اتفاق كفريا والفوعة: لمصلحة من؟!

الكاتب : أسرة التحرير
التاريخ : ٢٩ ٢٠١٧ م

المشاهدات : 5097


اتفاق كفريا والفوعة: لمصلحة من؟!

شغلت قضية اتفاق كفريا والفوعة أو ما بات يعرف بـ "اتفاق المدن الخمسة" الرأي العام الثوري والشعبي في سوريا خلال الأيام الماضية، حيث تم الاتفاق -حسب مصادر- بين هيئة تحرير الشام ومفاوضين إيرانيين في العاصمة القطرية الدوحة على إجلاء كافة أهالي بلدتي كفريا والفوعة الشيعيتين بريف إدلب، بالإضافة إلى أهالي مضايا والزبداني وبلودان بريف دمشق.
الاتفاق حصل بعد سلسلة لقاءات بين ممثلين عن الجانب الإيراني مع ممثلين عن هيئة تحرير الشام برعاية قطرية.
وينص الاتفاق على وقف إطلاق النار لمدة 9 أشهر بحيث يدخل حيز التنفيذ في منتصف ليلة الأربعاء 29-3-2017، ويشمل بلدتي الفوعة وكفريا الشيعيتين ومدن وبلدات تفتناز وبنش وطعوم وبروما وزردنا وشلخ ومعرة مصرين ورام حمدان بالإضافة إلى مدينة إدلب، إلى جانب مدينة الزبداني وبلدتي مضايا وبقين بريف دمشق الشمالي الغربي، وأحياء يلدا وببيلا وبيت سحم جنوب دمشق.
ويتضمن الاتفاق أيضاً إخلاءً كاملاً لسكان بلدتي الفوعة وكفريا بمدة زمنية قدرها 60 يوماً موزعة على مرحلتين خلال شهر نيسان القادم، مقابل إخراج أهالي الزبداني ومضايا إلى أي مكان يتم تحديده.
ويشمل الاتفاق أيضاً إدخال المساعدات الإنسانية إلى المناطق المذكورة، على أن يتم إطلاق سراح 1500 أسير من سجون النظام (معظمهم من النساء)، وذلك في المرحلة الثانية من الاتفاق.
الاتفاق ليس وليد اللحظة، وإنما هو امتداد لاتفاق الهدنة الذي أبرمه جيش الفتح مع ممثلين إيرانيين في أيلول/ سبتمبر 2015، وبالرغم من خطورة هذا الاتفاق وتوقيته وأبعاده وإشارات الاستفهام التي تحوم حوله، إلا أن طريقة التوصل للاتفاق من قبل "هيئة تحرير الشام" والتكتم الشديد الذي رافق مراحله من قبلها، قوبل باستياء شديد من قبل الناشطين والوسط الشعبي والشخصيات الثورية.
فمنذ بدأت الثورة مسلحة وحتى توقيع الاتفاق، كان مجرد الحديث عن مفاوضات مع العدو (أياً كان الدافع والهدف) محرماً وممنوعاً وخيانة و "بيعاً لدماء الشهداء وتضحياتهم" وفق قاموس "هيئة تحرير الشام" أو "جبهة النصرة" على وجه الخصوص. ولطالما هاجمت فصائل الجيش الحر واستولت على مقراتهم وطاردتهم بهذه الحجج والأسباب، حتى إنها انتقدت الثوار حينما خرجوا من حلب واتهمتهم بشكل "غير مباشر" بتسليم المدينة والتفريط بها. أما المشاركون في المفاوضات السياسية سواءً الأستانة أو جنيف فحدث ولا حرج.
وبين ليلة وضحاها أصبح حرام الأمس حلال اليوم، وأضحت المفاوضات مقيدة بالمفسدة والمصلحة ويقدرها المفاوضون أنفسهم، بينما كانت سابقاً خيانة بالمجمل ولا اعتبارات مقبولة لأصحابها، أياً تكن دوافعهم. 
أسئلة كثيرة طرحت على ألسنة الناشطين والشعب عموماً: ماذا لو كان الموقع على الاتفاق ليس جيش الفتح وإنما أحد فصائل الجيش الحر؟ لكنا رأينا تهم الردة والتخوين والعمالة، ولتسابقت معرفات الجيش الإلكتروني لإسقاط صاحب المفاوضات والاتفاقيات..!!
ألم يكن التفاوض في أستانا ردة تستوجب الاستئصال!؟ أما التفاوض مع الإيراني فهو إيمان وتوحيد؟!.
الشيخ عبد الرزاق المهدي وهو من أحد المشايخ الكبار الذين انضموا إلى هيئة تحرير الشام ثم انشق عنها لاحقاً، انتقد تكتم الهيئة عن تفاصيل الاتفاق وعدم الإعلان عنه، حيث قال: (يكفي اتفاق كفريا والفوعة شرًا أنه ليس أحد ممن شارك في صياغته يجرؤ على أن يخرج للناس على العلن ليحدثهم عن دوافع هذا الخيار، وثمن قبوله، وما هي الاستعدادات لتحمل تبعاته على الشمال المحرر ...؟!، وفي الحديث يقول -صلى الله عليه وسلم: (الإثم ما حاك في صدرك وكرهت أن يطلع عليه الناس).
كما انتقد الشيخ علي الشحود الفكرة ذاتها قائلاً:

(بداية نحن مع أي هدنة تقلل من معاناة الناس وتخفف الحصار عنهم وتبعد عنهم شبح الموت...
لكن بشرط أن تكون علنية ومن قبل فعاليات الثورة وليس من قبل فصيل واحد منهم يدعي أنه وصي على الثورة والثوار.....
لذلك نقول بعض الملاحظات عليها:
1.لقد فوجئ الشعب السوري بأن هناك اتفاقا سريا تم في قطر بين هيئة تحرير الشام وبين أطراف أخرى برعاية قطرية لإخراج أهل كفريا والفوعة سالمين غانمين إلى حضن الوطن !!
2.بينما ينص الاتفاق على تفريغ غرب دمشق وجنوبها من أهل السنة !!
3.كيف تقول هيئة تحرير الشام عن أي اتفاق يقوم به غيرها مهما كان نافعا بأنه خيانة وعمالة وبيع للثورة بينما إذا قامت هي به يعتبر فتحا عظيما يسطر بأحرف من ذهب ؟؟؟؟
4.الكيل بمكيالين ليس من صفات المؤمنين الصادقين.
5.ما أدراكم أن في هذا الاتفاق خيرا لنا ولثورتنا؟
6. ما هي البنود السرية غير المعلنة ؟
7.وهل فيه تبييض لصفحة هيئة تحرير الشام لكي يرفع اسمها من قائمة الإرهاب الدولية؟
8 .وهل هذا العمل سيبيض صفحتهم الداخلية مع الفصائل التي بغوا عليها ونهبوا سلاحها وذخيرتها بحجة أنها حضرت مؤتمرا دوليا لحل مشكلتنا؟
9.وهل سيسامحهم الناس على نهب خيراتهم وسجن واعتقال أولادهم وذويهم.؟؟
نصيحة أخيرة لهم
ردوا المظالم إلى أهلها وأخرجوا المساجين وتعاملوا مع الناس بالحسنى والرفق والرحمة .
وعودوا لأهداف الثورة الأولى وتخلصوا من البغاة والغلاة.. عندها يمكن أن يسامحكم الناس.)
أما الباحث أحمد أبازيد فقد حذر من خطر الاتفاق وتبعاته قائلاً:

1-خروج كفريا والفوعة كرهينة من أيدي المجاهدين يعطي الفرصة للعدو بأن ينتقم من إدلب بوحشية ومن دون أن يحسب أي حساب.. فالحذر الحذر!.

2- تعليقات على اتفاق الفوعة الأخير، ما بين أحرار الشام وتحرير الشام من جهة، وحزب الله وإيران من جهة مقابلة برعاية قطر.
3- كتبت قبل عن الخطاب كوسيلة لمصلحة الجماعة لدى الحركات الجهادية، وأنه لا يمثل الأيديولوجية أو الاستراتيجية الحقيقية، وجبهة النصرة كمثال.
4-كان العمل السياسي والمفاوضات والهدن مناطات ردة وأسباباً كافية لقتال الفصائل وتخوين الأشخاص، ثم استماتت تحرير الشام لخوض كل ذلك بسقف أقل.
5-عكس اتفاق الفوعة، الهدن التي وقعها وفد قوى الثورة أكدت عدم استثناء أي منطقة أو فصيل وقام بالتفاوض أشخاص معروفون للسوريين وبأجندة معلنة.
6- بما أن تحرير الشام حريصة على الاعتراف ونيل هامش سياسي، فالأحرى أن تحرص على قبول الشعب والثوار وهذا لا يمكن دون اعتذار وصدق وتغيير حقيقي.
7-يستميت الجولاني بإثبات مرونته وتغيره للغرب لنيل اعتراف، بينما هيئته على الأرض بسلوك القاعدة وداعش نفسه ضد الفصائل، أشداء ورحماء على من؟.
8- تحرير الشام نجحت بتحويل كل الأطراف الداخلية في الثورة إلى أعداء ومهددين، وغربياً فالتصنيف قائم، السفر بالطيران وتوقيع اتفاق لن يلغي ذلك.
9-قصف التحالف الدولي لسيارة "أبو جابر الحموي" في الوقت نفسه من مفاوضات تحرير الشام، رسالة واضحة بأن هذا الهامش الوظيفي لن يلغي التصنيف.
10-لم يعد مقبولاً الشك في براغماتية ووظيفية خطاب تحرير الشام ومزايداتها تجاه الآخر ثم ممارستها نفسها بعد تقييد الآخرين بها (= أحرار الشام).
11- ونعم "الساحة لا تحتمل" حقاً استمرار هذا المسلسل وعبث ذات الأشخاص والمجموعات المجربة والمشبوهة بمصير الثورة والسوريين.
فيما علق الشيخ ماهر علوش على الاتفاق بقوله:

(تأثر بعض الفضلاء من وصفنا للاتفاق بأنه سيء، وتساءل آخر من أين أتاه السوء... والجواب: أنه كان بالإمكان تحصيل اتفاق أفضل من هذا الاتفاق بكثير لولا تعطيل بعض الفصائل له قبل مدة، حيث تم عرقلة الاتفاق لأسباب تتعلق بالثبات على الموقف آنذاك... واللافت للنظر أن الفصائل عندما جلست لإبرام هذا الاتفاق استطاعت إنجازه بسرعة كبيرة، فلا أدري أكان ذلك نتيجة الثبات على الموقف أم أنه العكس تماما...
إن ما تقوم به بعض الفصائل من حديثي العهد بالعمل السياسي والتفاوض قبل بلوغها سن الرشد، ودون إشراك الخبراء في مفاوضاتهم سوف يدفع ثمنه الشعب كله... وقد سبق لبعض الفصائل الدخول بـ "مفاوضات تجريبية" بعد أن تعلمت بعض فنون السياسة ومهارات التفاوض من خلال بعض الدورات العلمية... لكن الغريب في الأمر أن البعض الآخر بدأ "المفاوضات التجريبية" دون الدخول بأي دورة في فنون السياسة ومهارات التفاوض...
الفصائل عقدت اتفاقا غير متكافئ أبدا مع العدو ــ والأرقام تتحدث ــ، والذي يفترض أنها جلست لتفاوضه وقد أشعلت الجبهات على طول البلاد وعرضها، وما يدعو للغرابة ماذا لو كان التفاوض بعيدا عن تلك المعارك الضارية، كيف ستكون النتائج أيها الأبطال... عندما كانت الجبهات هادئة وكانت المناطق المحاصرة في أصعب لحظاتها كان سقف التفاوض لدى البعض مرتفعا جدا، وعندما اشتعلت الجبهات انخفض السقف بشكل يثير الاشمئزاز...
بمقارنة عاجلة فقد أثبتت المؤسسات السياسية في الثورة السورية أنها تقوم بدور أكثر إيجابية على مستوى التفاوض، بالرغم من الخلل البنيوي الذي تعاني منه تلك المؤسسات، وعلى ما فيها من الأخطاء والسلبيات... وهذا يحتم على الشرفاء إعادة النظر في طبيعة العلاقة أو التعامل مع هذه المؤسسات التي لا تخرج عن كونها مؤسسات وطنية... لقد بات لزاما على الثورة إنهاء حالة الشتات السياسي، وحسم قنوات التفاوض مع الأعداء من خلال الاجتماع على مؤسسة ثورية واحدة...
أما هذا الاتفاق فإنه يفتقر إلى المهنية، ويتعامل مع الواقع والمتغيرات التي طرأت على الثورة خلال العام الأخير بمنتهى السطحية، ما جعل الوفد المفاوض يغفل عن مدى إمكانية إلزام بقية حلفاء النظام ببنود هذا الاتفاق... وقد أثبتت الاتفاقات السابقة مع الإيرانيين أن الروس لا يلتزمون بها أبدا، بل قاموا بتخريب اتفاق المدن الأربعة سابقا، فهل تم تحصيل ضمانات روسية الآن، أم أنها مقامرة جديدة تخوضها الفصائل...
الاتفاق القائم على فكرة مقايضة المدن والسكان يكرس مبدأ التغيير الديمغرافي من خلال رضا الأطراف الموقعة عليه ــ والكلام هنا على المستوى القانوني ــ، وهذا بحد ذاته يعتبر خطأ جسيما ترتكبه فصائل الثورة، حيث ساهمت بشكل أو بآخر في شرعنة هذه الجريمة عبر عقد اتفاق رضائي موقع بين الطرفين، وهذا بلا شك يختلف عن حالات التهجير القسري التي يقوم بها النظام وحلفاؤه لأهلنا في المناطق المحاصرة...
بالنظر إلى واقع المنطقة وطبيعة المرحلة المرتقبة فهناك احتمال كبير أن يتم نقض الاتفاق بعد إخراج الجرحى والمصابين وأكثر المدنيين، بحيث تتحول كتلة الفوعة وكفريا إلى كتلة مقاتلة شرسة في حال تم هجوم روسيا وحلفائها على الشمال السوري، والذي يرجح أن يكون قريبا، ومن المحتمل أن يكون على عدة جبهات في وقت واحد، والهدف كسب جبهة واحدة فقط، وربما محور محدد في إحدى هذه الجبهات...
كان أحد أبرز الاعتراضات على اتفاقات أخرى مشابهة قامت بها فصائل الثورة السورية أن الضامن غير قادر على فعل شيء فيما لو تم الإخلال ببنود الاتفاق، والسؤال الآن: كيف يستطيع الأشقاء في قطر ضمان النظام وحلفائه من الروس والإيرانيين والميليشيات الطائفية الأخرى، وماذا بوسعهم أن يفعلوا فيما لو أخل الطرف الآخر بالاتفاق فعلا...
جاء هذا الاتفاق الهزيل بعد خروج أهلنا من حي الوعر المحاصر، والفصائل التي عقدت الاتفاق كانت على علم مسبق بكل ما يدور ويحاك لهذا الحي، وهي على علم مسبق باقتراب موعد مناقشة اتفاق المدن الأربعة، ومع ذلك لم تفعل شيئا يذكر لأجل إدخال الحي في سلة المفاوضات، بل إن البعض عرقل عملية دخول الحي في المفاوضات بحجج واهية، وكانت النتيجة تسارع سقوط الحي بيد الروس، وعندما تم الضغط لإدخال الحي في التفاوض مجددا كان الحي في آخر اهتماماتهم...
لن أتكلم بأكثر من هذا، لكن ما يؤسفني حقا بعد مرور ست سنوات من عمر الثورة أن يستمر التعامل مع بلدنا بمفهوم "الشركة" أو "المزرعة"... وإن كان بعض الرأسماليين أفضل من بعض، وبعض الإقطاعيين أرحم من بعض...
وأما المشايخ الذين يفصلون الفتاوى على قياس قادتهم فهؤلاء لا نسمع لهم صوتا إلا في قضايا "الاندماج"، أما آلام هذا الشعب والمصائب التي تجرها عليه فصائلهم فليست ضمن أدبيات دعوتهم التي أمليت عليهم...).
كما انتقد د. أيمن هاروش سياسة الكيل بمكيالين التي تنتهجها هيئة تحرير الشام في موضوع المفاوضات، حيث قال:

(1-المفاوضات مع إيران في الدوحة أمر مشروع بأصله وكما دعمنا كل حراك سياسي ندعم هذا أيضاً ضمن الثوابت والضوابط التي قلناها، ولكن لنا ملاحظات على هذه.
‏2-استبيحت فصائل وخونت بأقل من هذا فالواجب إعادة الحقوق المادية والمعنوية لمن أسيء إليها وترك أسلوب المزاودات التي وقع المزاودون بكل ما أنكروه.
‏3-نستغرب سكوت المعرفات وشيوخ المطويات والدورات، والذين نالوا من غيرهم بأقل منها أو مثلها وإن كانوا تراجعوا فليعتذروا لمن أساؤوا إليهم.
‏4-من حق الآخرين أن يقولوا فيكم ما قيل فيهم من تغلب سياسي وخيانة للشهداء وخضوع للداعم وتسليم للمدن ومن فوضكم عن الشعب لكن هذا ليس من أخلاقهم
‏5- ستقارن نتائج مفاوضاتكم وليست سرا بغيرها وسترون كم ظلمتم أناسا سبقوكم في الجهاد والسياسية وكم جررتم على الشعب مآسي بسبب مراهقاتكم وعقدكم.
‏6-نحن هنا لا نحرم ولا نخون ولكن نشير إلى نتائج سياسية التخوين والتكفير وإلباس الرأي حكم الله، ونشير إلى منهج التلون الملازم لمنهج المزاودات.
‏7- ونشير إلى سياسية بعض القنوات والمعرفات والشخصيات التي ترى رمد الجيش الحر وتشرعن لقلع عينه ولا ترى عور المناهجة وتدعو لتقبيل رأسهم.)
واستغرب أحمد عيسى الشيخ قائد صقور الشام قيام الهيئة بفعل كانت تنكره على غيرها من الفصائل، فقال:
(1-عندما تحضر المزاودات تكثر الخيانات وعندما يستلم المراهقون المقود فإنهم يهتمون بالمركوب ولا يلتفتون إلى الطريق أصحيح فيصلون أم خاطئ فيضلون.
2-في الاتفاق الأخير "للفوعة مقابل الزبداني" رأينا أن ما عابت الهيئة على الفصائل بعضه فقد فعلته كله "أتأمرون الناس بالبر وتنسون أنفسكم".
3-الفصائل التي حرصت ألا تستثني فصيلا ولا بقعة مما تراه خيراً، كان جزاؤها ألا تستثنيها الهيئة من حملة التكفير والتخوين والبغي والصيال.
4-واليوم نرى حصاد الهدنة التي قال قائلهم يوماً أنها نصر تاريخي مؤزر، والحال أن الأذن بالأذنين والعين مقابل عينين وأحياء وقرى من عندنا زيادة.
5-ولا نحرم ما أحل الله من هدنة، وإنما الطريقة المبتذلة في احتكارها وإنكارها فيحرمونها على غيرهم ويحلونها لأنفسهم ويتوسعون بها ما لا تسع.
6-لو أرادت الفصائل الخيانة لما تفاوضت مع روسيا تحت مرأى ومسمع ومشهد !، ولو أرادت الهيئة الخير لما تفاوضت مع إيران في الظل، وما وراء الكواليس.
7- ورحم الله من قال:
أمن يعوم بنهر الإثم ينهرني
إذا تناولت منه غرفة بيدي !!
إن كان في عنقي خيط سيخنقني
فإن في جيده حبلا من المسد !).

أما الكاتب والباحث مجاهد ديرانية فقد كتب عن الاتفاق: 

لم يبقَ قريبٌ ولا بعيد ولا عدوّ ولا صديق إلا وأيقنَ أن إدلب مُقبلةٌ على مَحرقة كبيرة ستروي أخبارَها كتبُ التاريخ، وأن تصدّر جبهة النصرة وتصديرها وصبغ الشمال بالسواد سيكون مبدأ الحريق، وأن هذه السنة هي سنة قلع الزرع الذي زرعته القاعدة في سوريا والعراق، داعش والنصرة، وأن النصرة وحلفاءها لا طاقة لهم بالصمود في سوريا أكثر مما صمدت داعش في العراق، وأن الفوعة وكفريا هما الورقة الأخيرة التي تملكها الثورة للمساومة والضغط فراراً من المصير المحتوم، وأن بقاء عشرات الآلاف من سكان البلدتين رهائنَ تحت نيران الثوار سيعوق مشروع الحريق المشؤوم، ولو إلى حين.

إذا كان ذلك كله مما عرفه الناس وعرفته جبهة النصرة وعرفته سائر الفصائل، فلماذا أصرّت جبهة النصرة (في إصدارها القديم وإصدارها الجديد) على تفكيك الفصائل وتشريد الثوار وابتلاع الثورة وصبغ الشمال بالسواد؟ ولماذا رضيت الفصائل بأن تُساق ويُساق معها الشمال المحرر بما فيه ومَن فيه إلى المحرقة؟ ولماذا فرّطوا بالورقة الأخيرة التي لو تشبّثوا بها ورفعوها أمام النار لَوَقَتْ وجوهَهم لفحَ النار؟ ولماذا تفاوضوا مع العدو في الظلام؟ لماذا سلكوا طريق التفاوض والتنازل والتفريط الذي عابوه -قبلُ- وخوّنوا سالكيه؟

اليوم خرست ألسنةٌ طالما تسابقت للمشاغبة والمزايدة على أهل الثورة والترويج لمشاريع الغلاة، وإذا نطقت قريباً فلن تفعل سوى ما فعله علماء السلاطين على مَرّ الزمان: تسويغ الجريمة وتسويقها باسم الدين، فإنّ دين القوم يسع أكبرَ الكبائر إذا كانوا هم أصحابها، ويضيق بأصغر الصغائر إذا كان أصحابها غيرهم من الناس.

عوضنا على الله في ثورة ساقها في طريق الضياع "مستقلّون" باعوا ضمائرهم للهوى والسلطان والشيطان، ثورة عظيمة سطا عليها الغلاة بالحديد والنار، ثم باعوها بأبخس الأثمان في سبيل مطامع وأهواء شخصية، أو خدمةً لمشاريع الوهم والسراب.

وعلق الناشط براء عبد الرحمن من الغوطة الشرقية على الاتفاق قائلاً: 

هل تذكرون اتفاق راهبات معلولا...قيل لفك أسرى المسلمات دون أي مقابل لكنها كانت بالحقيقة اتفاقاً قطرياً لبنانياً مع النصرة لفك طليقة البغدادي ونيل 20 مليون دولار فلم تخرج المسلمات الأسيرات وكان الاتفاق بين أروقة الكواليس بالخفاء، والآن نفس السيناريو؛ شتان شتان بين من يفاوض أمام الكاميرات ويصرح للصحفيين والفضائيات وينسحب لعدم تهجير شعبه وبمن يفاوض سراً وخيفة لتهجير المسلمين السنة باتفاق ومصالح إيرانية ثم يزاود علينا ويقول ماجئنا إلا لنصرتكم، بل ما جئتم إلا لبيعنا في سوق النخاسة، شُلت ألسن المزاودين.
آراء متنوعة وانتقادات كثيرة تشير بالمجمل إلى أن الشعب السوري والوسط الثوري عموماً أصبح على درجة من الوعي بحيث لم تعد تنطلي عليه حيل المزاودات والاستغفال وفرد العضلات، كما أثبتت أن الفصيل مهما بلغ من القوى العسكرية إلا أنه سيسقط سقوطاً مدوياً بمجرد أن يغلّب مصلحته على مصلحة الشعب ويسلك خطاً مغايراً لخطه.

 

 

المصادر: