في سياق مناقشة «الحرب على الإرهاب» أوروبياً

الكاتب : عبد الوهاب بدرخان
التاريخ : ٣٠ ٢٠١٥ م

المشاهدات : 2490


في سياق مناقشة «الحرب على الإرهاب» أوروبياً

 الفارق بين النقاشين الفرنسي والبريطاني حول الذهاب إلى «الحرب على الإرهاب» في سوريا، أن الفرنسيين رأوا الخطر بعيونهم، ويعرفون لماذا يجب أن يشاركوا، أما البريطانيون فليسوا متأكّدين من أن مستوى التهديد يستحق المغامرة، وإذا كان تحت السيطرة الآن فقد يصبح أشدّ بعدها. غير أن المشترك في عموم أوروبا أن أي خطط واستراتيجيات، مما جرى عرضه وشرحه، لا يكفي لتحقيق الهدف المرتجى، وهو القضاء على تنظيم «الدولة الإسلامية» أو «داعش».

كانت العواصم الغربية وحتى العربية أحصت، منذ صيف 2014، عدد مواطنيها الذين تسرّبوا إلى التنظيم وأصبحوا مقاتلين أجانب في صفوفه، واعتُمد الرقم 28 ألفاً يُعتقد أن بينهم نحو 5 إلى 6 آلاف من دول الغرب، ولاسيَّما فرنسا وألمانيا وبريطانيا وبلجيكا، فضلاً عن عدد ضئيل نسبياً (250 مقاتلاً) من الولايات المتحدة التي استمرّت طوال هذه المدة تنبّه إلى أن عدد «المقاتلين الأجانب» يتزايد ولا يتراجع رغم التدابير التي اتُّفق عليها منذ سبتمبر 2014 لتشديد الرقابة ومضاعفة الحواجز وتفكيك شبكات التجنيد للراغبين في السفر إلى الرقّة.

يشير ذلك بوضوح إلى أن عودة عُشر هؤلاء الغربيين، أو حتى أقل، تعني وجود مئات أو حتى عشرات الأفراد والعناصر على الأرض. بل ربما يكون «داعش» قد طلب منهم العودة لأنه يحتاج إلى خدماتهم في بلدانهم، بعدما استكمل تدريبهم وغسل أدمغتهم، أما تسليحهم فلا صعوبة في تأمينه.

لذلك يشكّل هذا العدد المفترض من الانتحاريين قلقاً حقيقياً لأجهزة الأمن، وأدّت هجمات باريس وتحليلها إلى زيادة المخاوف؛ إذ تبيّن للسلطات أولاً أنها لم تعرف بعودة مَن سُجّلوا لديها كـ»مغادرين»، ما يعني أن لديهم أساليبهم لاجتياز الحدود المفتوحة، وثانياً أن ثمة مشتبهين مسجّلين «خطرين» في بروكسيل وتُركوا طلقاء، ليظهروا في باريس، أي أن التنظيم أدرك أنه لم يعد يستطيع إخفاءهم في فرنسا التي شدّدت إجراءاتها منذ هجمات يناير الماضي. والأهم بالنسبة إلى الأجهزة أن المهاجمين الستة (أو الثمانية) في باريس كانوا وحدهم في الواجهة، إلا أن أبسط الفرضيات تتوقّع وجود آخرين وراء مسارح العمليات.

أي أن «العائدين» يحظون بتعاون مؤكّد من آخرين حالت الظروف دون سفرهم. وفي هذه الحال يصعب تقدير أعداد المتعاونين.

لا شك أن النواب يهجسون خلال تداولهم قرار الحرب بهذا الخطر القريب والمباشر، أكثر مما يهتمّون فعلاً بالقضاء على الإرهاب في سوريا أو في العراق.

وبالتالي فإنهم يطالبون أولاً بأن تقوم الأجهزة الأمنية بعملها، وأن تذهب إلى أقصى الحدود حتى لو تطلّب ذلك التشدّد إزاء الجاليات المسلمة التي يُفترض أن الإرهابيين يجدون ملاذاً آمناً فيها. وهو ما تفعله على أي حال، لكنها تعترف مسبقاً ودائماً بأن أحداً لا يستطيع استباق «الذئاب المنفردة» المتنكّرة بمظاهر عادية، وأحياناً خدّاعة، أو «الخلايا النائمة» التي تستيقظ فجأة وتتحرّك قبل أن يكتمل رصدها.

إذاً، لماذا الذهاب إلى الحرب في الخارج؟ هذا ما طرحه زعيم حزب العمال البريطاني جيمس كوربين، مسلّحاً بحجج قوية أهمها تبادل الانتقادات بين أعضاء «التحالف الدولي» بأن الضربات الجوية غير مجدية ما لم تواكبها قوات برية تقاتل التنظيم وتخرجه من أماكن سيطرته، بل إنها على العكس مكّنته من التوسّع ولم تمنعه من إعادة مقاتليه الأجانب إلى بلدانهم، بدليل أنه يستولي الآن على منطقة في ليبيا، ويقوم بعمليات تقوض الانتقال الديمقراطي والاستقرار الاقتصادي في تونس، ويعزّز روابطه مع إرهابيي سيناء وصولاً إلى «بوكو حرام» في نيجيريا.

قد تُعزى سلبية الزعيم العمالي إلى يساريةٍ بالية، وقد تبدو بلا مغزى في الوقت الذي يبذل المجتمع الدولي محاولات حثيثة لإقامة «تحالف واسع» بحثاً عن فاعلية أعلى ضد الإرهاب. إلا أنه يطرح الأسئلة التي يطرحها المجتمع البريطاني، وليس معلوماً كيف كان سيصوغ موقفه لو أن الهجمات الإرهابية حصلت في لندن وليس في باريس.

واقعياً، قد يكون الانكشاف الداخلي هو ما دفع الرئيس الفرنسي للذهاب إلى الخارج، ولعل ما جعل الحكومة البلجيكية تقوم بشلّ العاصمة وتعطيلها هو الخوف من انكشاف كهذا لا تستطيع مواجهته بالخيارات نفسها. لكن المسألة لا تقتصر على مجرّد التحدّي إرضاءً للرأي العام الداخلي، بل هناك أيضاً الواجب والمسؤولية اللذان يبرران ضرب الخطر في مصدره أيّاً يكن. وهذا هو الفارق في حال الدول الكبرى واختلافها عن تلك الصغرى.

يبقى أن النقاش الغربي الذي رافق ظاهرة «داعش» قبل «13 نوفمبر» الفرنسي وبعده، وظاهرة «القاعدة» قبل «11 سبتمبر» الأميركي وبعده، انحصر في مربعين ضيّقين:

أولهما يركّز على الإجراءات الأمنية المطلوبة، والآخر يسلّط الضوء على «مسؤولية الإسلام». وكلاهما يتبرّأ مسبقاً وكليّاً من أي مسؤولية غربية، أو لعله يعرفها ويتقصّد التعامي عنها، لأن الاعتراف بها يفرض مراجعة غير مرغوب فيها للسياسات.

وفي الحالات القليلة التي اقترب فيها مسؤولون غربيون من اعتراف غير رسمي بشيء من المسؤولية كانوا يتذرّعون بتحجّر السياسات الأميركية أو يحاججون بأن أي مراجعة لا يمكن أن تتمّ تحت ضغوط الإرهابيين، رغم أن التجارب بيّنت الصلة المباشرة بين التعنّت الأميركي ونشأة الإرهاب، سواء في أفغانستان والعراق، أو خصوصاً في الانحياز الثابت لسلطات الاحتلال الإسرائيلي ضد الشعب الفلسطيني، لتأتي أخيراً المقاربة الأميركية للأزمة السورية، وقد ظهر للعلن مقدار تعمدها استبعاد الخيارات التي تخلّص الشعب السوري من نظامه الإجرامي المستبد، لمصلحة خيارات فتحت الأبواب لـ»داعش» ووحشيته، وبذلك التقت واشنطن موضوعياً مع النظام السوري.

 

 

العرب القطرية

المصادر: