الساحة السورية بين الصراعات الفكرية والمرجعية العلمية

الكاتب : محمد نور حمدان
التاريخ : ٢٤ ٢٠١٦ م

المشاهدات : 3389


الساحة السورية بين الصراعات الفكرية والمرجعية العلمية

لقد شهدت الساحة السورية الكثير من “الصراعات الفكرية” وهذه الصراعات ارتبطت بفكر وتوجه معين وقد انعكست هذه الصراعات على  الشباب حتى أصبح مصطلح “المراجعات” مصطلحاً مألوفاً متكرراً بين الشباب وأصبح حالهم كحال حديث رسول الله «تكون بين يدي الساعة فتن كقطع الليل المظلم يصبح الرجل فيها مؤمناً ويمسي كافراً، ويمسي مؤمناً ويصبح كافراً، يبيع أقوام دينهم بعرض من الدنيا» [الترمذي: 2197]  وكان الحسن يقول في هذا الحديث: يصبح الرجل محرماً لدم أخيه وعرضه وماله ويمسي مستحلاً له، ويمسي محرماً لدم أخيه وعرضه وماله ويصبح مستحلاً له.

ولا ريب أن هذه التبدلات والتحولات كان لها مؤشر سلبي على الفرد وعلى من حوله فهذه التبدلات قد تؤدي به إلى الغلو والتطرف.

ومن أهم أسباب هذه التحولات والصراعات الفكرية هو غياب المرجعية العلمية التي يرجع إليها الشباب عند اشتداد الفتن والمصائب.

فالمرجعية العلمية لا بد أن تكون حاضرة في كل زمن بحيث يرجع الناس إليهم عند المصائب والنوازل.

وهذه المرجعية هي القادرة على إيجاد أحكام منضبطة للمسائل المستجدة المعاصرة على المستوى التنظيري.

ففي زمن النبي صلى الله عليه وسلم كانت المرجعية للوحي فكل مسألة مستجدة كان ينزل الوحي ليبين لهم الحكم أو أن الرسول صلى الله عليه وسلم يبين الحكم وبعد ذلك ينزل الوحي إن كان الموضوع يحتاج إلى بيان أو توضيح أكثر كحادثة أسرى بدر وحادثة إبطال التبني بزواج الرسول صلى الله عليه وسلم من زينب بنت جحش رضي الله عنها.

وجاءت الآيات والأحاديث التي تبين للناس أن مرجعيتهم القرآن والسنة ولا يجوز لهم مخالفتها يقول تعالى: "فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لَا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا” وعن العرباض بن سارية، قال: وعظنا رسول الله صلى الله عليه وسلم موعظة ذرفت منها العيون، ووجلت منها القلوب، قلنا: يا رسول الله، إن هذه لموعظة مودع، فماذا تعهد إلينا؟ قال: ”قد تركتكم على البيضاء ليلها كنهارها لا يزيغ عنها بعدي إلا هالك، ومن يعش منكم، فسيرى اختلافا كثيرا، فعليكم بما عرفتم من سنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين، وعليكم بالطاعة، وإن عبداً حبشياً عضوا عليها بالنواجذ، فإنما المؤمن كالجمل الأنف حيثما انقيد انقاد” [مسند الإمام أحمد: 7142]

وبعد وفاة الرسول صلى الله عليه وسلم وانقطاع الوحي كان المرجع للصحابة في جميع أمورهم للقرآن والسنة ولكن كانت تعرض لهم بعض المسائل المستجدة التي لا يوجد فيها نص من قرآن أوسنة فكانوا يجتهدون ويعملون الرأي فيها كحادثة جمع القرآن في زمن أبي بكر رضي الله عنه وحادثة نسخ المصحف في عهد عثمان رضي الله عنه  فالمرجعية العلمية كانت لكبار الصحابة الجيل الأول الذين شهدوا عصر الرسول صلى الله عليه وسلم وفهموا القرآن وأسباب النزول وتشربوا روح الشريعة الإسلامية ومقاصدها بل وحتى كان في القرآن الكريم إشارات للمرجعية كقوله تعالى: {وَالسَّابِقُونَ الْأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسَانٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي تَحْتَهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ}.

ولكن بعد انقراض عصر الصحابة رضوان الله عليهم ظهرت الحاجة لوجود المرجعيات للمسائل المعاصرة المستجدة فكانت آية قرآنية تشير إلى المرجعية بشكل عام وهو قوله تعالى ”فاسألوا أهل الذكر إن كنتم لا تعلمون” فالآية تشير إلى أمرين “أهل” وهو جمع و”الذكر” وهم العلماء المعروفون.

فاتخاذ المرجعيات التي ترجع الناس إليها أمر فطري فإن لم يبق علماء ترجع الناس إليهم يتخذون رؤوساً جهالا فيفتوا بغير علم قال النبي صلى الله عليه وسلم: «إِنَّ اللَّهَ لاَ يَقْبِضُ العِلْمَ انْتِزَاعًا يَنْتَزِعُهُ مِنَ العِبَادِ، وَلَكِنْ يَقْبِضُ العِلْمَ بِقَبْضِ العُلَمَاءِ، حَتَّى إِذَا لَمْ يُبْقِ عَالِمًا اتَّخَذَ النَّاسُ رُؤوسًا جُهَّالًا، فَسُئِلُوا فَأَفْتَوْا بِغَيْرِ عِلْمٍ، فَضَلُّوا وَأَضَلُّوا» [صحيح البخاري: 100].

فالمرجعية العلمية للمسلمين هي القرآن الكريم والسنة النبوية وأما في المسائل المستجدة فهي فهم العلماء واستباطاتهم واجتهاداتهم كما أمر الله في كتابه “فاسألوا أهل الذكر إن كنتم لا تعلمون” وأهل الذكر هم العلماء الفقهاء المجتهدون. فإن لم يتخذ الناس هؤلاء العلماء كمرجعيات عليمة سيتخذون جهالاً مغمورين غير معروفين يضلون أنفسهم ويضلون الناس.

بعد بدء الثورة السورية اضطربت المرجعية العلمية لدى الثوار فلم تكن هناك مرجعية علمية يرجعون إليها فيما استجد من الحوادث والنوازل لذلك كانت الصراعات الفكرية كبيرة وقد انعسكت هذه الصراعات على التفرق وعدم التوحد وانعكست على أفكار الشباب فغلبت لغة التخوين والتجريح بل وصلت إلى التكفير ومن أمثلة ذلك موضوع المصطلحات المعاصرة المشكلة والحكم في الأخذ بها كالديمقراطية والمدنية بل وحتى انعكست الخلافات على الجسم الواحد حتى بتنا نسمع تصريحات متباينة مختلفة بل وحتى في الشخص الواحد نسمعه يتكلم بكلام في مجلس ويتكلم بكلام آخر بمجلس آخر ويتراجع عن كلامه الأول ولا يخفى هذا التراجع من مساوئ تنعكس على الشباب.

ولذلك لا بد من تدارك هذا الأمر من خلال تشكيل مرجعيات علمية في نطاق الثورة السورية يرجع إليها الشباب في المسائل المعاصرة والمستجدة وخاصة السياسية و هذه المرجعيات يجب أن تكون جماعية وليست فردية “فاسألوا أهل الذكر” – متصفة بالعلم والتمكن على المستوى التنظيري “أهل الذكر” – بعيدة عن الفصائلية والحزبية والمناطقية – بعيدة عن موضوع الانتخابات فالانتخابات لا يمكن لها أن تفرز المرجعية العلمية- بعيدة عن فكرة أن تكون من الشخصيات التوافقية لأن الشخصيات التوافقية تصلح في الجانب العملي وقد لا تكون مؤهلة على المستوى الفكري التنظيري .

وتقع مسؤولية اختيار هذه المرجعيات العلمية على المرجعيات الشرعية المشكلة في الثورة السورية كالمجلس الإسلامي السوري والروابط والهيئات العلمية وذلك من خلال وضع صفات ضابطة لهذه الشخصيات بعيدة عن المحاصصة وإنما تنطبق عليهم مواصفات الشخصيات التنظيرية القادرة على إيجاد حلول للمشاكل النظرية والعلمية.

وإن لم نستطع تشكيل هذه المرجعية العلمية الفكرية لا بد أن تكون ثقافة استيعاب الآخرين موجودة والابتعاد عن المزاودات عليهم باسم الدين والابتعاد عن تخوينهم وتكفيرهم، وتعميم ثقافة الرأي والرأي اخر وكل يؤخذ من قول ويرد إلا صاحب هذه المقام وهو الرسول صلى الله عليه وسلم.

فهذه دعوة لجميع المرجعيات والأجسام الدينية بالعمل على تشكيل هذه المرجعبة العلمية وإلا بقي الشباب حائرين ضائعين تتقاذفهم الأمواج بين التيارات فعقول الشباب مسؤولية في أعناق العلماء وإلا اتخذوا رؤوسا جهالاً فأفتوا بغير علم فضلوا وأضلوا.

 

 

نور سورية

المصادر: