سألوني عن جبهة النصرة -14-

الكاتب : مجاهد مأمون ديرانية
التاريخ : ١١ ٢٠١٥ م

المشاهدات : 3681


سألوني عن جبهة النصرة -14-

وصلنا أخيراً إلى أهمّ وأخطر ما نطلبه من جبهة النصرة، وقد أخّرته وقدمت عليه عشرة أنواع من التجاوزات طالبتُ النصرة بالتبرؤ منها والإقلاع عنها، لأني أردت أن أختم بالمشكلة التي هي أمّ المشكلات وهي جذر الخلاف بيننا وبينها.

إننا نطالب جبهة النصرة بأن تتخلى عن مشروعها القاعدي وتندمج في مشروع الجهاد الشامي الساعي إلى إنشاء الدولة السورية الحرة المستقلة. نطالبها بفكّ ارتباطها بتنظيم القاعدة والتوقف عن تلقي الأوامر من شيخها الظواهري، ليس فقط من أجل السبب الذي يُساق دوماً في هذا المقام، بل من أجل ما هو أخطر بكثير: خوفاً من مشروع الإمارة القاعدية الذي تسعى جبهة النصرة إلى إقامته على أرض الشام.

إن ارتباط النصرة بالقاعدة ما يزال يورد على أهل الشام الأذى ويحمّلهم من العبء ما لا يطيقون. ولا يقل أحد إن عداء العالم للقاعدة كعدائه لأي فصيل مجاهد في سوريا، فإن القاعدة سبقت بالاستعداء وأعلنت الحرب على العالم شرقه وغربه وعلى الأنظمة الحاكمة في بلدان العرب والمسلمين، ولم يكد يسلم منها أحد إلا إيران، فكيف لا يبادلها العالم حرباً بحرب وعداء بعداء؟

إن أهل الشام لا يريدون قطعاً أن يشاركوا القاعدة في معركتها مع العالم ولا أن يتحملوا عبئها الثقيل، لكن الأهم بكثير هو أنهم لا يريدون أبداً أن يستبدلوا بمشروعهم الذي ثاروا من أجله مشروعَ القاعدة الذي رأينا صوراً معبّرة عنه في العراق واليمن ومالي والصومال.

*   *   *

منذ أن وطئت جبهة النصرة أرضَ سوريا ونحن متخوفون من مشروعها الخاص، فكل فرع من فروع تنظيم القاعدة لا بد أن يحمل مشروعها، ومشروع القاعدة هو مشروع حكم ودولة. وقد علمَت النصرة أن أهل الشام سيخافون من ارتباطها بالقاعدة فأخفته أولَ الأمر، ولم تكشفه حتى كان البغداديُّ هو الذي كشفه في تسجيله الشهير في نيسان 2013، فتحسّر الجولاني لأنه كان يريد الاستمرار في الاستتار وقال: "ما كنا نريد الاستعجال بالإعلان عن أمر لنا فيه أناة".

أما الظواهري فكان أكثر حذراً حينما وجّه تعليماته إلى جبهة النصرة في أيار 2014 طالباً "عدم إعلان أية إمارة في الشام في هذه المرحلة". فلمّا رأينا تحديد النهي عن إعلان الإمارة بمرحلة محددة صار من حقنا أن نسأل: وماذا بعدها؟

فما انقضى شهران حتى جاء الجواب بصوت الجولاني نفسه في تسجيل سُرّب بتاريخ 11/7/2014، وفيه وعدٌ بإعلان الإمارة خلال أيام. كانت تلك هي المرة الأولى التي يتخلى فيها الجولاني عن حذره ويربط مشروع النصرة بمشروع القاعدة، بل وأكثر من ذلك، بمشروع جماعة الجهاد التي كان الظواهري أحد قادتها في مصر في السبعينيات.

قال مخاطباً أتباعه: "حان الوقت لتقطفوا ثمار جهادكم الذي مضى منه ثلاث سنوات على أرض الشام وأكثر من أربعين سنة من جهاد تنظيم القاعدة في شتى بلاد الأرض. آن الأوان لأن نقيم إمارة إسلامية على أرض الشام تطبق حدود الله وشرعه دون تهاون أو مواربة أو مداراة". ففهمنا أن مشروع النصرة هو مشروع القاعدة ذاته. ثم فكّرنا: من أين جاءت السنوات الأربعون والقاعدة لم تولد إلا أواخر الثمانينيات؟ فعلمنا أنه يربط مشروع إمارته في الشام ببدايات المشروع الذي حمله الظواهري من مصر إلى أفغانستان.

*   *   *

أثار الإعلان المسرَّب ضجة هائلة وقوبل باستنكار ورفض قاطع من الفصائل كلها. فوجئ الجولاني بذلك الرد العنيف وتراجع خطوة إلى الوراء، فأصدرت النصرة بياناً قالت فيه: "إننا نسعى لإقامة إمارة إسلامية وفق السنن الشرعية المعتبرة ولم نعلن عن إقامتها بعد، وفي اليوم الذي يوافقنا فيه المجاهدون الصادقون والعلماء الربانيون سنعلن عنها بإذن الله".

لم يَنْفِ هذا البيان الخوف لأنه لم يتبرأ من المشروع، بل ربطه فقط بموافقة "المجاهدين الصادقين والعلماء الربانيين". فأما المجاهدون الصادقون فلا يُستبَعد أن يكونوا جند الأقصى، وأما العلماء الربانيون فقد علمنا من متابعة النصرة زماناً أن علماءها غير علمائنا، فلم يزدنا إعلانُها إلا خوفاً فوق الخوف الأول.

على أن التراجع والاعتذار كان لفظياً فحسب، أما المشروع فبقي هو هو، فلمّا بسطت النصرة سلطانها على رقعة من الأرض رفعت راياتها وأقامت منشآت الحكم وبدأت بممارسة السلطان بلا ضجيج ولا إعلان، حتى إن الجولاني نفسه اعترف في لقائه مع الجزيرة بأنه أنشأ إمارة بلا إعلان فقال: "إن مهام الدولة قائمة على قدم وساق في الأماكن المحررة، وقضيّة الإعلان لم تكن محلّ اهتمام طالما وُجد الجوهر".

*   *   *

يا جبهة النصرة: إننا نحتمل أي أذى من أي كان إلا تُسرَق ثورتنا ليؤسَّس على جثث شهدائنا مشروعٌ للحكم والسلطان. أما يكفينا البلاء الذي أتت به داعش؟ وهل رفضنا داعش وقاتلناها إلا لأنها انتزعت منا الأرض لتقيم عليها مشروعَها الخاص؟

 

 

الزلزال السوري

المصادر: