المظاهرات السورية والفساد وقمع الشعب أفقد النظام شرعيته

الكاتب : أحمد موفق زيدان
التاريخ : ٣١ ٢٠١١ م

المشاهدات : 2868


المظاهرات السورية والفساد وقمع الشعب أفقد النظام شرعيته

حرص السوريون في كل مظاهراتهم السلمية والتي تصل ذروتها في يوم الجمعة والمنادية بإسقاط النظام على ترديد عبارة:" اللي بيقتل شعبه خائن"، وهي عبارة تنزع كل أثواب الشرعية عن رئيس النظام السوري بشار الأسد، وحين يُمعن النظام السوري أكثر في القتل من خلال توجيه الدبابات إلى المدن والقرى والبلدات السورية، وحين يرسل فرقة كاملة قوامها عشرين ألف جندي مدعومة بأكثر من مائة دبابة وعربة عسكرية إلى مدينة بحجم تل كلخ، ويعيث فيها فساداً، وقتلاً، وتشريداً، ونهباً للبيوت وتدميراً لمخازن المياه؛ فهذا يعني شيئاً واحداً أن الشرعية سقطت، وإن كان هذا النظام لم يحز على شرعية طوال تاريخه.
للتذكير فقط فإن الرئيس السوري بشار الأسد وصل إلى السلطة من خلال قرصنة سلطوية ربما لم يشهد العالم الحديث لها مثيلا، ففي غضون خمسة دقائق تم تغيير مادة كاملة في الدستور لتلائم سن الرئيس الجديد، وبهذا فقد دشن الرئيس منذ اللحظة الأولى رئاسته بالفساد، والتزوير واستمر على ذلك، ولا نعرف مثيلاً في التاريخ أن فاسداً أصلح، أو أن ديكتاتوراً تحول إلى مصلح وديمقراطي.
حين يبدأ النظام بقتل شعبه، فهذا يعني شيئاً واحداً؛ أن الشعب لن يغفر له ذلك، وهل سيغفر أهالي حوران وتلكلخ وحمص وحماة وغيرها من المدن المحاصرة والتي تم التنكيل بها ما فعله النظام السوري بها، وهل سينسى الأبازيد والمسالمة وغيرهم ما حصل لأبنائهم وبناتهم، وهل سينسى أهالي تلك الفتاة التي خرجت ملثمة وهي تعلن أن خمسة من الشبيحة اغتصبوها؟
بعد كل الفساد الذي لحق بسورية وباقتصادها حتى قدرت صحيفتان بريطانيتان -وهما الوول ستريت جورنال، والاندبندنت البريطانية- ثروة رامي مخلوف ابن خالة الرئيس بأنها تعادل 60% من حجم الاقتصاد السوري، أبعد كل هذا يريد النظام أن يصلح، بينما شاهد ولمس الكل على الأرض وأمام شاشات الجوالات في ظل منع وسائل الإعلام من العمل في سورية نوعية الإصلاح الذي يسعى النظام السوري إليه..
إذا احتاجت شبكة الجزيرة والعالم كله 19 يوماً ليعرفوا مصير الصحافية "دروثي بارفاز" العاملة في القناة والتي اختفت في سورية، وهي التي لديها جنسيتان أميركية وكندية بالإضافة إلى الإيرانية فكم سيحتاج السوري الذي يختفي في السجون السورية؟؟!! سؤال قد لا يهم العالم الآخر الذي يبحث عن مصالحه بعيداً تماماً عن معاناة وعذابات الشعب السوري، فحين كتبت الكاتبة الفرنسية كتابها الاستثناء السوري، أصابت كبد الحقيقة حين صوّرت كل شيء في سورية استثناءً، ولعل موقف العالم كله تجاه سورية استثناء، فحين حرّك النظام المصري جماله بغاله -فيما وصف بموقعة الجمل- ضد المتظاهرين طالبه أوباما بالرحيل، لكن حين يحرك بشار الأسد دباباته وأسلحته الثقيلة ويدك البيوت الآمنة ويفعل كل ما فعله فإن أوباما يناشده أن يقود عملية التغيير، مشفوعاً بحديث وزير تركي كان خنجراً في ظهر الشعب السوري من أنه لا بديل لبشار الأسد، فأي احتقار لشعب بأكمله مثل هذا الاحتقار، أن يتصحر بلد بأكمله عن قيادة بلد، في حين رحل الأنبياء والصديقون والشهداء والصالحون، وظلت الأوطان قائمة وباقية.
هنا يُصاب المرء بالاستغراب والدهشة فإذا كانت الدول الكبرى ومدعية احترام حقوق الإنسان والديمقراطية تتصرف وكأن بشار الأسد قدراً سوريا، وأنه لا بديل عنه، فمن حق الطغاة في ليبيا وسورية واليمن أن يُقنعوا أنفسهم أن لا بديل عنهم وأنهم بمقدورهم أن يناوروا شعوبهم ويستمسكوا بالسلطة، فهل من المعقول أن تنقل صحيفة تركية عن وزير تركي "أن لا بديل عن بشار الأسد"، وتتحدث صحيفة أخرى عن طلب تركي من أوباما قبل ساعات من خطابه أن يُمهلوا بشار الأسد مزيداً من الوقت، ولا ندري ماذا يفعل في هذا الوقت، هل سيقتل مزيدا من السوريين؟ فمن فشل طوال إحدى عشرة سنة في الإصلاح هل تظنه قادراً عليه بعد أن قتل أكثر من ألف شخص، وجرح ثلاثة آلاف آخرين، واعتقل أكثر من عشرة آلاف، واجتاح المدن واستخدم الدبابات ضد شعبه، ما لكم كيف تحكمون..
وعلى الرغم من كل التزيين الذي يقوم به البعض تجاه نية النظام السوري بالإصلاح إلا أن الأخير لم يظهر منه سوى العكس تماماً، فصحيفة الوطن المملوكة لرامي مخلوف نقلت عن بشار الأسد قوله: "إن الأزمة أصبحت وراءنا"، وأبواق النظام السوري من أكاديميين وإعلاميين يقودون معركة النظام في ظل تواري المسؤولين من مواجهة الشعب السوري، ويقول شبيحة النظام من الإعلاميين: "أن لا حوار مع المعارضة، ولن يعود أفراد المعارضة في الخارج إلا على جثثهم"، هل هذه اللغة تصالحية وإصلاحية، لا ندري ماذا أبقى هؤلاء الأكاديميون للسياسيين إن كانوا يتكلمون بلغة إقصائية واستئصالية كهذه، وفي الوقت الذي كان يبيع هؤلاء بضاعة إصلاحات النظام السوري الفاسدة، كان الأخير يهاجم المدينة الجامعية في حلب، ويعتقل أكثر من ألف طالب جامعي، ويفصل آخرين ممن تظاهروا تضامناً مع درعا المحاصرة، عداك عن الجرائم التي ترقى إلى جرائم ضد الإنسانية يرتكبها النظام في المدن المحاصرة، والمقابر الجماعية، وقنص الأهالي حتى من اللبنانيين في وادي خالد عقوبة لإيوائهم أقاربهم السوريين في تلكلخ.
فالرئيس الذي شهدت بلاده أزمة لفتت العالم كله، لم يكلف نفسه عناء الخروج إلى الشعب عبر خطاب متلفز يتحدث عن الأزمة وخريطة طريق للخروج منها، فقد فضل أن يخاطب مجلس الشعب في المرة الأولى، ويعلن فيه الحرب على الشعب، وفي الخطاب الثاني كان موجها للحكومة، وهو ما خلف كثيراً من الأسئلة: هل الرئيس يملك القرار، أم أنه ترك الأمر لقوى الأمن والشبيحة أن تعمل على الأرض ليتصرف على ضوء اتجاهات الوضع على الأرض؟
النظام السوري يسعى إلى بيع الهواء للدول الكبرى ومعها تركيا، وأخيراً كان ما تم تسريبه عن انتخابات رئاسية متعددة ولكن ضمن حزمة إصلاحات تصل إلى 2014، وهي أساليب وتكتيكات لم تعد تنطلي على الشعب السوري، وإن كانت قد تنطلي على الآخرين، فالشعب السوري الذي حسم أمره بالتظاهر ضد هذا النظام ورفع شعار إسقاطه يتعذر العودة إلى البيوت خالي الوفاض بعد أن قتل وجرح واعتقل الآلاف منه، وبالتالي فلا أعتقد أن أي دولة أو جهة تتشرف بالدفاع والاصطفاف إلى جانب هذا النظام بعد كل ما فعله وخدع به الشعب السوري وخدع العالم كله، إلا إذا كانت هذه الدولة أو الجهة من جنس النظام السوري.

المصادر: