هل ستنتصر الثورة؟

الكاتب : مجاهد مأمون ديرانية
التاريخ : ١٤ ٢٠١٦ م

المشاهدات : 2645


هل ستنتصر الثورة؟

-1-

إذا نظرنا إلى قوة الثورة وقوة أعدائها فإن فرصة نجاحها وانتصارها تبدو ضئيلة جداً، لذلك أميل إلى الجواب السلبي. أخشى أن الثورة بعيدة عن الانتصار وأنها في طور الاحتضار الذي سينتهي إلى الموت ولو بعد حين.

هل غيرت رأيي القديم؟ أبداً؛ لقد امتلأ قلبي باليقين بانتصار الثورة منذ خرجَت إلى الشوارع أولُ ثلّة صغيرة من المتظاهرين هاتفةً بسقوط النظام. كان النظام يومَها أقوى منه اليومَ بمئة مرة، وكانت الثورة يومها أضعفَ منها اليومَ بألف مرة، فلا اعتمدتُ -في يقيني- على قوة الثورة ولا على ضعف النظام، إنما اعتمدت على الله الذي ما ظننت أن يخذل ضَعَفةً مؤمنين حملوا مشروعهم مخلصين وانطلقوا في ثورتهم صادقين، لم تلوّثهم المطامع والشهوات. حقٌّ على الله أن ينصر من كانت هذه صفتهم، ومَن نصره الله لم يغلبه أقوياء الدنيا مجتمعين.

-2-

وماذا حصل بعد هذه السنين؟ فسدت النفوس، ضاع النقاء والصفاء الأول، انقرض الإخلاص والصدق اللذان كانا غالبَين على حَمَلة المشروع الثوري، أو كادا ينقرضان، ونُسي دافع الثورة الذي حمله الثوار الأوائل حتى صار خبراً من أخبار التاريخ.

ثار الناس على الظلم فانقلب كثيرٌ منهم ظالمين، وُلِدَ جيل جديد من الظّلَمة حَلّ محل الظالم الأول، وامتلأت الأرض بمستبدّين صغار ورثوا استبداد المستبد الأكبر، ولو خدمتهم الظروف لصار الواحد منهم طاغيةَ الزمان كما كان الطاغيةُ الذي نادَوا بإسقاطه أول مرة.

-3-

صحيح أن الصالحين ما يزالون كثيرين، ولكن الجماعات لا تهلك إذا انعدم فيها الصلاح جملة واحدة، إنها تهلك وفيها الصالحون إذا انتشر فيها الشر كما أخبر الصادق المصدوق. في حديث أم المؤمنين زينب بنت جحش الذي أخرجه البخاري ومسلم في الصحيحين أنها سألت النبي عليه الصلاة والسلام: أنهلك وفينا الصالحون؟ قال: نعم، إذا كَثُرَ الخَبَث.

وما الخبث؟ إنه كبائر المعاصي والذنوب التي يستوجب انتشارُها غضب الرب ومَقْته، فمنها ما ينتبه الناس إليه ويأنفون منه كالزنا والربا، ومنها ما يستهينون به ويركنون إليه كالظلم والبغي (وكلاهما من الكبائر كما فصّلها الذهبي وغيره). ليس الخَبَثُ هو الدخان الذي حاربته بعض الفصائل في المناطق المحررة ولا هو كشف وجه النساء ولبس ما عدا السواد. الأول من اللّمَم (حسب تعريف اللمم عند جمهور أهل العلم) والثاني محل خلاف بينهم (والأظهر فيه الجَواز) والأخير مباحٌ باتفاق. اشتغل كثير من أهل الثورة بهذه الصغائر وأشغلوا بها الناس، ثم ارتكبوا الكبائر المهلكات، وعلى رأسها الفُرْقة والظلم والبغي والعدوان.

-4-

يعلم الله أني وغيري لم نألُ جهداً في مدافعة الخَبَث وأهله، ولكنّا خضنا حرباً خاسرة لأن كثيراً ممّن يُرتجَى منهم الخير والدعم في هذه المعركة مارسوا دَور دود الخَلّ! كانوا حرّاساً للخبث ومدافعين شرسين عنه دائماً، فوقفوا معه بعناد وإصرار وتذرّعوا له ولأهله بذرائع واهية لا يرضى عنها الله، وكلما وقع ظلم وعدوان فخرج مَن ينكره بالصوت العالي قام عليه دودُ الخل يصرخون في وجهه: الفتنة نائمة لعن الله من أيقظها!

لو كانت نائمة لصَحّ ما يقولون ولكان مَن أيقظها من نومها آثماً شريراً، ولكنهم هم النائمون الذين لا يعلمون، يتوهمون أن الفتنة نائمة ويرجون لها دوام النوم، ولا يرون أنها قائمة تركض على ساقين فتضرب أهل الصلاح وتفتك بخيار المجاهدين. الله حسبنا فيهم ونِعْمَ الحسيب، وهو وكيلنا عليهم ونِعْمَ الوكيل.

-5-

ما زال الخَبَثُ يتسلل إلى ثورتنا ويزداد حتى اقترب أن يصنع بها ما صنعت دابّة الأرض بعصا سليمان، وما يزال أهله مُصرّين عليه ماضين فيه، وما يزال الحمقى والمغيَّبون مدافعين عنه مسوّغين له، فأنَّى ينصر الله ثورةً هذه صِفَتُها؟ أنّى ينصر الله ظالمين حملوا السلاح لتحقيق مصالحهم وشهواتهم فظلموا باسم الدين واعتدوا تحت راية الدين، ثم سوّغوا ظلمهم وعدوانهم بحكم الدين وحكمة الدين، ودينُ الله بريء منهم ومن ظلمهم وبريء ممّا يفترون؟

أنا لا أعلم الغيب ولا أتألّى على الله، ولكني أكاد أكون على يقين: ما لم يَنْتَهِ الظالمون عن الظلم والباغون عن البغي ويتوقف المصفّقون والمبررون عن حراسة الظّلَمَة والبغاة فارتقبوا نهاية الثورة غيرَ بعيد، فإنّ ظالمين ضَعَفةً لن يغلبوا ظالمين أقوياء، وإنّ الله أنزَهُ وأعدل من أن ينصر الظالمين ولو كانوا مسلمين.

 

 

 

الزلزال السوري

المصادر: