العودة إلى التربية القرآنية.. الاستقامة

الكاتب : محمد العبدة
التاريخ : ٢٧ ٢٠١٧ م

المشاهدات : 3104


العودة إلى التربية القرآنية.. الاستقامة

إن من يتدبر القرآن للعمل بما فيه ، والتنبه إلى ما يدعو إليه من المبادئ العامة في الدعوة وأساليبها ، وما يحسن في مخاطبة الناس وما يقربهم إلى هذا الدين ، من يفعل ذلك فسوف يلاحظ كثرة الآيات التي تدعو الرسول صلى الله عليه وسلم إلى الاستقامة على الصراط المستقيم والتمسك بالكتاب وعدم التنازل عن شيء منه أو الحيد عنه بتأويل أوهروب من تبعاته ، والخطاب وإن كان موجهاً للرسول صلى الله عليه وسلم ولكن المقصود أن يعي المسلمون هذا الخطاب ويتنبهون لهذا التأكيد .
قال تعالى:
فَلِذَلِكَ فَادْعُ وَاسْتَقِمْ كَمَا أُمِرْتَ وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ (الشورى 15)
فَاسْتَقِمْ كَمَا أُمِرْتَ وَمَنْ تَابَ مَعَكَ وَلَا تَطْغَوْا إِنَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ (هود 112)
فَلَعَلَّكَ تَارِكٌ بَعْضَ مَا يُوحَى إِلَيْكَ وَضَائِقٌ بِهِ صَدْرُكَ (هود 12)
كِتَابٌ أُنْزِلَ إِلَيْكَ فَلَا يَكُنْ فِي صَدْرِكَ حَرَجٌ مِنْهُ لِتُنْذِرَ بِهِ وَذِكْرَى لِلْمُؤْمِنِينَ ( الأعراف 2)
إِنَّا أَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ فَاعْبُدِ اللَّهَ مُخْلِصًا لَهُ الدِّينَ (الزمر 2)

فهذا الكتاب متضمن للحق ، وشامل لمنفعة الناس وهدايتهم للتي هي أقوم ، وهو متحد في الأسس مع الذي جاء به الأنبياء السابقون ، فلا يقبل دين غيره ولاجدال فيه بعد أن وضح الحق،  ولا تفرق فيه ( ألا لله الدين الخالص ) الزمر/3، إنه صراط مستقيم ليس فيه عوج . إن هذا التكرار في الدعوة للثبات على المبادئ والاستقامة عليها ينبئ أن سيكون هناك من يحاول التفلت والتهرب من النصوص الواضحة الصريحة ، سيأتي أناس يحيدون عن هذا الكتاب بتأويلات فاسدة وأهواء ضالة كما فعل الذين من قبلهم من أهل الكتاب ، سيحاولون ليَ النصوص لتتلاءم مع العصر الذي يعيشون فيه كما يظنون ويقدرون ، أو لإرضاء فئة تريد من المسلمين التنازل عن ثوابت هذا الدين .
إن الثبات على الحق مهما كانت الظروف ومهما تبدلت الأحوال هو أحد أسباب ارتقاء الأمة ، وهو الذي يقدم الهوية والانتماء ، وهو الذي يعطي المسلم برد اليقين والطمأنينة ، كما يعطيه القوة في المواجهة . إن الدين بالنسبة للشعوب الإسلامية هو الوطن ، وهو الاعتقاد الذي يمدهم بفعل الخير  والبعد عن الصغائر ، وهذا الثبات لايعني أبداً الجمود أو التصلب ، فالمرونة والاجتهاد للحوادث الطارئة لابد منه ، وقضية التدرج في تطبيق الشريعة ( في بعض الأمور وليس في كل المسائل ) قد يكون مقبولاً لظروف خاصة ، ولكن ماذا عن أصل الموضوع ؟ ماذا عن رؤية الإسلام للقضايا الكبرى في أمور الحكم والاقتصاد والقضايا الاجتماعية ؟ هل يكون الطرح – ومن الناحية النظرية على الأقل – هل يكون ناقصاً أوخجولاً ؟ هذا غير مقبول ، فالإسلام لا يمكن أن يجزأ ، وليس هو ( طراز ) فقط على نسيج المجتمع ، ولا هو شيء ( روحاني ) يساعد على تهدئة الأعصاب ، هو دين هداية للإنسان في جميع أحواله ( إن هذا القرآن يهدي للتي هي أقوم ) ولكن يبدو أن صنفاً من الناس قد تعب من السير على الصراط السوي والطريق اللاحب (الواضح الواسع ) فراحوا يبحثون عن تأويل يريحهم من التمسك بثوابت الدين .
هل نخجل ونتراجع ونقول عن الذين وسمهم القرآن بالشرك أو الكفر نقول عنهم مؤمنين ؟ أو نقول : الإسلام اشتراكي أو رأسمالي أو ديمقراطي (السيادة للشعب والتشريع للشعب) مجاملة وتقرباً، وهل نقول عن الذين يفعلون فعل قوم لوط أن هذا شيء شخصي ويجب أن نراعي مشاعرهم حتى لاينفروا من المجتمع ؟ وهل كل هذا مجاملة للغربيين حتى لا يتهموننا بأننا أصوليون ؟ وهل نتهرب من نصوص إقامة الحدود – ولو أنها غير مطبقة الآن - .
لقد أرادت قريش – على وجه السياسة بزعمهم – أن يستنزلوا الرسول صلى الله عليه وسلم عن بعض ما يوحى إليه لتكون الموافقة والمؤالفة بينهم وبينه ويرضون بذلك منه ، ولكنه صلى الله عليه وسلم أبى إلا الثبات على محض الحق والمحافظة عليه ، والرسول صلى الله عليه وسلم هو القدوة وهو الأسوة .
ولنفرض أننا تنازلنا عن بعض ما عندنا - وهو لا يصح– فإن غيرنا لا يقبل هذا الأمر ، لأنه كلما تنازلنا عن شيء طلب تنازلات أخرى حتى لا يبقى لنا من الدين إلا أشياء باهتة، وهذا غير مقبول عند من يفقه هذا الدين.

 

المصادر: