إيران والرهان على إفشال اجتماع فينا القادم

الكاتب : نبيل العتوم
التاريخ : ١٦ ٢٠١٥ م

المشاهدات : 2664


إيران والرهان على إفشال اجتماع فينا القادم

أعلنت طهران مجدداً أنها مع أي جهد دولي أو إقلیمي یمکن أن یؤدي إلى تسویة الأزمة السوریة، لكن شرط أن ينسجم هذا الحل مع مصالحها القومية التي تحقق أهدافها في التوسع والهيمنة وبناء النفوذ، ووفق الشروط والرغبات، وشریطة الابتعاد عن مخاطبة إيران ومن لف لفيفها بلغة الإملاءات. فالدولة الإيرانية بلا أدنى شك تدرك حجم المخاطر والكلف على مصالحها، وتعتبر نفسها صاحبة قرار سيادي في تقریر مصیر نظام بشار الأسد، وحتى في استمرار بقاء الدولة السورية، ووفقاً للمعاییر التي تحافظ على مصلحة دولة ولي الفقيه وحلفائه اللذين قدموا الكثير.
أكدت طهران أنها تتطلع الى اتخاذ قرارات حازمة في فیینا، لمحاربة الارهاب التکفیري المستشري في سوریة، على أن تتم هذه العملیة عبر إشراف الدولة والنظام السوری، وبدعم الحلفاء المخلصين لهم، الساعين إلى إعادة الأمن والسلام الى ربوع هذه الدولة، بعد إخراج المنظمات الإرهابية المدعومة من السعودية، وتركيا وقطر والقوى الاستكبارية. يتبعه وضع البرامج اللازمة لإعادة إعمار سورية.ونسيت دولة ولي الفقيه أنها تخوض اليوم بشكل مباشر بالتعاون والتنسيق مع مليشياتها الإرهابية أكبر حرب إبادة ضد شعب أعزل عرفه التاريخ الحديث.
المتغيرات الداعمة لإيران في مؤتمر فينا القادم: رؤية إيرانية
لاشك بأن دعم طهران وحلفائها للحكومة السورية، قد أسهم في إحداث تحولات دراماتيكية كبيرة لصالح النظام، مما عزز موقع حكومة الأسد في اجتماعات فيينا القادمة، وكان من نتائجه الانتصارات التي حققتها القوات السورية على العصابات الارهابية,حيث حررت هذه القوات مطار كويرس العسكري شرق حلب والذي كان محاصراً من قبل العصابات الارهابية لأكثر من عامين. وعلى أثر ذلك أكد الأسد أن هذا الانتصار يشكل رسالة واضحة المعالم إلى الأطراف الداعمة للعصابات الارهابية. كذلك حققت القوات السورية وخلال الأسابيع الماضية انجازات كبرى وتمكنت من تحرير مساحات شاسعة من المناطق التي كانت خاضعة لسيطرة العصابات الارهابية في حلب واللاذقية.
ترى إيران أنها تمكنت من أن تفرض على الدول الداعمة للارهاب وخصوصاً الدول الغربية الاعتراف بشرعية الحكومة السورية وبقاء الاسد في رأس الحكم. وأن زيارة وزير الخارجية العماني الأخيرة الى السعودية جاءت في هذا السياق، مع أن عمان تعرضت لضغوط الرجعية العربية في المنطقة وعلى رأسها السعودية التي تسعى دوماً لزج بند إزاحة الأسد في ورقة اعمال المفاوضات القادمة في فيينا.
أهداف مشاركة إيران في اجتماع فينا القادم:
ستشارك إيران -حسب زعمها – في اجتماع فیینا القادم، وهي تضع في عین الحسبان أن مشارکتها ومن معها -من الدول الحريصة على إيجاد مخرج للأزمة السورية – تهدف الى توحيد الصفوف ضد الإرهاب التكفيري، و إخراج سوریة من هذه الفتنة والفوضى المفتعلة نتیجة لتدخلات الدول المعروفة بنشر الارهاب. وأن مهمة المسؤولين الإيرانيين المشاركين في هذا الاجتماع واضحة جلية، وهي محددة في تحقيق هذا الهدف وحسب، ولهذا فإنه یُخطئ من یعتقد بأن جلوس المسؤول الایراني جنب إلى جنب على طاولة تضم المسؤولين الأمريکيين في فیینا، یُمکن أن یفسر بأکثر من هذه الدلالة. فالمعلن أن دبلوماسیة طهران في هذه اللحظات الراهنة لیست في وارد الخوض في محادثات ایرانیة أمريکیة بشأن القضايا والأزمات الإقلیمیة الأخرى رغم أهميتها وضرورتها بعد تورط الإرهاب الداعشي في تفجيرات باريس، مع التأكيد على أن اجتماع فیینا الجديد يأتي بمبادرة من روسیا، وأن موفد الولایات المتحدة سیشارك في الاجتماع شأنه شأن مندوبي ۲۰ دولة، إضافة الى ممثلَي الأمم المتحدة والإتحاد الاوروبي.. لا أکثر، على الرغم من محاولات واشنطن التواصل مع إيران من خلال استغلال هذه المناسبة لعقد لقاءات جانبية بعد أن تيقنت باستحالة ايجاد الحلول لقضايا المنطقة بمعزل عن إيران.، وإيمان إدارة أوباما المطلق بأن الحوار مع طهران سيعجل في حسم الكثيرمن المسائل، وتسريع الحلول للأزمات الإقليمية، بعد أن تيقنت في فشل الرهان على الدور السعودي والتركي في هذا المجال.
حدود المقبول والمرفوض إيرانياً في اجتماع فينا القادم:
أعلنت طهران المرحلة التالية من اجتماعات فيينا لحل الأزمة السورية والتي ستعقد بمشاركة ممثلين عن عشرين دولة ,بالإضافة الى الأمم المتحدة والإتحاد الأوروبي والأحزاب السورية المعارضة؛ وفي هذا الاطار لابد من تبيين مجموعة نقاط لتوضيح الموقف الإيراني:
أولاً: ان الاجتماع ليس من أجل اتخاذ القرارات لمستقبل النظام السوري، وتحديد مصيره، لاأن ذلك من صلاحيات الشعب السوري دون غيره، حيث ينبغي ً أن تسعى هذه الأطراف مجتمعة إلى أن لا تكون مخرجات هذه الاجتماعات هدفها تغيير الهيكلية السياسية للنظام السوري.
ثانيا: اعتبار تشكيل الحكومة الانتقالية تدخلا سافراً وغير مقبول في الشأن السوري، وأن الشعب السوري هو الذي ينبغي أن يقرر مصيره بنفسه.
ثالثاً: إن محور اجتماع فينا القادم يجب أنت يدور حول التنسيق لمحاربة التنظيمات والحركات التكفيرية دون غيره لأنها باتت مصدر الإرهاب الإقليمي والعالمي. إذ أن الاجتماع القادم يجب أن يتمحور حول الشعب السوري وممثله الحقيقي الحكومة السورية، ومع أن مشاركة ايران في اجتماعات فيينا ۱ و ۲ شكل خطوة إلى الأمام قياساً بالاجتماعات السابقة، إلا أنه لابد من وجود الارادة الكافية لدى الأطراف المشاركة في الاجتماع لإنجاحه. ولابد من فسح المجال للحوار السوري السوري لإنهاء معاناة الشعب السوري.
رابعاً: يجب اعتبار الحكومة والجيش السوري والداعمين له من الدول والقوى الشريفه هي محور محاربة الارهاب وأساسه.
وهنا يجب التذكير إلى نقطة مهمة وهي أن روسيا ومنذ بدئها للعمليات العسكرية في سوريا تسعى ومن خلال استخدام تعابير الإرهاب والمعارضة الى إيجاد مساحة واسعة لتبرير عملياتها في محاربة التنظيمات الإرهابية. وتتساءل بشأن تمسك الغرب برأيه وادراج ” تنظيم داعش” فقط في قائمة العصابات الإرهابية دون غيرها من العصابات كـ”النصرة” و”جيش المجاهدين” و”حركة أحرار الشام” وغيرها من العصابات، وتطالب أمريكا بإعادة النظر في هذه القضية. وفي مقابل المطالب الروسية حاولت بريطانيا إيجاد مخرج لهذه الورطة لإنقاذ العصابات الارهابية، وفي هذا السياق ادعى وزير خارجيتها بأن بعض العصابات مدعومة من دول حليفه لها، ولا تريد إدراجها في قائمة العصابات الإرهابية.
مع تأكيد بعض داعمي العصابات الارهابية كقطر وتركيا والسعودية على أن مؤتمر فينا هو بشأن مستقبل النظام في سوريا، إلا أنه وحسب الاجتماع الأول فإن التركيز كان على إيجاد خارطة طريق لفتح باب الحوار بين الحكومة السورية وما تسمى بالمعارضة المعتدلة، وأن جولة المبعوث الأممي دي ميستورا خلال الفترة الأخيرة في المنطقة بشأن القضية السورية تمحورت حول هذا الموضوع أيضاً.
خامساً: إن مشاركة الأحزاب المعارضة في الاجتماع لا يعني اضفاء صفة المشروعية عليها، وإنما تأتي لإتمام الحجة عليها، وإبلاغها بأن عليها التعاون مع الحكومة السورية الشرعية والشعب السوري، وإلا ستصنف ضمن قائمة العصابات الإرهابية.
سادساً: ضرورة الانتباه إلى أن إيران أدركت حجم المؤامرة الإقليمية والدولية على سورية، وتيقظت لها، وبنت إستراتيجيات ومقاربات للتعامل مع أي سيناريو؛ فبعد انتهاء اجتماع فيينا۱ الذي تم الاتفاق فيه على إيجاد الحلول السياسية للقضية السورية، إلا أن الغرب ومنذ انتهاء ذلك الاجتماع لم يلتزم بأي بند من البنود، بل على العكس قام بتصعيد الموقف بحيث أن أمريكا أعلنت إرسال مستشارين عسكريين وأمنيين إلى سورية، وقامت بمد التنظيمات الإرهابية بالسلاح، وامتنع الغرب عن إدراج اسم العصابات الإرهابية في قائمته السوداء، وأنه لولا مساعدة حلفاء الشعب السوري من الدول والأطراف المخلصة، لحدث مالا يحمد عقباه.
سابعاً: النقطة المحورية المتمثلة بسلوك الولايات المتحدة التي تحاول أن تجعل نفسها محور الحل، وبيدها مقاليد تصريف التحولات الدولية والإقليمية، وهذه طبعا تاتي في سياق سياسات واشنطن لإبراز صورة ناصعة عن نفسها والترويج أن بيدها مازال مفتاح الحل. ولكن مهما فعلت امريكا فان انجاح الاجتماع لا يمكن أن يتم بدون موافقتها على الطروحات الإيرانية.
ثامناً: عدم قناعة إيران بفرص نجاح اجتماع فيينا القادم، في حال عدم تبني الرؤية الإيرانية، وفي ظل عدم وجود أي تقارب في الرؤى ووجهات النظر، لهذا سيبقى التوصل لحل سياسي وفق هذه الظروف والمتغيرات بعيد المنال، في حال لم ينسجم مع الطرح الإيراني. من هنا فإن أي طرح حل لا ينسجم مع الرؤية الإيرانية سيكون محكوم عليه بالفشل ؛ فطهران التي قدمت التضيحات، وبذلت الغالي والنفيس في سبيل الحفاظ على سوريه لن تسمح بأن يذهب كل ما قدمت هباء منثوراً.

 

 

مركز أميه للبحوث والدراسات الاستراتيجية

المصادر: