واجب المسلم في وقت المحنة والأزمة

الكاتب : فتحي أبو الورد
التاريخ : ٢٣ ٢٠١٥ م

المشاهدات : 2116


واجب المسلم في وقت المحنة والأزمة

تمر بالدول والجماعات أزمات من زمن إلى آخر، وتقع بهم الفتن والمحن الحقبة تلو الأخرى، تلك سنة من سنن الله في الكون، ثم سرعان ما تنجلي وتنكشف، والمحن كاشفات، والفتن ممحصات، ويظهر لكل فرد بعد ذلك صواب مسلكه، أو عكس ذلك، ويعرف تماما هل أكل من الدنيا أم أكلت منه؟ وهل عاش فيها أم عاشت فيه؟ وهل كان مع الله أم كان مع هواه؟

وعندما تلتبس عليك الأمور، وتختلط لديك المتداخلات، وتغيب عنك المعلومات، يتوجب عليك ما يلي:

- لا تسارع في إلقاء التهم، ولا تعجل في اتباع من استلطفت قوله، واستحسنت منطقه، ولا تمل إلى جانب إلا على هدى، وليكن سيفك في وقت الفتن والالتباس من خشب، وألزم لسانك الصمت إلا من دعاء بالهدى، وتذكير بالتقي.

- اترك الوقائع يحكم عليها شهودها، فلا تشهد على ما لم تشاهده، ولذلك لا تقبل شهادة أحد في واقعة أمام القضاء إلا إذا كان شهدها، فلماذا ترى عينيك ما لم تر، وتسمع أذنيك ما لم تسمع، وتناصر وتشايع على غير بينة أو هدى؟ تلكم وقائع واختلافات لم تحضرها، فلماذا تشهد عليها؟

- اعزم على كل من له عقل ودين، أن يكف لسانه إلا من خير، وأن يمسك عن الاسترسال فيما لا علم له به إلا أن يقول: الله أعلم.

قال عقبة بن عامر قلت يا رسول الله: ما النجاة؟ قال: أمسك عليك لسانك وليسعك بيتك، وابك على خطيئتك.

وليعلم من يريد أن يعلم أن فصاحة لا تغذيها الحكمة ضررها أكثر من نفعها.

وليتذكر من يريد أن يتذكر ما رواه ابن مسعود حين كان على الصفا يلبي ويقول: يا لسان قُلْ خيرا تغنم، وَاسكت عن شر تسلم، من قبل أن تندم. فقيل له: يا أبا عبد الرحمن أهذا شيء تقوله، أو شيء سمعته؟ فقال: لا بل سمعت رسول، الله صلى الله عليه وسلم، يقول: إن أكثر خطايا ابن آدم في لسانه.

- ابحث عن الحق، وتجرد لطلبه، ثم قف الموقف الذي ينجيك بين يدي ربك، وقد قال رجل لعلي بن أبى طالب: أتظن أنا نظن أن طلحة والزبير على الخطأ وأنت على الصواب؟ فقال: إنه ملبوس عليك، اعرف الحق تعرف أهله. وقال رجل للإمام أحمد بن حنبل، رحمه الله: إن ابن المبارك قال كذا، فقال: إن ابن المبارك لم ينزل من السماء.

- احذر أن تتبع الهوى، وسارع بالأوبة إن كنت كذلك، فإن الشجاعة أن تعود من الخطأ إلى الصواب، فإن الهوى قتال، وأول ذلك أنه يجعل صاحبه غير عادل "فَلَا تَتَّبِعُوا الْهَوَى أَنْ تَعْدِلُوا" وثاني ذلك أنه يضل عن سبيل الله: "وَلَا تَتَّبِعِ الْهَوَى فَيُضِلَّكَ عَنْ سَبِيلِ اللَّه" سورة: ص 26.

- ليكن ارتباطك بالمبادئ لا بالأشخاص، واعلم أن دين الله غالب، وأن دعوة الله منصورة، وأن دوام الحال من المحال، وقد مضى رسولنا الكريم إلى جوار ربه، والإسلام داخل الجزيرة العربية لم يخرج منها، ولم تتوقف دعوة الله من بعده، والرسالة التي أرسى دعائمها الصادق الأمين، فامتدت الدعوة من بعده شمالا وجنوبا وشرقا وغربا، وتعاقبت الفتوحات: "وَمَا مُحَمَّدٌ إِلا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَفَإِنْ مَاتَ أَوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ وَمَنْ يَنْقَلِبْ عَلَى عَقِبَيْهِ فَلَنْ يَضُرَّ اللَّهَ شَيْئًا وَسَيَجْزِي اللَّهُ الشَّاكِرِينَ" آل عمران 144.

- تدبر فى عاقبة كلامك، ومآلات حديثك، ولا تشع أخبارا من شأنها أن تضعف عزائم المسلمين، وتنال من وحدتهم ، حتى وإن كنت على قناعة بها.

- كن عامل بناء في أمتك لا أداة هدم، وناشد الحكماء والوجهاء أن يتدخلوا من أجل وحدة الأمة، وادع المتنازعين أن يلينوا لإخوانهم، وما كان من حق للفرد على المستوى الشخصى فله أن يتنازل عنه لله، ومن أجل الصالح العام، ومن أجل الوحدة، ولأن نجتمع على كثير من الحق خير من أن نفترق على الحق كله، وما واقعة تنازل الحسن بن على عن الخلافة من أجل وحدة المسلمين منا ببعيد، وحدث يومها الوفاق، والتأم الشمل، وسمى ذلك العام عام الجماعة.

- اعلم أن التاريخ حدثنا أن الصحابة الكرام اختلفوا فيما بينهم إلى حد الاقتتال، لأنهم بشر ليسوا معصومين، فلا يروعنك بعد ذلك ما قد يقع، ومع ذلك لم ينف القرآن عنهم صفة الإيمان، وأمر بالصلح بينهما " فأصلحوا بينهما " الحجرات 9.

- ذكر المتنازعين بقوله تعالى "وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَا تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ وَاصْبِرُوا إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ" الأنفال 46، وطالبهم بالفرار من سوء الأحدوثة التي فر منها رسول الله، صلى الله عليه وسلم، المؤيد بالوحي، حين قال: "لا يتحدث الناس أن محمدا يقتل أصحابه".

 

 

الأمة

المصادر: