الانسحاب الروسي من سوريا: الدب فرّ!

الكاتب : أحمد راشد سعيّد
التاريخ : ١٧ ٢٠١٦ م

المشاهدات : 5360


الانسحاب الروسي من سوريا: الدب فرّ!

أعلنت موسكو الإثنين سحب «الجزء الأكبر» من قواتها في سوريا، فماذا حقق الدب الروسي من عدوانه على الشعب السوري الذي استمر أكثر من 5 أشهر؟ الحقائق تحدّثنا أن قصف الطائرات الروسية لمناطق عدّة غرب سوريا، والذي بدا همجياً ومسحيّاً، قتل الآلاف من سكّانها (نحو 4500 حتى الثاني من آذار/مارس بحسب المرصد السوري لحقوق الإنسان)، وأرعب نحو مليون مواطن فروا من منازلهم وهاموا على وجوههم.

وزير «الدفاع» الروسي، سيرغي شويغو، صرّح أن قوات الأسد مدعومة بطائرات روسية «حرّرت 400 منطقة مأهولة وأكثر من 10,000كيلومتر مربع من الأرض»، وأن «الإرهابيين (يقصد الشعب والمدافعين عنه) طٌردوا من اللاذقية وحلب» مضيفاً أن المقاتلات الروسية نفّذت أكثر من 9,000 غارة منذ 30 أيلول (سبتمبر) 2015 )موقع RT، 14 آذار/مارس 2016).
مع كل هذا التقدم، فإن روسيا لم تتمكن من هزيمة الثورة، وإعلانها أن قرارها بالانسحاب جاء بعد «إكمال المَهَمَّة» ليس إلا «خطابة»، فالحرب لم تضع أوزارها بعد، وفصائل الثوار (رغم التفرّق الذي يضرب معظمها) لاتزال مصمّمة على القتال، وسيمنحها الانسحاب الروسي قوة معنوية للكرّ مرة أخرى واستعادة ما خسرته.

ربما توقع الرئيس الروسي، فلاديمير بوتن، أن «تدخله» في سوريا سيكون «نزهة» لن تطول، وأنه سيستطيع «ترتيب الفوضى»، وإحراج الغرب، وتعزيز نفوذ الكرملن في «الشرق الأوسط» والعالم، لاسيما أنه يدرك جيداً دعم «المجتمع الدولي» لنظام الأسد، و«الفيتو» الذي ينفّذه بإحكام على تزويد الثوار بمدافع مضادة للطائرات.

كان يشعر بشيء من الأمن، ولكنه أيضاً كان حذراً من الفشل، إذ لم يرسل سوى 5,000 من جنوده إلى قواعد في طرطوس واللاذقية وحماة، ولم يكن هؤلاء مؤهلين لخوض معارك بريّة.
واجه بوتن بعض ما كان يخشاه: إسقاط تركيا إحدى طائراته؛ مقتل عدد من جنوده (ومن ذلك العملية النوعية التي نفذتها حركتا «أحرار الشام» و«بيان» في ريف اللاذقية أواخر شباط/فبراير، وأسفرت عن قتل العشرات من الجنرالات الروس)؛ نجاح الثوار في إسقاط طائرة ميغ في 12 آذار (مارس) فوق ريف حماة، ما أشعر الروس بجدية الأطراف الداعمة للشعب السوري (السعودية/تركيا/قطر) في تزويد الثوار بأسلحة حاسمة؛ انسداد «الحل العسكري» وعدم القدرة على تحقيق تقدم أكثر؛ صور أشلاء النساء والأطفال تحت أنقاض بيوتهم التي دمّرتها آلة القتل الروسية، الأمر الذي يدحض أكذوبة «الحرب على الإرهاب»، ويضرم كراهية روسيا في قلوب المسلمين، بمن فيهم 30 مليوناً داخل الاتحاد الروسي نفسه، وأخيراً الضغوطات الاقتصادية كتقليص تركيا وارداتها من الغاز الروسي، وتضاعف سعر البضائع التركية، وهبوط الروبل، وإفلاس مصارف كبيرة.

أرسل بوتن قواته إلى سوريا في مغامرة قرر سلفاً أنه سيوقفها في أي لحظة يشعر أنها ستتحول إلى مستنقع يستنزف بلاده مستحضراً الدرس الأفغاني الكامن أبداً في الذاكرة. كانت 5 أشهر كافية ليستعرض قوته، والآن قرر الانسحاب قبل أن يُجبر على ذلك.
لكن روسيا ستظل معنيّة بالشأن السوري لأسباب تصنّفها جيوسياسية (أبقت على وجود عسكري لها في قاعدة طرطوس البحرية، وقاعدة حميميم قرب اللاذقية حيث تعمل 48 مقاتلة) لكنها ليست معنيّة ببقاء شخص الأسد، إذ ربما ستسعى إلى «ترتيب» ما (بالتنسيق مع واشنطن) يبقي حالاً من التشرذم والاستعصاء، من أجل الدفع إلى تسوية «أممية» تتضمن تقسيماً تحت شعار الفيدرالية يمنح «العلويين» دولة خاصة بهم، وهو ما اقترحه صراحةً وزير «الدفاع» الإسرائيلي، موشي يعلون، في ميونخ قبل شهر.

بغض النظر عن تداعيات الانسحاب ومآلاته، فلا شك أنه يمثّل هزيمة لمشروع إنقاذ «نظام» لا يمكن إنقاذه، ودليل آخر على عجز «المجتمع الدولي» عن إجهاض ثورة عظيمة، ونقطة فاصلة أخرى في مسيرة هذه الثورة.

 

 

 

العرب القطرية

المصادر: