حلب المعركة الفاصلة

الكاتب : عبد الله زيزان
التاريخ : ٢ ٢٠١٦ م

المشاهدات : 2785


حلب المعركة الفاصلة

حين نتابع الأحداث العظام هذه الأيام في محافظة حلب، وشلالات الدماء التي تسيل في حاراتها وقراها، سواء كانت الدماء من السوريين الشرفاء أو من المرتزقة شذاذ الآفاق، نستذكر البدايات الأولى للثورة، حينها لم يعلم الشعب أن لبلادهم تلك المركزية العالمية، فقد أرادوا ثورتهم بأقل التكاليف وأقصر الطرق، تماماً كما حصل مع شعوب عربية أخرى ثارت ونالت ما تريد (قبل انقضاض الثورات المضادة عليهم)..

لم يتوقع السوريون أن يحتشد العالم بأسره لمواجهة التغيير المرتقب لبلادهم، لينقسم العالم على نفسه، فكل له مصالحه الخاصة وكل يريد أن تكون حصته من الكعكة السورية الأكبر والأوفر، فكانت النتيجة فاتورة باهظة يدفعها الشعب يومياً لدعاة حقوق الإنسان من الدول والمنظمات الغربية.
وإذا كانت سورية قد حظيت بمركزية العالم، وهو ما أدى لدمارها واللعب بتاريخها وحاضرها فإن محافظة حلب اليوم بات قدرها أن تكون مركز الثقل السوري، فهي اليوم في عين الاهتمام العالمي، ويبدو أن الكعكة الحلبية تثير لعاب العابثين بالبلاد، الطامعين بالحصول على الجزء الأكبر من التركة السورية، فكان ذلك الاهتمام سبباً في دمارها وتهجير أهلها.
والمؤكد اليوم أن أبناء فارس من الإيرانيين قد جعلوا من تلك البقعة الجغرافية هدفاً لهم، ولم يخفوا ذلك، فقد قال كبير مستشاري فيلق القدس الإيراني العميد (أيراج مسجدي): إن القتال في سورية والعراق يهدف إلى الدفاع عن حدود البلاد وإيجاد عمق أمني لها” زاعماً أنّ (التيارات التكفيرية) وبدعم من السعودية وإسرائيل تستهدف سورية والعراق للاقتراب من الحدود الإيرانية، ومسجدي هو مستشار قائد فيلق القدس في الحرس الثوري الإيراني (قاسم سليماني).
وقد أكد هذا الجنرال أن (حلب والفلوجة) وبقية المناطق السورية والعراقية تعد الخطوط الأمامية لما وصفها بجبهة المقاومة الإسلامية، وأن قوات الحرس الثوري ستبقى في ساحات القتال حتى القضاء على آخر عنصر من تنظيم داعش وهي الحجة التي يستخدمها أعداء الثورة لتصفية خصومهم من الثوار.
هذه التصريحات مع تصريحات أخرى تتحدث عن إصرار إيران للسيطرة على محافظة حلب حتى لو كلف ذلك عشرات الآلاف من القتلى الإيرانيين وغيرهم من المرتزقة تشير إلى الأهمية الكبرى التي يوليها أعداء الشعب السوري للسيطرة على تلك المنطقة الهامة، وهذا ما يتفق تماماً مع الواقع على أرض المعركة، حيث يدفع المرتزقة من الإيرانيين واللبنانيين فاتورة كبيرة،آخرها عشرات القتلى والجرحى والأسرى لحزب الله في ريف حلب الجنوبي.
والواضح أن المخطط الخبيث المعد لتلك المحافظة يجري وسط سكوت غربي خبيث مثله، فلا الإدارة الأمريكية ولا كل المنظومة الغربية حركت ساكناً تجاه المجازر التي تقع هناك، تلك المجازر التي يجري نقلها على الهواء مباشرة، دون أن تثير حفيظة الحقوقيين أو المنظمات الدولية، التي تتحرك وفقاً لنوعية الدماء التي تسفك، ولنوعية البشر المستهدفين، فيغضبون لبضعة فرنسيين أو أمريكيين، ولا تحركهم آلاف الضحايا الذين يتساقطون يومياً في سورية.
فإذا كان المخطط يجري بتخطيط روسي وتنفيذ إيراني، وتغطية من النظام السوري، وصمت من المجتمع الدولي، فهذا شأن الأعداء ولا غرابة في ذلك، فلا ننتظر من الأعداء إلا كل شر، لكن العتب هنا على أصدقاء الشعب السوري من الأنظمة التي تتقاطع مصالحها مع مصلحة الشعب السوري، بل إن خسارة السوريين لمعركتهم سينعكس وبالاً على تلك الأنظمة والدول.
معركة حلب معركة فاصلة، ولها من الأهمية الاستراتيجية ما يكفي لدفع أصدقاء الشعب السوري إلى الاستماتة في الدفاع عن تلك البقعة بعيداً عن حسابات الأعداء من الأمريكان وغيرهم، ممن يفرطون في الوعود لأولئك الأصدقاء، وهم في واقع الأمر ألدُّ أعداء الشعب السوري، ولا يكنون للبلاد إلا كل شر مستطير.
الواجب اليوم أكثر من أي وقت مضى على من تبقى من أصدقاء الشعب السوري من دول الخليج وتركيا أن يمسكوا زمام المبادرة ويدعموا الثوار الحقيقيين في حلب خصوصا،وباقي سورية عموماً، عليهم أن يكسروا الخطوط الحمراء التي وضعتها الإدارة الأمريكية المتمثلة بالفيتو على توريد أي سلاح نوعي للثوار يقلب موازين القوى في البلاد، فالثمن الذي سيدفعه أولئك الأصدقاء أقل بكثير من أي ثمن مستقبلي سيدفعونه في حال سقطت مدينة حلب لا قدر الله، لأنّ سقوطها سيعني التقسيم، وسيعني إنشاء الكيان الكردي على الحدود التركية، ويعني إيجاد موطئ قدم للطائفيين الشيعة في سورية، ليكتمل الهلال الشيعي، ذلك الحلم الذي سيبقى حلماً ولن يتحول إلى حقيقة طالما بقي ثائر صادق في سورية، وبقي داعم حقيقي يجيد الحسابات الدولية بعيداً عن الضغوطات الأمريكية والغربية التي لا تريد خيراً لا لسورية لا لأي بلد عربي أو مسلم آخر.

 

 

العهد

المصادر: