حول إمارة جبهة النصرة(3): هل تراجع الجولاني عن إعلان الإمارة؟

الكاتب : عماد الدين خيتي
التاريخ : ١٥ ٢٠١٦ م

المشاهدات : 9680


حول إمارة جبهة النصرة(3): هل تراجع الجولاني عن إعلان الإمارة؟

ورد في المقال السابق (خطة إعلان الإمارة) تفاصيل الإمارة التي أعلن الجولاني على إقامتها في سوريا في شريطٍ تسرب إلى الإعلام، والخطة العملية لذلك.. فما هو موقف الجبهة من هذا الإعلان؟ 

*                        *                        *

موقف جبهة النصرة من شريط الجولاني المسرَّب:
بعد أن انتشر تسجيل الجولاني حول إعلان الإمارة أصدرت الجبهة (بيان توضيحي حول ما أشيع عن إعلان جبهة النصرة لإمارة إسلامية) في رمضان 1435 هـ- 12/ 7/ 2014م، ولم تثبت أو تنفِ هذا التسجيل، أو تذكر سبب قيام الجولاني بهذا الاجتماع، أو التعليق على الخطة التفصيلية لإقامة الإمارة، وإنما اكتفت برسائل يُفهم منها أن هناك إمارة قادمة ستعلن، والتأكيد على مشاركة (الصادقين المخلصين) لها في المشروع، ومحاربة (المفسدين والمعارضين)، فقد جاء في البيان:
"1-إنَّ مشروع جبهة النصرة من أول يوم أُسست فيه هو إعادة سلطان الله إلى أرضه وتحكيم شريعته.
2-إننا نسعى لإقامة إمارة إسلامية وفق السُنن الشرعية المعتبرة ولم نعلن عن إقامتها بعد، وفي اليوم الذي يوافقنا فيه المجاهدون الصادقون والعلماء الربانيون سنعلن عنها بإذن الله.
3-إننا نسعى لتحكيم الشريعة من خلال إقامة دور للقضاء ومراكز حفظ الأمن وتقديم الخدمات العامة للمسلمين في غضون عشرة أيام بديلا عن الهيئات الشرعية السابقة.
4- لن نسمح لأحد أن يقطف ثمار الجهاد ويقيم مشاريع علمانية أو غيرها من المشاريع التي تقام على دماء وتضحيات المجاهدين.
5- لن تتهاون جبهة النصرة مع المجموعات المفسدة في المناطق المحررة بالاتفاق مع الفصائل الصادقة.
6- رص الصفوف ضد الأخطار التي تهدد الساحة سواء من قبل النظام النصيري أو جماعة الخوارج الغلاة".
وليس في هذا البيان ما يزيل اللبس عن التساؤلات التي طرحت حول الشريط المسرَّب، أو الأفكار الخطيرة، والتفاصيل الواضحة لخطة إقامة الإمارة، بل إعادة لعموميات قيلت سابقًا قبل الشريط، مما يصرف ذهن القارئ لنقاط أخرى ليست هي محل البحث، فمثلاً:
1- أعاد البيان الحديث إقامة شرع الله، مع أن بقية الفصائل قد أعلنت هذا الأمر في مختلف وثائقها وبياناتها، ونصت عليه في العديد من المشاريع التي طرحتها، لكن جبهة النصرة رفضتها كـ (ميثاق الشرف الثوري) الذي جاء في المادة الأولى منه: "المادة الأولى: ضوابط ومحدّدات العمل الثّوري مستمدّةٌ مِن أحكام ديننا الحنيف".
فما سبب إعادة النصرة للإلحاح في طرح مسألة على جهات تنادي بها بالأصل قبل مبادرات النصرة ومشاريعها؟
إنَّ هذا الإلحاح يشير إلى أنَّ النصرة هي الوحيدة الحريصة على تطبيق للشرع، وأنَّ هذا كان باقتراحٍ منها، وهو مشروعها دون مشروع بقية الفصائل، مع ما فيه من اتهام للآخرين ومشاريعهم.
إنَّ الخلاف الحقيقي فيما يتعلق بتطبيق الشريعة هو مرجعية هذه الشريعة، وكيفية تطبيقها، وليس مجرد المناداة بها.
فباتفاق الجميع –حتى جبهة النصرة- فإنَّ مشروع تنظيم القاعدة يختلف عن بقية مشاريع تطبيق الشريعة في العالم الإسلامي، وإذا أضيف إلى ذلك أنَّ مراجع جبهة النصرة الشرعيين لا يرتضيهم أهل الشام –ولا عامة أهل العلم- ويرونهم من أشد الغلاة، وأنهم أساس مذهب الغلو الذي تعاني منه الساحة اليوم كعصام البرقاوي (أبو محمد المقدسي)، وعمر عثمان (أبو قتادة الفلسطيني)، والذين وصفهم العرديدي في تغريدة له بتاريخ 28/12/2015م بأنَّهم: "أئمة السنة في زماننا" انتهى، فإنَّ الفرق بين مشروعي تطبيق الشريعة كبير، ولا يمكن تجاهله.
لذا يظهر تأكيد جبهة النصرة دائمًا على أن يأخذ الجميع بمشروع جبهة النصرة حصرًا، كما قال الجولاني: "الذي يتوافق معنا في هذه الشروط والضوابط فنحن يدنا بيده"، وما جاء في البيان التوضيحي: " في اليوم الذي يوافقنا فيه المجاهدون الصادقون والعلماء الربانيون سنعلن عنها بإذن الله".
فالمقصود بتطبيق الشريعة ليس هو ما يتبادر إلى ذهن عموم المسلمين من الشريعة التي يؤمن بها عامتهم، ويرجعون فيه إلى أهل العلم عندهم، بل هي ما صرح به الجولاني في شريطه المسرَّب بأنَّه مشروع القاعدة:
"حان الوقت لتقطفوا ثمار جهادكم الذي مضى منه ثلاث سنوات على أرض الشام، وأكثر من 40 سنة من جهاد لتنظيم القاعدة في بلاد الأرض شتى".
وقال: "هذا مشروع أمة، هذا المشروع ... ينتظره منكم جهاد 40 سنة لتنظيم القاعدة مضنٍ" انتهى.
فلم لا تكون بيانات جبهة النصرة العامة المعلنة واضحة صريحة في هذه النقطة وتعلن مشروعها لتطبيق الشريعة بصراحة ووضوح، دون الاكتفاء بعمومات أو إحالة على (أهل العلم الصادقين)؟
إنَّ كثرة الحديث عن إقامة الشريعة وتطبيقها، لا يجعل المشروع كذلك، إلا بقدر موافقته للشرع فعلاً، بتزكية أهل العلم له.
2- تكرر في البيان حديث جبهة النصرة عن عدم السماح لمشاريع علمانية بالحكم في سوريا، وهو وإن كان مطلبًا مشروعًا إلا أنَّه ليس بين فصائل المجاهدين من يدعو أو يعمل لذلك، فتكرار توجيه الخطاب لها بذلك اتهام مبطَّن.
وإذا أضيف لذلك رفض جبهة النصرة لكل ما طرحته الفصائل المجاهدة من مشاريع للتوحد كـ (جبهة تحرير سوريا، والجبهة الإسلامية، وميثاق الشرف الثوري) بزعم وجود مخالفات شرعية فيها، واستمرار قياداتها ومراجعها الشرعيين في اتهام عدد من الفصائل بالإرجاء، أو الانحراف، سيجعل من تهمة العلمانية سيفًا مسلطًا على كل مشروع توحُّد لا تقبل به جبهة النصرة، وقد سبق لها أن اتهمت مشروع ميثاق الشرف الثوري بذلك؛ فمما جاء في البيان رقم (9) بتاريخ من رجب 1435هـ -20/ 5/ 2014م في رفض ميثاق الشرف: "نوضِّح ما فيه من مؤاخذات حسب ما نفهم من ديننا، ونبيِّن جانبًا من منهجنا... وهذا مخالف لما قررته نصوص الوحي  ... ونحن في جبهة النصرة نرفض كل الرفض وبكل صراحة ووضوح ... بل ونعلنها بكل صراحة بأننا لن نقبل...." انتهى.
فالذي يوافق نصوص الوحي هو ما تفهمه النصرة من الدين، وهو منهجها،، وما يخالف ذلك لا يكون إلا منحرفًا..
بل ورد في البيان ألفاظ صريحة بالاتهام بالعلمانية، ومن ذلك: "غياب مبدأ الأخوة الإيمانية وطغيان روح الأخوة الوطنية والترابية في بنود الميثاق جميعها" انتهى!!

*                        *                        *

بيان للناطق الرسمي باسم جبهة النصرة:
نشر الناطق الرسمي السابق رضوان نموس (أبو فراس السوري) توضيحًا باسم (من الواقع) بتاريخ شوال 1435 هـ - أغسطس -  آب / 2014 م، وقال فيه عن الشريط المسرَّب:
"لم تكن كلمة "الإمارة" التي أطلقها الشيخ الجولاني -حفظه الله- أثناء كلمته بين جنوده تعني الإمارة المعتبرة شرعًا وعرفًا، إنما كان القصد من ذلك هو إعادة ترتيب المناطق المحررة بعد أن استشرى فيها الفساد ... مما دفع الإمارة (!) إلى الاتفاق مع عدد من الفصائل على وثيقة عُرفت باسم (وثيقة تحكيم الشريعة)، هذه الوثيقة تهدف إلى التعاون على إعادة تنظيم المناطق المحررة وإقامة دُور قضاء تُنصف المظلومين وتضع حدًّا للظالمين والمعربدين...
ولم يكن لجبهة النصرة أن تعلن إمارة بمعنى الإمارة المستقلة أو بمعنى الدولة أو بمعنى مقارب لذلك إلا بالتشاور مع كافة الفصائل الإسلامية التي تسعى لتحكيم شريعة الله في الأرض، والتشاور مع أهل الحل والعقد ووجهاء أهل الشام من الذين يسعون لتطبيق شرع الله، والتشاور مع العلماء داخل الشام وخارجها".
ويقال في كلامه ما قيل في الإجابة عن بيان الجبهة الرسمي..
إلا أنَّ في كلام أبي فراس أمر مهم وهي قوله إن الإمارة التي تكلم بها الجولاني لم تكن (تعني الإمارة المعتبرة شرعًا وعرفًا)، وهذا كلام غير صحيح في الواقع، ومناقض لبيان الجبهة، ولكلام الجولاني الذي تحدَّث عن تفاصيل الإمارة، وأسسها الشرعية، والأذرعة التي تقوم عليها، وتفاصيل تطبيق على ذلك، وأنها الإمارة التي ينتظرها المسلمون من 1400 سنة، وأنها إمارة على منهاج النبوة، وغيره مما سبق بيانه، فهي إمارة حقيقية شرعًا وعرفًا، وإلا لما نفى بيان الجبهة إقامتها، وأخبر أنها ستقوم بالفعل.. 

*                  *                          *

مبادرة الجولاني الأخيرة للتوحد:
قد يقال:
كل ما سبق لا قيمة له بعد أن أطلق الجولاني مبادرته التي أعلن عنها معرف (أبو عمار الشامي) على تويتر والتي تضمنت:
1- مبايعة أمير واحد. 2- حمل راية واحدة. 3- مجلس شورى ملزم.
4- توحيد العسكرة والقضاء وإدارة المدن وغيرها من المفاصل.
وقد تنازل الجولاني فيها عن الإمارة لصالح التوحد،، وهي بهذا تمحو كل ما سبق..
وهذا الكلام غير صحيح لما يلي:
1- في الوقت الذي كان الجولاني قد صرَّح وتعهَّد مرارًا أن الجبهة لا تريد الحكم، ولا الإنفراد بإدارة المناطق المحررة، كان يعمل سرًا على مشروع إمارة (تقيمها جبهة النصرة، تابعة للقاعدة، على منهاج النبوة، ينتظرها المسلمون من 1400 عام، تبدأ بسوريا ثم تنطلق فاتحة خارج الحدود).
وفي أول بادرة لإمكانية إقامة الإمارة صرح الجولاني لجنوده الذين خلا بهم بذلك، ووضع لهم خطة عملية وزمنية، وأطلق المشروع الذي لم يكتب له النجاح الآن لأسباب خارجة عن إرادتهم.
ثم ها هو يتعهد مرةً أخرى بعدم رغبة الجبهة في الحكم، والتنازل عنه، فما الذي يدعو لتصديق هذا التَّعهد والوعد بعد ثبوت عدم مصداقية كل تلك الوعود والعهود طيلة السنوات السابقة؟
2- ما طلبه الجولاني من توحيد القضاء والإدارة هو ما عملت الفصائل والقوى الثورية على توحيده خلال السنوات السابقة، ونجحت في جانب القضاء بخطوات رائدة في درعا، والغوطة، وحلب، وغيرها، كما نجحت في إنجاز خطوات عديدة في الجانب الإداري منه في عدد من المناطق.
مشاريع التوحُّد هذه عملت جبهة النصرة على إفشالها بالفعل بالانسحاب منه، بزعم مخالفتها للشرع، فشقت الصف بذلك، وفرَّقت الكلمة.
فالتفرق الحاصل الآن إنما كان بسببها هي، والعودة لمشروع التوحُّد الآن ليست مبادرة للجولاني، ولا مشروعًا لجبهة النصرة، بل غاية ما فيه: التراجع عن خطأ وقع فيه، وطعن قاله في المشاريع القائمة..
ولا بد من سؤال: هل ستكون العودة إلى هذه المشاريع دون أية شروط؟ وهل ستقبل جبهة النصرة بـ (المخالفات الشرعية) التي لحظتها سابقًا؟ وكيف ستتعامل معها الآن؟ كل ذلك غير مذكور في المبادرة..
ثم: ألا يحق لبقية الفصائل والجهات الثورية أن تقف مع الجبهة وقفة مراجعة ومحاسبة على ما سبق من شق الصف، وإضعاف المؤسسات، والتهم التي تقدح بالدين والعدالة؟
3- مشروع التَّوحد الذي طرحه الجولاني مشروع عام يحتاج لتوضيح:
- ما هي شروط جبهة النصرة لهذا التوحد؟ ألم يقل عمر عثمان (الفلسطيني) معلقًا على مبادرات التوحد بتغريدات له يوم 2-2-2016م وأعاد تغريدها العريدي كبير شرعيي النصرة: "الوحدة واجب شرعي يدعو لها كل مسلم وهي أملهم، وبها تتحقق المقاصد، ولا بد من قيامها على أسس الحق والوعي والبصيرة، وهذه الكلمات لها رجال صادقون" انتهى.
فما هي أسس الحق والوعي والبصيرة عند (الفلسطيني)؟ ومن هم رجالها الصادقون؟ مع ما هو معروف من منهج الفلسطيني في التكفير والتخوين ورمي تهم العمالة والإرجاء على غالب فصائل المجاهدين في سوريا؟
ألا يوافق هذا كلام الجولاني وبيانات النصرة اللاحق في إقامة المشروع مع (من يتوافق معهم)، وأن تطبيق الشرع يكون (حسب ما نفهم من ديننا)؟ أي مشروع (القاعدة)؟
4- أما ذكره معرف (أبو عمار الشامي) من أنَّ سبب مبادرة الجولاني أنَّه: "لم تكن هناك مبادرات رسمية ذات خطوات وأسس عملية منطلقة من واقع الفصائل وحالها" انتهى، فهذا كلام غير صحيح، ومناقض للواقع.
بل كانت هناك مبادرة لبعض طلبة العلم –والتي قد تنشر رسميًا خلال هذه الأيام- وكانت قد عرضت على عامة الفصائل قبلتها، ثم جاء عرض الجولاني بعدها مقتصرًا على فصائل جيش الفتح الذي تُمنع عدد من الفصائل من دخوله!
وقد أكَّد على وجود مبادرة سابقة العديد ممن لهم علاقة مباشرة بالحدث:
فقد قال أبو عيسى الشيخ نائب أمير الأحرار بقول: " علما أن مبادرة أهل العلم كانت قبل مبادرة الشيخ الجولاني بقرابة عشرين يوما، وقد وقع عليها جمع كبير من طلبة العلم، ومنهم من هو في صفوف النصرة .
ومبادرة أهل العلم أسبق وأشمل حيث أنها تشمل أغلب فصائل الساحة بعكس مبادرة الشيخ الجولاني فإنها تقتصر على فصائل جيش الفتح فقط .
فإن كانت مبادرة أهل العلم، فإن الشيخ أبا يحيى عند لقاء العلماء قال لهم حرفيا: امضوا بما ترونه مناسبا ونحن سهم في كنانتكم ولن نكون حجر عثرة .
ونحن اليوم نؤكد على كلام الشيخ أبي يحيى، أننا مع مبادرة أهل العلم، لم نعطلها ولن نرفضها، بل للأسف من يعطل هو من رفض لقاء العلماء أساسا!
- أما مبادرة الشيخ الجولاني باندماج فصائل الفتح دون فك الارتباط بالقاعدة هي ما توقفنا عنده، ولم نعط عليه جوابا، وهو ما نراه ضررا على الساحة" انتهى.
وكذلك ما ذكره الدكتور أيمن الهاروش: " مبادرة أهل العلم التي اطلقناها لاقت قبولا عند كل الفصائل بلا استثناء وكلهم ابدوا ملاحظات وتوصيات يراها تخدم الساحة وسمعنا من الجميع وقدمنا صياغة للمبادرة راعينا فيها ما رأيناه مصلحة حقيقية كما سمعناه من الفصائل ولا تزال اللقاءات والتشاورات قائمة وقريبا جدا نصل لصيغة نهائية" انتهى.
فجاءت مبادرة الجولاني تقويضًا لمبادرة طلبة العلم، والتفافًا عليها.
فهل سبب ذلك أنَّها ستكون مبادرة على غير شروط الجولاني؟ وبغير ما يستطيع فرضه من منهج ورؤية، كما صرَّح بذلك مرارًا؟
5- الشروط التي وضعها الجولاني في مبادرته غير ممكنة التطبيق وهي محل خلاف مع بقية الفصائل، ومن ذلك:
  أ / اشتراط (مبايعة أمير واحد، حمل راية واحدة) للتوحد ابتداءً هو مطلب تعجيزي قبل البدء بالحوارات والنقاشات، وخاصة مع وجود اختلاف على أمور أساسية كطلب الانفصال عن القاعدة، وبعد المرور بالعديد من المبادرات الفاشلة للتوحيد، وكان يمكن أن تطرح مبادرة بما هو ممكن من مجالس قيادة، أو تنسيق، ونحو ذلك.
ب / ما ذكره الجولاني عن (رفض العملية السياسية المفضية لفرض دولة علمانية ديمقراطية): فهذا الكلام فيه أخطاء ومجازفات:
فهو يفترض أن جهود الفصائل الأخرى ستؤدي إلى دولة علمانية، وهي الفصائل التي اتهمها الجولاني في (مؤتمره) عن "مؤتمر الرياض" بالخيانة، والارتهان للخارج، ورافق ذلك تخوين وطعن من مراجع النصرة كالبرقاوي (أبو محمد المقدسي)، وعمر عثمان (أبو قتادة الفلسطيني) لكل من شارك في المؤتمر.
فمبادرة الجولاني هي مشروعٌ لتكوين جبهة موحدة تستعد لإطلاق تهم التخوين والعمالة والعلمانية على بقية الفصائل التي لا توافق على الانضمام للمشروع المزمع إطلاقه، أو تخالفه في آرائه ونظرته لمختلف القضايا السياسية.
ج / الحديث عن رفض العملية السياسية هو فرع عن الحديث عن المسألة الأهم وهي علاقة هذا (الكيان الموحد) مع دول الجوار والعالم، والمشروع السياسي الخارجي.
فقد جاء في البيان الرافض لميثاق الشرف الثوري: "نص الميثاق على اللقاء والتعاون مع الأطراف الإقليمية والدولية المتضامنة مع محنة الشعب السوري بما يخدم مصالح الثورة، فأطلق ولم يخصِّص عن أسمائها، أو موقفها وحالها من الإسلام والمسلمين في شتَّى البقاع، وعن دورها وأهدافها من الثورة السورية الإسلامية المباركة ونتائجها، وعن صور هذا التعاون واللقاء وما يدور فيه من أحاديث، فإننا نعلم أن هذه الأطراف الإقليمية لا تعمل إلا على محاربة الإسلام وأهله والوقوف في وجه عودة الخلافة الراشدة، هذا ما ذُكر في النقطة الرابعة من الميثاق، وأما في النقطة السادسة فقد ذُكر فيها كلام يفيد رفض أي تبعية للخارج" انتهى.
فمشروع جبهة النصرة الخارجي هو العداء مع جميع دول العالم، وهو عين مشروع القاعدة.
د / كما أنَّ الحديث عن الديمقراطية هكذا بإطلاق دون تفريقٍ بين فكر الديمقراطية وآلياتها، أو تفريقٍ بين حال بين الوسع والاختيار وحال الاضطرار، وغير ذلك من المسائل التي ليس هذا موضع بسطها هو من الخلط والخطأ، وهو من أبواب الغلو التي وقع فيها التكفير واستباحة الدماء المعصومة(1).
6- أما ما قيل عن تنازل الجولاني عن الحكم لصالح مشروع التوحُّد:
أ- فلا قيمة لهذا التنازل على أرض الواقع؛ لأن أيًا من الفصائل الأخرى لن تقبل بهذه المبادرة، فالتنازل حينها عن شيء لن يتحقق هو مجرد تسجيل نقطة على الطرف الآخر لا أثر له على الواقع، وهو ما تم بالفعل من حملة إعلامية على حركة أحرار الشام للضغط عليها للدخول في هذا المشروع، وفصلها عن بقية الجسد الثوري الرافض لمشروع القاعدة، واتهامها بأنها من يعطل الوحدة!.
ب- لو افترضنا قبول بعض الفصائل بشروط جبهة النصرة فحينها لا يهم من كان يحكم فعلاً؛ لأنَّ المشروع سيكون على مواصفات جبهة النصرة، وبإدارة تنظيم القاعدة.
ج- أهم نقطة يتجاهلها المتحدثون عن مبادرة الجولاني:
أنَّ في عنق الجولاني –والنصرة عمومًا- بيعة للظواهري، وهي بيعة إمارة وحكم، فالظواهري عند أتباعه هو الإمام الواجب الطاعة شرعًا، فقد جاء في (كلمة الجولاني الأخيرة بخصوص الأحداث الأخيرة) في 1-7-2014م قول الجولاني: " هذه بيعة من أبناء جبهة النصرة ومسؤولهم العام نجددها لشيخ الجهاد الشيخ أيمن الظواهري حفظه الله فإننا نبايع على السمع والطاعة في المنشط والمكره والهجرة والجهاد وأن لا ننازع الأمر أهله إلا أن نرى كفرا بواحا لنا فيه من الله برهان " انتهى.
وهذه هي البيعة العظمى..
فلو تنازلت النصرة عن الإمارة وكانت شريكًا في الحكم، فكيف سيكون تعاملها مع أوامر وتوجيهات الظواهري؟ وهل طاعة النصرة والتزامها حينذاك سيكون للظواهري أم للحاكم في سوريا؟ ولو تعارضت أوامر الظواهري مع الحاكم في سوريا فكيف سيكون التصرف؟
قال الجولاني في برنامج (بلا حدود) مع أحمد منصور على الجزيرة بتاريخ 27-5-2015م:
"التوجيهات التي تأتينا من الدكتور أيمن حفظه الله هي أن جبهة النصرة مهمتها في الشام هي إسقاط النظام ورموزه  وحلفاءه ...
ونحن الارشادات التي أتتنا بعدم استخدام الشام كقاعدة انطلاق لهجمات غربية وأوربية ... ربما تنظيم القاعدة يفعل هذا لكن ليس من الشام ...
أحمد منصور: ماذا لو استمر القصف الامريكي عليكم وعلى مقراتكم واغتيال رجالكم؟
أبو محمد الجولاني : ربما الخيارات مفتوحه ومن حق أي إنسان أن يدافع عن نفسه ... إن استمر هذا الحال على وضعه أعتقد أن هناك إفرازات ستكون ليست في صالح الغرب ولا في صالح امريكا" انتهى.
إذًا قرار المشاركة بالحرب والسلم هو بيد الظواهري، واحتمال انخراط النصرة في حرب على دول أخرى انطلاقًا من سوريا ممكن.. فأي مشروع دولة سورية وأي مشروع وحدة هذا؟؟
وكيف سيكون تصرف جبهة النصرة تجاه ما يقع لفروع تنظيم القاعدة في بلدان أخرى؟
بل كيف سيكون تعامل العالم مع فرع القاعدة في سوريا (جبهة النصرة) الذي يبارك عمليات بقية الفروع ضد هذه الدول؟
7- مما يبيِّن عدم واقعية مبادرة الجولاني أو صلاحيتها للتطبيق؛ لعدم تحقق الشروط الكونية والشرعية فيها أنَّها مبنيةٌ على استشراف الفشل في حال عدم تطبيق مشروع الجبهة، كما قال معرف (أبو عمار الشامي) الذي يغرد من خلاله الجولاني بتاريخ 11-1-2016م: " لا يعيب الثبات على الدين أن يكون المنتهى الجبال والأودية فاهنأ أنت بفنادق المنفى  !أو بكرسي الذل والمحاصصة الوطنية تماهيا مع النظام وأفراخه" انتهى!
وهذا هو حال مشاريع القاعدة في عدة دول على مرِّ السنين.
وهذا الكلام مخالف لأبجديات السياسة الشرعية التي تقوم على إقامة دين الله تعالى وتطبيق شرعه بحسب القدرة والاستطاعة، والموازنة بين المصالح والمفاسد، وجهل بسنن الله في إقامة الدول والإصلاح، فليس الخيار بين إقامة دولة تطبق شرع الله (بكل ما تقتضيه الكلمة من معنى ... وتفعل كل ما يأمرنا به الله عز وجلّ من الصغيرة إلى الكبيرة) وبين (أن يكون المنتهى الجبال والأودية)..
وأخيرًا:
إن اقتصار الحديث عن تراجعات للجولاني عن إعلان الإمارة، أو مبادرات جديدة دون النظر بشمولية للمشروع، وكافة تفاصيله الداخلية والخارجية، وارتباطاته المنهجية والتنظيمية طرح ساذج، واستخفاف بعقول الآخرين... وسيؤدي إما إلى فشل المشروع لعدم الوضوح مع اتهام الآخرين بالإفشال، أو توريط الداخلين فيه في أمور لم تعرض بشكل صحيح وواضح.

*                  *                          *

هل استفادت جبهة النصرة من التجارب السابقة؟ وهل يعد مشروع إمارتها مبتكرًا؟ وما علاقته بمشروع (إدارة التوحش)؟
إجابة هذه الأسئلة وغيرها في المقال القادم بمشيئة الله تعالى..
يتبع،،،

 

 

--------------------
(1) للتعرف على أحكام التعامل مع مصطلح الديمقراطية والدولة المدنية ونحو ذلك ينظر فتوى: حكم المجالس والتشكيلات التي تحوي مبادئ تخالف الشريعة، والتعاون معها http://islamicsham.org/fatawa/2413

 

 

 

نور سورية

 

المصادر: