهمته في درعا بنجاح انتقل إلى الشمال في أواخر عام 2015، حيث عيّنه الجولاني أميراً للساحل. وقد وصل إلى إدلب عبر مناطق النظام (ومعه 212 من قادة وعناصر جبهة النصرة) في سيارات تحمل أعلام حزب اللات، وقيل يومها إن نقلهم كان ضمن صفقة أطلقت النصرة فيها بعض الأسرى الإيرانيين.

(3)
أبو اليقظان: مفتي الدم

مفتي السلطان الجولاني وصاحب الفتوى المشهورة باستهداف مجاهدي أحرار الشام في الرؤوس! اسمه محمد ناجي، وهو قيادي سابق في حزب النور السلفي المصري المؤيد للسيسي. وصل إلى حلب أوائل سنة 2013 عن طريق جمعية في الريحانية تابعة لحزب النور، وكان لها مقر في أطمة في ذلك الوقت. وقد عُرف بتعصبه الشديد لياسر برهامي وكان على اتصال دائم به، ثم سافر إلى تركيا لتجديد إقامته فيها، وبسبب مخالفته لنظام الإقامة اعتقله الأتراك ورحّلوه إلى مصر، إلا أنه ما لبث أن أُطلق سراحه -بوساطة من قيادات حزب النور- فعاد إلى سوريا من جديد.

استطاع اختراق المعاهد الشرعية في ريف حلب الغربي، وبعدما أمضى فيها عدة أشهر وجمع عن حركة الزنكي أدق المعلومات والتفاصيل تركها وراح يحرض عليها ويتهمها بالعلمانية والعمالة. ثم التحق بحركة أحرار الشام، وكان له دور كبير شرير في بذر بذور الشقاق بين الأحرار ومكوّنات الجبهة الإسلامية، وعُرف بدعوته الدائمة إلى التقارب مع جبهة النصرة، وكان يسأل أسئلة دقيقة عن قادة الحركة (الذين استُشهدوا لاحقاً) بشكل يثير الشك، عن أسمائهم الحقيقية وأعمارهم وأفكارهم ودراستهم وأماكن سكنهم وعن تحركاتهم بأدق التفاصيل. في أواخر أيلول 2016 استقال من المجلس الشرعي التابع لحركة أحرار الشام بسبب فتواه التي تبيح مشاركة الجيش التركي في عمليات عسكرية ضد داعش والتحق بهيئة تحرير الشام.

(2)
أبو مارية القحطاني: “طفّاية حريق” الجولاني

أحد مؤسسي جبهة النصرة في سوريا، وهو عراقي، اسمه ميسر علي موسى الجبوري، وُلد عام 1976 في قرية الرصيف العراقية، ويلقب نفسه “الهراري” نسبة إلى قرية هرارة التي انتقل إليها لاحقاً. كان يُنظَر إليه لوقت طويل على أنه “الرجل الثاني” في جبهة النصرة بعد الجولاني، وكان الشرعي العام للجبهة وقائدَها في محافظة دير الزور، وهو المسؤول عن هزيمتها القاسية في قتالها مع داعش في الدير عام 2014. بعد هزيمته انتقل إلى درعا وأمضى فيها سنتين لم يكن فيهما على وفاق مع أمراء النصرة الأردنيين، ثم انتقل إلى إدلب في القافلة المشهورة التي عبرت مناطق النظام تحت رايات حزب اللات.

لمدة سنتين سوّق أبو ماريا لنفسه على أنه يقود تيار الاعتدال والإصلاح داخل جبهة النصرة وروّج حكاية خرافية عن خلافه مع الجولاني، وقد مثّل دوره بإتقان فنجح في خداع كثيرين، منهم قادة في أحرار الشام فتحوا له أبواب المقرات والمضافات، بل سمحوا له بحضور اجتماعات قيادية للحركة في بعض الأحيان، فنجح في اختراق الحركة وتضليل وتحييد عدد كبير من ألويتها عندما هاجمتها جبهة النصرة قبل أربعة شهور. وهو -كما يسمّيه الجولاني- “طفاية حريق”، بمعنى أنه “الممسحة” التي يمسح بها جرائمَه وخطاياه! وقد بات معروفاً الآن أنه من كبار “مرقّعي” الجولاني وأنه آية في الانتهازية والكذب والنفاق، وهو صاحب مشروع “تعويم جبهة النصرة” عن طريق فكّ ارتباطها بالقاعدة وتغيير اسمها إلى “جبهة فتح الشام”.

(1)
الجولاني: الاختراق الأكبر في الثورة

ليس في الثورة أحدٌ إلا وله أب أو أخ أو عم أو خال، إلا الجولاني، فهو مجهول النسب مجهول الحال، لا أبَ له يعرفه ولا أخَ ولا عم ولا خال! بل لم يعرفه إلى اليوم أحدٌ من أهل سوريا، ولا تذكّرَ صحبتَه رفيقُ مدرسة ولا زميلُ جامعة ولا شريكُ عمل ولا مديرٌ ولا أجيرٌ ولا جار.

ربما كان اسمه أسامة العبسي وربما كان أحمد الشرع، وربما هو غير ذلك من الأسماء. لعله من الجولان كما يوحي اسمه، أو من درعا أو إدلب أو دير الزور كما تذهب بعض الروايات، وربما كان من العراق كما يقول آخرون! ليس مهماً أيٌّ من ذلك كله، المهم أنه ما يزال -بعد ستّ سنين من ظهور اسمه في الثورة- مجهولاً مقطوعاً من شجرة، ورغم ذلك فقد نجح في خداع الآلاف واستطاع أن يلعب أخطر دور في الثورة وأسوأ دور وأخبث دور، بل يسعنا أن نجزم أنه هو المسؤول الأول عن تدمير ثورتنا وتسليمها للنظام.

لم تكتمل مهمته حتى الآن ولم يُرفَع الستار عن سره الكبير، على أن مسرحية النصرة لا بد لها من نهاية كما انتهت مسرحية داعش (التي كان الجولاني هو من جاء بها إلى سوريا أول مرة) وعندئذ سينتهي دوره كما انتهى دور أستاذه البغدادي، وسيعرف الناس جميعاً أنه كان أسوأ اختراق في تاريخ الثورة السورية على الإطلاق. ولا عزاء للمغفّلين!

المصادر:

الزلزال السوري